هل يمكن قطعة من القماش أن تقلب وجهات نظر الأفراد رأساً على عقب؟
هل شخصية المرأة وأفكارها يمكن أن تختلف حين تضع على رأسها قطعة القماش هذه؟
هل الذين يخافون من الحجاب والإسلام يهابون الرمز فقط أم ما يحمله الرمز؟!
كل هذه الأسئلة حاولت الصحفية الأمريكية كاسيدي هرنغتون الإجابة عنها حين قررت أن تخوض تجربة فريدة, لكي تتعرف أكثر على المجتمعات المسلمة، فأخذت قرارها بارتداء الحجاب لمدة شهر كامل، بداية من شهر تشرين الأول 2010 حتى نهايته..
في البداية كانت تعتقد أن تغيير مظهرها الخارجي سيسمح لها بالتعرف أكثر على المجتمع المسلم وطبيعته، لكنها بعد خوض التجربة اكتشفت أيضاً مكانها وموقعها في هذا العالم. تعمل كاسيدي محرّرة في صحيفة كنتاكي كرنل، وفي الوقت نفسه تدرّس الصحافة والسياسة الدولية بجامعة كنتاكي، وحين فكرت في القيام بهذه المغامرة لم يكن الحجاب بالنسبة إليها إلا رمزاً مقدساً، صحيح أنه مثير للجدل، ويساء فهمه الى حد كبير، إلا أنه مع ذلك يظل رمزاً للدين الذي يبلغ عدد أتباعه أكثر من مليار مسلم في العالم، الدين الذي يساء فهمه كذلك ويثار الجدل حوله، ومن هنا أدركت كاسيدي أن أفضل طريقة للتعرف الى المسلمين هي معايشة دينهم، فقامت بوضع غطاء للرأس، وبدأت في ممارسة أنشطتها الطبيعية مع الأسرة، والزملاء والغرباء وهي مرتدية الحجاب.
وبعد مرور شهر كامل على ارتدائها الحجاب أحبت كاسيدي أن تشارك تجربتها مع الجميع، وإن كانت تعرف مقدماً أن ذلك سيفتح عليها النار، ويثير الكثير من الجدل حولها، لكنها اعتبرت أن هذه المغامرة ألهمتها كلمات لا يمكن نسيانها.
بداية الفكرة
بعد بضعة أسابيع قرأت كاسيدي مقالاً لكاتبة مسلمة تصف مشاعر الإسلاموفوبيا التي تقف وراء حملات منع إنشاء مسجد الغراوند زيرو، الذي انهالت على إثره تعليقات لاذعة للقراء، كلها تعبّر عن الكراهية والحقد والخوف من الإسلام، ومعظم هذه التعليقات رادفت الإسلام بالعنف والإرهاب، وجاء أحد التعليقات قائلاً: «الكاتبة تريدنا أن نثق بالإسلام، ولكن في ضوء تجربتنا الجماعية، وفي ضوء تاريخ الإسلام، يحق لي أن أتساءل على أي الكواكب تعتقد الكاتبة أننا نعيش».
وتروي كاسيدي أنها رغم عدم معرفتها بكاتبي هذه التعليقات فإنها شعرت بأنها تنتمي إليهم, لأنها غير مسلمة، لكنها قررت الانتقال للجهة الأخرى من الكوكب، واعتقدت أن ارتداءها الحجاب سيقرّبها من هذا المجتمع المجهول الذي تخشاه، وفي نفس الوقت سيمكنها من معايشة ملايين النساء في العالم اللاتي يرتدين الحجاب، وأخيراً سيجعل منها صوتاً غربياً غير مسلم يعبّر عن حقيقة الإسلام لكثير من غير المسلمين.
أول خطوة بالحجاب
بعد أسبوعين من لقائها بأعضاء الرابطة قامت هبة سليمان وصديقة أخرى بتعليمها كيفية ارتداء الحجاب، وقدمتا لها الدعم المعنوي، ولاحظت أن ردود الفعل على حجابها شبه منعدمة باستثناء بعض النظرات، ولكنها في نهاية الشهر اعتادت على الحجاب، حتى أنها كانت تسير في الجامعة وهي لا تتذكر أنها تضع غطاء على رأسها، وعلى الرغم من عدم تعليق أي من زملائها على حجابها فإنها أدركت أن كثيراً من زملائها وأساتذتها يتحاشون الكلام معها ويتجاهلونها.
وهنا شعرت بأن هناك فجوة بينها وبين الجميع أخذت تتسع شيئاً فشيئاً, لمجرد تغيير مظهرها، وعندما سألت زملاءها لم هذا التجاهل، جاءت الردود إما لأن الأمر يحمل الكثير من الحساسية، أو لعدم الاكتراث. وسببت هذه الردود ضيقاً لكاسيدي, حيث كانت تعتقد أن الحجاب ما هو إلا رمز تماماً كالصليب أو النجوم في العلم الأمريكي، وأنها ما زالت كما هي كاسيدي هرنغتون، ولكن بمظهر مختلف.
الوطنية الزائفة
تجربة كاسيدي أكدت لها أن كثيراً من الأمريكيين يعانون من مرض الرهاب من الإسلام، بل ويساهمون في تأصيله بالدعابات السمجة، فبعد ارتدائها للحجاب تلقت بريداً إلكترونياً من أحد القراء، وحينما قامت بتشغيل ملف الصوت المرفق سمعت صوت الأذان من الحرم المكي، ثم توقفه بعد إطلاق ثلاث رصاصات ليرتفع بعدها النشيد الوطني الأمريكي، وحينما تحدثت مع مرسل الرسالة أكد لها أنها مجرد مزحة، وهنا تكمن المشكلة: من وجهة نظر كاسيدي أننا بدعوى الوطنية نطلق النكات والدعابات لتأصيل الخوف من دين لا نعرفه جيداً.
وحين توجهت كاسيدي لأحد المؤتمرات الصحفية، فوجئت بأنها الوحيدة التي تم توقيفها من بين كل الصحفيين الذين حضروا المؤتمر، وطُلب منها الكشف عن هويتها، حينها تأكدت أنها أتقنت دورها جيداً بالحجاب، لكنها في الوقت نفسه عرفت حجم الخوف والتحامل على الإسلام.
وتتساءل كاسيدي عن سبب الخوف من الإسلام مع أن الغرب ليس في حالة حرب معه، بل إن كثيراً من الجنود المسلمين يخدمون في الجيش الأمريكي ويدافعون عن هذا البلد، وتدعو كاسيدي جميع الأمريكيين لأن يحذو حذوها بالاقتراب من المجتمع المسلم، ومعايشته، ليس شرطاً بارتداء الحجاب، ولكن بمشاركتهم المناسبات الدينية، ومحاولة التعرف أكثر إلى الإسلام الحقيقي.

JoomShaper