سلمان عبد الأعلى

منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان، وهو مقسم إلى زوجين: الذكر والأنثى، قال تعالى: ﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى ﴾ سورة النجم الآية 45. فخالق الذكر هو خالق الأنثى، فهم متساوون في الخلق وإن اختلفوا في الخصائص الجسدية والنفسية التي تمكن كل منهما لممارسة دوره الطبيعي في هذه الحياة بالتكامل مع الطرف الآخر.
ولكن هناك من يغفل هذا الدور التكاملي بين الذكر والأنثى - من كلا الجنسين وإن كان نسبته في الذكور أكبر - ولهذا نراه يتخبط يميناً وشمالاً محاولاً إثبات أفضلية جنسه على الجنس الآخر، فيلجأ أحياناً إلى إثبات ذلك عن طريق الشريعة، وذلك بالاستشهاد بالمأثورات الدينية كالآيات القرآنية والروايات الشريفة التي لم يفهم معناها أو التي لا يريد تكليف نفسه جهد فهمها فهماً آخر، وإنما يريد فقط اجترارها كلما دعت الحاجة إليها لتدعيم موقفه أو رأيه.

وربما لا نستغرب هذا الأسلوب إذا صدر من البسطاء ولكن ما نستغربه إذا صدر من بعض من يعدون من أهل الثقافة والعلم كرجال الدين، فكثيراً ما نرى بعضهم للأسف يركزون في حديثهم على جنسهم، فهم متعصبون لجنسهم إلى أبعد درجة ولكنهم يظهرون هذا باسم الدين. لذا كثيراً ما نراهم يكررون هذه الآيات والروايات: "الرجال قوامون على النساء".. "للذكر مثل حظي الأنثيين".. "النساء ناقصات عقل ودين"..".. "لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها".. دون أن يكلفوا أنفسهم تبيين حدودها وسبب تشريعها أو دون أن يكون لهم بحث جاد ومنصف يوضح اللبس في فهمها، مما يتيح الفرصة للبسطاء للاستشهاد بها في غير موضعها كلما أرادوا ذلك!!

وأحياناً أخرى يتم اللجوء إلى البراهين العلمية غير المثبتة أو المتناقضة لإثبات أفضلية هذا الجنس على ذاك «الذكر على الأنثى أو العكس» كالأفضلية في القدرات العقلية والذكاء، فتارة نسمع من هذا بأن الرجل أكثر ذكاءً من المرأة، وتارة نسمع من تلك بأن المرأة أذكى من الرجل، وكل طرف يُبدع في الاستشهاد بالبحوث العلمية التي تُؤيد ما يريد إثباته، متجاهلاً ما يعارضها أو ما يحدد نطاقها من بحوث وبراهين علمية أخرى.

ينقل الدكتور عباس مهدي في كتابة الشخصية بين النجاح والفشل مقولة طريفة لأحد المفكرين قوله: "إن بعض الأولاد «يقصد الذكور» أذكى من بعض البنات اللواتي هن أذكى من بعض الصبيان... " راجع الكتاب ص 25.

عموماً: إنه في ميزان العدل الإلهي لا أفضلية لذكر على أنثى أو لأنثى على ذكر إلا بالعمل الصالح، قال تعالى: ﴿ من عمل سيئةً فلا يجزى إلا مثلها، وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ " سورة غافر أية 40، وقال تعالى في آية أخرى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ سورة النحل آية 97.

فالخطاب الإلهي في التكليف خطاب موحد للذكر وللأنثى على حد سواء دون تمييز لجنس على الجنس الآخر، فكلاهما خلقا لغاية واحدة وإن اختلفت الوظائف والأدوار لكل منهما، قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾.

أيهما أكثر تعصباً ضد الآخر الرجل أم المرأة؟

إن تعصب الرجل ضد المرأة على وجه العموم هو أكثر وواضح بصورة أكبر، وهذا ملاحظ ومثبت عبر التاريخ، وهو مما كرس لدى مجتمعاتنا ثقافة الرجل، وجعل ثقافتنا ثقافة ذكورية تنحاز للرجل وتميل نحوه، فمجتمعنا بكل طبقاته ومستوياته وأجناسه لا يخلوا من هيمنة الثقافة الذكورية على تفكيره، ولا فرق في ذلك بين مثقف ومطلع وباحث ورجل دين.. إلا في حدود درجة تغلغلها في نفوسهم لا في أصل وجودها.

على سبيل المثال نلاحظ تأثر الخطابات الدينية بهذه الثقافة، فبعض رجال الدين يصورون الدنيا وكأنها للرجل فقط، وكأن المرأة ليس لها أي دور هام فيها، ولا يكتفون بذلك بل نلاحظ من بعض خطاباتهم أيضاً أنهم يصورون الآخرة على أنها مقتصرة على الرجل، ولا نصيب يذكر فيها للمرأة إلا في ما ندر، لأن النساء كما يصورونهن حطب جهنم.. عليهم لعنة الله ولعنة اللاعنين!!

فالجنة ونعيمها هي للرجل في الدرجة الأولى.. والنار وعذابها للمرأة في الدرجة الأولى وكلا الجنسين يتنافسون أو يحتلون الدرجة الثانية في كلا الموقعين..!!

إذا كان هذا هو الخطاب الذي يتكلم باسم الدين فكيف إذاً بغيره؟؟

على كل حال، إن هذه الثقافة الذكورية لا يعيشها ولا يمارسها الرجل فقط، فالمرأة أيضاً لها دور فيها من حيث تشعر أو لا تشعر.. فهي في الغالب تفضل الرجل على المرأة حتى وإن لم تكن تصرح بذلك، وقد يكون ذلك لسببين:

الأول: أن غيرتها من المرأة ونجاحاتها أكثر من غيرتها من الرجل، ولذلك نرى الكثير من النساء لا تعترف بالمرأة مهما بلغت، خصوصاً إذا كانت تعرفها أو على صلة بها.
الثاني: أن المرأة تعتقد بالرجل وتثق به وبإمكانياته أكثر من اعتقادها وثقتها بقدرات المرأة.

ويمكننا تصور امرأة مصابة بمرض عضال وسوف تتعالج بإحدى المستشفيات التي يوجد فيها طبيب وطبيبة، فأيهما سوف تختار لكي يشرف على علاجها إذا لم يكن لديها أية معلومة عن أفضلية أحدهما على الآخر؟

لعلي لا أبالغ لو قلت بأن هناك الكثير من النساء اللاتي سوف يفضلن الطبيب على الطبيبة في هذه الحالة، لأنهم يثقون بإمكانيات وقدرات الرجل أكثر.. فالنساء عادة ما تذم الذكر ظاهراً ولكنها تفضله باطناً حتى وإن لم تكن مدركة لذلك.

ومن مظاهر تأثر ومساهمة المرأة في الثقافة الذكورية كذلك ما نلاحظه من مظاهر الفرحة بالمولود الذكر أكثر من المولود الأنثى، فهو عند الكثير من النساء أيضاً وليس فقط عند بعض الرجال، بل نجد كثيراً من النساء أصبحوا ينافسون الرجل في هذا.. وهذا أمر غريب خصوصاً أن بعضهن ممن يرفعن شعار لا عنصرية ولا تميز للذكر على الأنثى!!

كلمة الختام:
إن أزمة المرأة في مجتمعاتنا ليست مع التشريع ولا مع العلم، وإنما مع ثقافتنا الذكورية التي تساهم هي فيها مع الرجل بشكل كبير بحكم تأثرها بالعادات والتقاليد التي نشأت وترعرعت عليها.

 

شبكة راصد الإخبارية

JoomShaper