أمستردام - سعاد عبدالرسول
"هبة الله" نموذج لكثير من الفتيات المصريات فهي الابنة الكبرى في أسرة من ثلاثة أبناء، ولد وبنتان وكلهم في مراحل تعليم مختلفة، أسرة متوسطة الحال تسكن في احد الأحياء الشعبية بالقاهرة يتكفل والدها والذي يعمل مدرسا بالإنفاق على الأسرة وتشاركه الأم في ذلك فهي تعمل في حياكة الملابس للأهل والجيران.
تدرس "هبة الله" فى كلية التربية قسم فيزياء وسبب التحاقها بهذا القسم هو رغبتها في دراسة الطب إلا أن مجموع الثانوية العامة لم يؤهلها لهذا، لكنها أحبت دراستها وتفوقت فيها على الرغم من أنها لم تتمكن من دخول القسم باللغة الإنجليزية نظرا لارتفاع نفقاته ففضلت أن تدرس في القسم العربي.
وتشير "هبة الله" إلى أن الفتيات أكثر تحصيلا ودأباً في مسألة الدراسة، ولعل ذلك يرجع لعقلية الأسرة المصرية التي ترعى الفتاة وتدقق في تربيتها أكثر من الولد. والأمر لا يتعلق فقط بالتحصيل ولكن خوفا من مسألة العار، والشرف الذي تحمله المرأة الشرقية على عاتقها.
وترى هبة الله أن سوق العمل أصبح لا يحتاج جامعيات فقط لكن لابد من أن يكون لديها ثقافة عامة ولغات أجنبية وعلم أيضا بلغة الحاسب الآلي فهي لغة العصر، وقدرة الشاب أو الفتاة على حد السواء في التطوير وإضافة خبرات أكثر من الشهادة الجامعية هي التي تمنحه فرصا أكثر في سوق العمل.
مع كل ذلك ففرصة البنت الجامعية في الزواج أقل بكثير من غير الجامعية لأنها توضع بين اختيارين كلاهما مُر؛ إما يرفضها الرجل لخوفه من وعيها واستقلالها المادي فيفضلها بسيطة ومحدودة وتابعة وهذا سبب من أهم أسباب ارتفاع سن الزواج "العنوسة" فى شريحة الفتيات أصحاب المؤهلات العليا. وإما أن تقبل الزواج وفى المقابل تتنازل عن حلمها في التحقق تحت شعار"في الآخر ملهاش غير بيتها وجوزها" فيصبح الزواج منتهى أحلامها.
اما الفتاة التي تحاول أن تتحقق كامرأة عاملة وفى نفس الوقت تمارس حقها في الزواج والأمومة فتتحمل العبء كاملا كمرأة عاملة وزوجة وأم، وترتفع نسبة الطلاق في هذه الحالة لأنها تتعرض لضغوط خارجية من العمل وأخرى داخلية من زوج يغار ويخاف من نجاح زوجته أو استقلالها المادي وهذا لا يتناسب مع وعيها ومساحة الحرية والقوة التي انتزعتها من مجتمع شرقي له تاريخ مناهض لحريتها.
إذاعة هولندا العالمية / زيارة واحد لإحدى الجامعات العربية، أو نظرة على المدرجات الدراسية، بإحدى الكليات، وحتى كافتيريا هناك، تكفي لإقناعك بان الصورة النمطية عن أوضاع النساء تشهد تغيرا جذريا. إذ تتزايد أعداد الطالبات في الجامعات العربية إلى حد تساوين فيه بعدد الطلاب الذكور بل وتتجاوز نسبة الإناث المقيدات بالتعليم العالي في العالم العربي عموما 50 % من مجموع المقيدين للدراسة، بل تصل حتى 70 % في الكويت و 64.7 % في السعودية، و قرابة 60% في ليبيا حسب أرقام تقارير التنمية البشرية العربية المتكررة منذ سنوات.
► ما هي أسباب هذه الظاهرة التي سيطرت على الجامعات العربية خلال العقد الأخير ولماذا تتجه كل هذه الأعداد من الشابات للجامعات والتعليم العالي.؟
المرأة شر لا بد منه
حتى وقت قريب كانت غالبية المجتمعات العربية تتوجس من تعليم البنات، خاصة الجامعي منه، وتنظر إليه كمصدر لشرور لا حد لها من الانفلات والفساد، وترى أن أوجب وأفضل ما تقدمه الأسرة لبناتها هو تزويجهن قبل بلوغهن الثامنة عشر على أكثر تقدير. ويأتي ذلك في إطار موقف عام من المرأة، يتم اختزالها عبره في منظور جنسي محض، وليس بعيدا من هذا فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز باستحسان منع تدريس النساء للصبيان بالمدارس الابتدائية.
وترى الأكاديمية المصرية والباحثة في علم الاجتماع نسرين البغدادي أن "الثقافة الاجتماعية لم تضعف ولكنها تغيرت، واتجاه المرأة للعمل بحثا عن رزقها، كما التواصل مع الثقافات الأخرى، نجم عنه تغيير في ثقافة تهميش المرأة"
واليوم يبدو أن تنامي الوعي المجتمعي والحكومي في الدول العربية بضرورة تعليم المرأة ومشاركتها في المجتمع وظهور الحركة النسوية المدافعة عن حقوق المرأة هي القاطرة التي تقود حركة التغيير وتدفع بمئات الآلاف من الفتيات إلي مؤسسات التعليم العالي.
لكن هل يصح أن الوعي هو السبب الرئيس في زيادة عدد المتعلمات، بحيث يكون كافيا في تفسير هذه الزيادة في التعليم النسوي، إذ أن الثقافة التقليدية التي كانت تمنع المرأة وتعليمها – سابقا – لازالت هي نفسها المهيمنة وإن بصور مختلفة، على المجتمعات العربية؟ وهل هنالك أسباب خلف هذا التحول.
ابحث عن الاقتصاد
مع تعثر التنمية في العالم العربي، وتراجع دعم الدولة للقطاعات العمومية، وانتشار البطالة، وازدياد عدد أفراد الأسر، أصبح بحث الذكور عن الوظيفة والدخل، أمراً أكثر شيوعا، على عكس النساء، اللواتي صار تعليمهن فرصة للتعويض والمباشرة، الأكثر طلبا في سوق العمالة.
وتبعا للأسباب الاقتصادية، فإن تأخر الزواج بسبب صعوبة توفير متطلباته، من دخل ثابت، وبيت للأسرة الجديدة، أو محل إقامة ملائم، جعل الزواج مشروعا مؤجلا لدى الرجال، وتبعا لذلك لدى النساء وفي تقرير لخبراء عرب عام 2004 تنقل التايم الأمريكية " 07-12-2006" ان التعليم كان له علاقة بموعد الزواج وسن تكوين الأسر، إذا تميل المرأة المتعلمة لتأخير سن زواجها عامين على الأقل.
وإضافة لتأخير الزواج، فإن العنوسة أيضا، هي سبب في التوجه لاستكمال التعليم العالي، عندما تزول متطلبات وتكاليف رعاية الأطفال والأسرة، عن كاهل المرأة، وتصبح الدراسة العليا والشهادة أيضا، سببا في التعويض النفسي والاجتماعي طالما كانت منفذا لوظائف أعلى ومردودية دخل أفضل.
ووفقا للدكتورة نسرين بغدادي فرغم زيادة التسرب الذكوري المدرسي وهجرتهم المبكرة لسوق العمل، فإن النظرة الدونية للمرأة في المجتمع، وحرمانها من التواصل الاجتماعي الطبيعي، ربما كانت عوامل لتتحول المدرسة لمتنفس وقناة تواصل اجتماعي للمرأة، وكذلك وسيلة لإثبات الذات.
الأنماط التربوية
يمكن تلمّس بعض الآثار للتربية الاجتماعية، والتفكير التربوي السائد، فكون المرأة كائناً غير مرحب في الشارع، أو أي مكان أخر خارج المنزل، يجعل توجهها للتعليم وانكبابها على الدراسة، سبيلا تعويضيا ملائما، بينما قد يشكل عكس هذا انصرافا من الذكور، أو حتى عائقا ولو نسبيا، عن التفوق الذي يكون عادة من نصيب الإناث.
وعلى نفس المنوال فإن المدرسة والجامعة هي أيضا سبيل للتواصل الاجتماعي، المحدود ضمن نطاق الأسرة، فعالم الدراسة النسوية، يمنح المرأة علاقات أوسع ومختلفة، وأكثر تقاربا مع نمط تفكيرها ومستواها العلمي، بما يزيد من ارتباطها بالدراسة بشكل طبيعي.
جريدة إيلاف