المستشار عادل بطرس

خطأ شائع جدا ساهمت في نشره وترسيخه في الاذهان الاعمال الدرامية، خاصة الافلام المصرية القديمة، حيث كانت تقوم حبكة الفيلم على ان العصمة في يد الزوجة فتفتعل المواقف التي يظهر فيها الزوج وهو يتوسل اليها ان تطلقه، ولكنها تأبى لانها تريد ان تذله وتذيقه من الكأس ذاتها التي تشربها العديد من الزوجات حين تستحيل العشرة بينها وبين زوجها فترجوه ان يسرحها باحسان، ولكنه يأبى! ولقد كان هذا المفهوم خاطئا تماما، ولهذا حمدت الله انه لم يعد يظهر كثيرا في الافلام، ربما لان المشاهدين ملوا من كثرة تكراره، ولكنني فوجئت هذا الاسبوع باحدى القنوات الفضائية تخصص حلقة من برنامج حواري لهذا الموضوع،

ولدهشتي ان المشاركين في الحوار، ومنهم استاذة في علم النفس، واستاذ في علم الاجتماع، لا يتنبهون لهذا المفهوم الخاطئ، فقد كانت من بين الحاضرات سيدة مصرية تزوجت مرتين من زوجين، كان الاول يكبرها في السن كثيرا اذاقها الامرين، ولم تستطع الخلاص منه الا بالخلع بعد ان دفعت له كل ما اراد من مال، ولقد وعت الدرس جيدا، ولهذا حين تزوجت بالثاني اشترطت عليه ان تكون العصمة في يدها، وحين دب الخلاف بينهما واستحالت العشرة معه طلقت نفسها منه. وقد سألتها مقدمة البرنامج: ماذا لو اردت ان تتزوجي للمرة الثالثة، فقالت: سأشترط العصمة بيدي ايضا، وكان بين الحضور رجل مسن واضح العصبية والتشنج فاعترض اشد الاعتراض وقال: لو جاءني ابني ليطلب مني الموافقة على زواجه من واحدة تشترط عليه ان تكون العصمة في يدها فسأرفض تماما وسأتبرأ منه لانه ليس رجلا، فاشتعل النقاش بينه وبين استاذة علم النفس التي ترى انه لا غضاضة في الامر، ودار الجدال بينهما عنيفا ثائرا الى درجة ان احدا لم ينتبه الى المداخلة القيمة التي اجراها احد المتخصصين والتي اراد فيها ان يشرح لهم حقيقة الوضع، فقد قال انه اعطى زوجته الحق في ان تطلق نفسها ولا مانع عنده من ان يفعل ابنه الشيء نفسه، فزاد ذلك تشنج الرجل المسن فرماه بالتساهل ورماه الآخر بالجهل، وقالت استاذة علم النفس ان رفاعة الطهطاوي اعطى العصمة لزوجته. والواقع ان هذا الخلاف مرده كله الى غياب المعلومة الصحيحة، فالتعريف العلمي الصحيح لعبارة «العصمة بيد الزوجة» هو ان زوجها فوّض اليها ان تطلق نفسها منه، وهذا التفويض ليس معناه ان ملكية الزوج للطلاق قد زالت، بل كل ما في الامر انه اشرك غيره في ما يملك من تصرف ولم يسلب حقه الاصيل فيه، ولهذا صورة الزوج الذي يتوسل الى زوجته ان تطلقه صورة خيالية لا وجود لها على الاطلاق ابتكرها المؤلفون من اجل الحبكة الدرامية من دون ان يكون لها اي اساس في الواقع.
فالمسألة وما فيها ان القانون اجاز ان يقترن عقد الزواج بشرط لا ينافي اصله ولا مقتضاه وليس محرما شرعا. وقد جرى رأي الفقهاء على انه يجوز ان يقترن عقد الزواج بشرط تفويض الزوجة في الطلاق، كأن تقول المرأة للرجل زوّجتك نفسي على ان يكون امري بيدي اطلق نفسي متى شئت، فاذا قبل الزوج تم الزواج وكان للمرأة حق تطليق نفسها متى شاءت لانها اشترطت مع الايجاب تمليكها الطلاق، ولكن هذا لا يسلب الزوج ابدا حقه في تطليق زوجته لان الأصل في التفويض انه لا يسلب الاصيل حق التصرف في ما فوض فيه غيره، ولهذا لو علم الرجل الغاضب ان اعطاء الزوجة مثل هذا التفويض لن يسلب الزوج حقه في الطلاق لما ثار كل هذه الثورة، ولما فكر في ان يتبرأ من ابنه اذا ما اراد ان يجعل العصمة في يد زوجته!

 

جريدة القبس

 

JoomShaper