زينة برجاوي
انتشرت في الفترة الماضية موجة من الأغاني العربية تتناول موضوع المرأة والعمل. تعبّر إحدى الأغاني عن رفض خروج المرأة من المنزل لمزاولة مهنة معيّنة، بينما ترفض أغنية أخرى نظرية أن تكرّس المرأة حياتها للمنزل والعائلة من دون الاستفادة من الشهادة الجامعية التي نالتها.
أثار هذا النوع من الأغاني حفيظة بعض مناصري حقوق المرأة، لكن هناك شريحة كبيرة عارضت الفكرة، من منطلق آخر فرضه الأمر الواقع، أي الأوضاع الاقتصادية التي أدّت إلى قبول الرجل بأن تعمل الزوجة.
إذاً، أخذت المرأة دورها كعاملة، أو موظفة في الدوائر الحكومية والقطاع الخاص، أو في الحقل السياسي انطلاقًا من مبدأ إبراز دورها في المجتمع، ثم المشاركة في الحياة الاقتصادية للأسرة. وتحصل المرأة على راتبها الذي تجنيه من عرق جبينها وبالتالي يحقّ لها التصرف به. في المجتمع اللبناني، نجد عدة نماذج عن المرأة العاملة. منهن من تشارك زوجها في إعالة المنزل، ومنهن من تحتفظ براتبها الخاص وتعتمد في الوقت ذاته على راتب الزوج، وهناك أيضًا المرأة التي تقع ضحية الرجل الجشع الذي يقرّر فجأة الجلوس في المنزل والعيش على حسابها!
تعيش ميرفت الحالة الأخيرة. تعمل كمزيّنة شعر وكانت قد بدأت المهنة منذ عشر سنوات حين عملت في أحد الصالونات. تعرّفت على زوجها الذي كان يعمل في «كاراج» للسيارات. لم يكن ناجحًا في عمله، بعكس ميرفت التي تمكّنت من امتلاك صالون للسيدات خاص بها. ما دفع زوجها إلى التخلي عن مهنته، ما دامت زوجته قد نجحت في مجالها.
تؤكد ميرفت أنّها قد «تتنازل» أحيانا عن أمور عديدة كي لا تدمّر حياة أولادها، وأكثر ما يزعجها هو ادّعاء زوجها أنه من موّل لها مشروع امتلاكها الصالون.
صرف المال على التسوّق
تنقلب الآية عند لارا التي لا تنفق «قرشًا واحدًا» من راتبها، بل تدخره. تعمل لارا في شركة استشارية، ويتولّى زوجها دفع مصاريف المنزل بكاملها. برأي لارا، فإنّ «راتب الزوجة هو حق لها ولمتطلباتها الخاصة، ولا يحق للزوج أن يطالبها به، لأنه المسؤول الأول عن الإنفاق على البيت والعائلة». وتشير إلى أنه «في حال رغبت المرأة في المشاركة، فهذا أمر اختياري يعود إليها، ويجب ألا يكون موضوع نقاش أو مشكلة بين الزوجين»، لافتة إلى أن «السياسة التي أتّبعها لا تسبّب أي خلاف مع زوجي».
وفي حين ترى هيفاء ضرورة مشاركة الزوجة في الإنفاق على المنزل، تعتقد أن الأمر يجب أن يحصل «بقناعة الزوجة ومن تلقاء نفسها، من دون ضغوط من الزوج، خاصة إذا كان يحتاج إلى ذلك». تتصرّف هيفاء براتبها بحرية، موضحة أنها تنفق أموالها في سبيل تأمين احتياجاتها الشخصية وبعض احتياجات البيت الكمالية، وكذلك في شراء الهدايا لزوجها وأهلها، أو لصرف المال على التسوّق والموضة.
تفاهم بين الزوجين
وللزوج وجهة نظره في الموضوع. يرى خالد، وهو محام، أنه حين يعمل الزوجان، يحصل تفاهم واتفاق بينهما، لافتًا إلى أنه يتشارك وزوجته (وهي اختصاصية تغذية) الجانب الاقتصادي في إعالة الأسرة.
ويرفض خالد اعتماد الزوجات على أزواجهن، معتبرًا أنه «مثلما الزوج العامل هو رب أسرة، المرأة العاملة بدورها مسؤولة أيضا عن الأسرة من الناحية الاقتصادية». ويضيف: «التعاون يجب أن يكون فعليا وواقعيا لان الحياة صعبة وتحدياتها كثيرة».
وتقول نسرين، المعلمة في مدرسة خاصة والمتزوجة من تاجر للألبسة، إن زوجها «يضحي ببعض لوازم الراحة التي من المفروض أن تهيئها له». تنزعج من فكرة أن يؤثر عملها سلبا على تربية الأبناء، إلا أن الأوضاع الاقتصادية وازدياد الأعباء الحياتية، يحتمان أن يكون للزوجة العاملة دور في تخفيف هذه الأعباء. تلفت نسرين إلى أن زوجها يقترض المال منها أحيانًا، باعتبار أنها تتقاضى راتبها ثابتا في كلّ شهر، وفي هذه الحالة «يتم الإعلان عن حالة تقشّف تام في المنزل».
الأغاني تفرض المعركة
ترى الكاتبة والباحثة دلال البزري أن السجال بين الرجل والمرأة في الأغاني يفرض المعركة بين الجنسين، لافتة إلى أنه «يصعب الجزم قي تحديد حرية تصرّف المرأة العاملة براتبها، بسبب تنوّع الحالات وأنماط الزواج».
كذلك، تعتبر البزري أن الانتقال من مجال إلى آخر فرض على النساء مشكلة التوفيق بين مهمات المنزل والخارج «ولا تظهر هذه المشكلة، إلاّ عند الزواج وتعدّد الأطفال». وبرأيها، تكمن المشكلة في «خروج النساء من دون أن تؤمن لهنّ الدولة اللبنانية ضمانات أو تسهيلات في الحقوق، وفي الإجازات والمواصلات». وترى أن الرجل اليوم هو «بوضعية المتفاجئ بالانجاز الذي حققته المرأة، من خلال استطاعتها احتكار المجال الذي يشغله هو»، مشيرة إلى عدم وجود نمط معيّن في الزيجات وتقاليدها، وهذا ما يؤدي إلى التنوّع في أشكالها الزيجات وفي القيم كذلك.

JoomShaper