في الوقت الذي يزعم فيه البعض أن تونس بدأت في السنوات الأخيرة توجها للمصالحة مع الإسلام بعد عقود من محاربته على كل الأصعدة، فان واقع الحال يثبت أن تلك الملاحظات لا تعدو أن تكون انطباعات سطحية متسرعة لم تنفذ لمستويات فهم حقيقة عمل أهل الباطل بتونس حين مكرهم لدين الله ولأهله، وحين سعيهم لصد المؤمنين بكل الوسائل التي قد تتخذ أحيانا ظاهرا مخاتلا يعمل على تشتيت وعي الناس إذ يصلون لمرحلة تكوين رأي متكامل حول حقيقة هؤلاء وطرق عملهم ووسائلهم وخلفياتهم
، فيكون من أمر هذه الأساليب المخادعة أن تروج معاني أخرى تقول بان المنافق تغير حاله وأصبح مسلما مخلصا، وان الصاد عن قيم الحق بات داعيا لها، وأن تحالف أهل الباطل المكون من شراذم الزنادقة ممن يسمى جماعات اليسار وعصابات مستحدثي النعمة، قد أنفض ولم يعد موجودا.
ولكن يأبى الله إلا أن يفضحهم حينما يرتبك صف هؤلاء، فيبدر منهم ما يحيل لحقيقتهم من أنهم يمكرون مكر الليل والنهار، مكر لتزول منه الجبال، مكر يتوسل كل الأساليب للوصول لهدف تكريس واقع الانحطاط والجاهلية بمفهومها الإسلامي، واقع تكريس محاربة قيم الإسلام في شموليتها من خلال اختزال دين الله في بضع قيم منتقاة دون غيرها، تصفف وتختار بعناية بحيث تمرر مصالح أهل الباطل هؤلاء وتؤبدها وتجعل حولها صدا من أن تنتبه لها أفهام الناس، واقع اختزال الإسلام في مجموعة من الشعائر التعبدية البسيطة دون غيرها، وهي الشعائر التي لا تبني شخصية إسلامية فعالة، شعائر تقارب ما لدى كل الأديان السماوية والوضعية على السواء، اختزال الإسلام على طريقة الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض، بمعنى تصيير الإسلام لاداة دعائية لتكريس الواقع، مثله مثل وسائل المجون من غناء ورقص ومهرجانات ومناسبات تصور على أنها رياضية وماشابهها، حينما تتخذ من طرف هؤلاء قصد تكريس الواقع وتخدير الناس، فانه أيضا يصار لتفصيل إسلام حسب الطلب يعمل كأداة دعائية تؤدي أدوارا للمكر والخديعة لتأبيد حالة التسلط على العباد واتخاذهم سخريا.
على أن الحقيقة هي أن الواقع بتونس يثبت محاربة لدين الله وللملتزمين به، وحسبي لتأكيد هذا المعطى ذكر أمر مطاردة الملتزمات أولات الحجاب الشرعي، اللاتي ارتضين العفاف عن الرذيلة والسقوط، فإنهن بتونس يصبحن هدفا للتنكيل بهن من طرف طفيليات أهل الباطل وزبانيتهم الذين يسوئهم كل مظهر من مظاهر النقاء والطهر والثبات على الإسلام واتخاذه ضابطا لكل مناشط الحياة، ولا يرتاحون إلا لمظاهر الفسق والفحش والتسيب، ذلك دأب سقط المتاع عموما ممن نبت بالمستنقعات الاجتماعية حيث الأسر المفككة وحيث التنشئة على حب كل رذيلة وكره كل فضيلة، وحيث البدن ترعرع من السحت من دعارة وسرقات وتحيل واغتصاب مال الغير، ولا عجب ان تحرك هؤلاء عقدهم حينما يصير إليهم أمر التسلط على الناس بمختلف مستوياته المشروعة وغير المشروعة قانونا، فيقع مايقع مما نراه، كان ذلك دأبنا بتونس منذ الاستقلال وهو حالنا لحد الآن.
تونس والشذوذ المركب
واقع محاربة الفتيات المرتديات للحجاب بتونس ليس جديدا، وإنما اكتب عنه الآن لان الأمر مسني مباشرة، حيث ان ابنتي وقع منعها لحد الآن من الترسيم بإحدى المعاهد التونسية حيث تدرس، إلا أن تنزع الحجاب الساتر لشعرها وان تلتزم بذلك، وهو الامر الذي جعلني أحس أن استهداف هؤلاء حين محاربتهم لكل ما يغالب مشاريعهم الساقطة، بدأ يتمدد لدرجة وصلت حدودا قصوى لم يعد الواحد يملك السكوت عنها.
لقد كنت اعرف بأمر منع الفتيات من ارتداء الحجاب بالمعاهد التونسية، فكان ان قمت السنة الفارطة بترسيم ابنتي (تدرس بالسنة الثامنة إعدادي) بمعهد خاص نموذجي يكلفني ما يقارب الألفي دينار سنويا، كل ذلك يهون لأني أردت عدم فتنة ابنتي في دينها وعدم تعريضها للأخطار المستهدفة بها كل فتاة تجبر على نزع حجابها الشرعي وإجبارها على قبول التعري بدل الحشمة كمفاهيم ومن ثمّ التطبيع معها، انه الاستهداف الذي يراد منه هدم البناء النفسي الغض لدى فتاة في طور بناء حصن إيماني، وهو البناء الذي سيقع خلخلته لا محالة حينما تضطر لنزع الحجاب كل مرة تدخل المعهد كما يريد هؤلاء المنافقون الصادون عن دين الله، كنت أريد تجنيب ابنتي تلك الابتلاءات فكان أن درست بمعهد نموذجي خاص لم يتناول أمر حجابها بشيء السنة الفارطة، وكانت ابنتي كعادتها متميزة بدراستها وهي الملاحظة التي أكدتها نتائجها في آخر السنة الدراسية، حيث كانت الأولى على مستوى كامل المعهد وليس قسمها فقط، بمعدل سنوي 17.70.
وقد فوجئت هذه السنة حينما أعلمني بعض الموظفين المعنيين بالمعهد، أنه وقع تغير المدير لديهم، وان هذا الأخير قال بوجوب تطبيق منشورات إدارية تنادي بمنع مرتديات الحجاب الشرعي أو أي لباس محتشم بشكل شرعي عموما كأن يكون سابغا، من دخول المعهد، وكان الإطار العامل نفسه مستغربا من هذا القرار ومن مثل هذا الإجراء ومن جدواه، أما أنا فاني وان لم استغرب، فاني أعلمتهم أني لن اترك الأمر يمضي ببساطة، ولن اترك ابنتي ينزع حجابها من طرف طفيليات المستنقعات هؤلاء الآمرين بنزع حجاب ابنتي أو المنفذين له، وليأت هذا المدير وبكل من يراسله بالمنشورات ولينزعوا حجاب ابنتي بالقوة إن ارداو، أو فليمنعوها من الدراسة، وسأكون بإذن الله دونهم وابنتي من أن ينزلوا بها ما يريدون، ما استطعت.
لا جَرَمَ أن الحديث حول منع الفتيات المسلمات ببلد ينص دستوره على انه مسلم، من أن يلتزمن بدينهن، ومن أن يتسربلن بلباس الستر والحشمة، وإجبارهن بدل ذلك على تذوق قيم التعري والفحش، أمر من الشذوذ بحيث انه لا يوجد حتى ب"إسرائيل" البلد الذي يسوم المسلمين سوء العذاب ويقتلهم ويحتل بلدهم، ولم يفعله حتى المستعمر حينما يحتل البلدان ويذل أهلها، وهل سمع أحدكم أن أمريكا مثلا أجبرت العراقيات على نزع الحجاب مثلا حينما يذهبن للمدارس؟
على أن تعامل تونس المرضي حين منعها الحجاب وعقدتها منه، يوجد له مثيل بفرنسا، وان كان تجند فرنسا لمحاربة الحجاب الإسلامي لا غرابة فيه حيث ذلك طبيعة الكفر والكافرين تجاه كل أمر من أمور الإسلام، فانه يؤكد حقيقة تؤثر نخب أهل الباطل المتحكمين برقاب التونسيين، بفرنسا حتى في أتفه الاعتبارات التشريعية، وان هؤلاء من التبعية لفرنسا وللغرب عموما قدرا لا ينظر ولا ينتبه فيها حتى للخصوصيات الثقافية، وأنهم يريدون سلخ التونسيين من دينهم واقتلاعهم وإلحاقهم كليا بالغرب.
هل حقا يريدون الخير لأبنائنا؟
ثم إذا كان لازما أن ينظر في ضبط أبنائنا بدواعي مايؤكد مصلحتهم ويحفظهم، وهو ما يقوله هؤلاء حينما يمنعون الملتزمات بدينهن من ان يرتدين ما يسترهن، حيث يحاججون بإنهم إنما يمنعون ذلك اللباس المحتشم لانه طائفي بزعمهم، وهم يسعون لإلزام أبنائنا بلباس لائق كما يدعون، وإنهم حريصون عليهم من ان يقعوا ضحايا الانحرافات، فإنه يحسن تناول الأخطار العديدة التي يتعرض لها أبنائنا من دون أن يقع معالجتها.
إذا كانت مزاعمهم صحيحة من أنهم يريدون حماية أبنائنا، فلماذا لايمنعون اللباس المتعري، أم هل يكون التعري يا ترى لا خطر فيه على أبنائنا؟ لماذا لايمنعون الفتيات ذوات اللبس القصير او اللبس الضيق من ان يدخلن المعاهد او حتى يحمن حولها، حيث تحولت ساحاتها لما يشبه دور عرض الأزياء؟ ولكن ما يعرفه التونسي أنهم يشجعون علي التعري ويعملون على نشره من خلال دعم والعناية بإحداث نوادي الرقص الملحقة بالمدارس والمعاهد، بل والملحقة برياض الأطفال، التي يتعلم فيها أبنائنا المجون والاختلاط الفاضح، وحيث يتعلم الصغار منذ نعومة الأظفار التعري وقيم الديوثة والرذائل تحت زعم انه فن، كيف يجوز لمن يهمه أمر مستقبل أبنائنا ان يجيز مثل تلك الأنشطة الخطيرة، أليس كان مفترضا ان يقع منع ذلك.
إذا كانت مزاعمهم صحيحة من أنهم يريدون حماية أبنائنا، فلماذا لا يحرصون على تنقية أجواء المعاهد من الظواهر الخطيرة، حيث المعاكسات وحيث تحولت بعض المعاهد لساحات تقرب للنزل والعلب الليلية، أم أن ما يهمهم فقط هو تتبع بعض المحتشمات من ذوات الزى الشرعي.
إذا كانت مزاعمهم صحيحة من أنهم يريدون حماية أبنائنا، أليس أفضل أن يقع تتبع تزايد واقع انحراف أبنائنا، من مثل انتشار استهلاك المخدرات بالمعاهد، فضلا عن استهلاك الخمر والتدخين والعنف الذي وصل حد عمليات القتل داخل المعاهد، أليست هذه أمور تهم مستقبل أبنائنا؟ لماذا لا تتجند ازائها المجهودات مثلما تتجند لنزع حجاب فتاة مستضعفة.
إذا كانت مزاعمهم صحيحة من أنهم يريدون حماية أبنائنا، أليس أفضل ان ينظر في حماية أبنائنا من امر استهدافهم ببرامج إعلامية خطيرة تعمل على تكريس واقع الانحراف والتطبيع معه، من خلال انتاجات تلفزية تونسية مشبوهة، أم أن ذلك تطور يجب دعمه ولاخطر فيه على أبنائنا.
إذا كانت مزاعمهم صحيحة من أنهم يريدون حماية أبنائنا، فلماذا يسمحون للمدارس النموذجية الخاصة التونسية بان تجبر التلميذ التونسي على الدراسة من خلال كتب أجنبية (فرنسية بدرجة أولى)، حيث يجبر التلميذ التونسي منذ سنوات الابتدائي وحتى الثانوي على وجوب قراءة الكتب الفرنسية مثلا بكل ماتحمله من قيم غربية، أي نعم، يجبر التونسي منذ نعومة أظفاره وهو ببلده تونس وفي مدرسة او معهد يفترض انه تونسي على التعرف على أجواء زيارة الكنيسة، وعلى أجواء العلب الليلية وعلى أجواء عقد اللقاءات الحميمة، كل ذلك يجبر عليه التونسي، ولم تتدخل السلطة التونسية وتمنع ذلك. (انظر مقالا تناولت فيه من قبل مثل هذه المشكلة: لماذا يسمح بتدخل منظمات فرنسية في برامج تعليمية تونسية؟)
إذا كانت مزاعمهم صحيحة من أنهم يريدون حماية أبنائنا، فلماذا يسمحون للكنائس بالانتصاب بتونس وفتح مدارس لها تعمل على استهداف التونسيين وتدريس أبنائهم، وهل يراقب هؤلاء المسئولون الذين ما انفكوا يتصيدون لابسات الحجاب الشرعي ويصدرون المناشير المتعلقة، هل راقبوا ماتفعله الكنائس تلك بأبنائنا، هل راقبوا تلك المدارس المشبوهة حينما تتصيد أبنائنا الصغار حيث تمضي بهم لزيارة الكنائس بضواحي العاصمة، في تمشي يعمل على تكسير الحواجز النفسية لدى نشأنا الضحايا، هل تعلم سلط الإشراف المولعة باصدار مناشير منع الحجاب الشرعي بذلك وتسكت أم أنها لا تعلم.
ثم هل يسمح مثلا لمنظمة إسلامية عالمية ان تفتح مثلا بتونس فروعا لها وتقيم المدارس الخاصة، ثم تقوم بتنظيم زيارات وخرحات تعلم فيه الاطفال مبادئ الاسلام بطريقتها هي، ام ان ذلك لايجوز الا للكنائس ولا يجوز فعله للمنظمات الاسلامية.
إذا كانت مزاعمهم صحيحة من أنهم يريدون حماية أبنائنا، فلماذا قاموا بضرب المنظومة التعليمية بتونس، في تمشي إلحاقي بالغرب وبفرنسا بالتحديد بحيث أصبحت المقررات الدراسية بالمنظومة الابتدائية ببلادنا لاتكاد تعرف أهي موجهة لتونسي مسلم ام لفرنسي، لشدة الإحالة للرموز الفرنسية دون غيرها بتلك الكتب، ولندرة الإحالة لرموز الإسلام مثلا لترسيخ المبادئ لدى النشء التونسي.
فوزي مسعود
موقع بوّابــتي