د. رياض مصطفى
أسطانا (كازاخستان)- في الوقت الذي يدور فيه الحديث عن تعرض مسلمات لمضايقات بدول غربية على خلفية ارتدائهن الحجاب تواجه الطالبات المحجبات في إحدى الدول الإسلامية المنسية في أعماق آسيا نفس المشكلة من قبل إدارات المدارس.
فقد سلط تقرير نشرته صحيفة "إكسبريس ك" الكازاخية الثلاثاء 22-12-2009 تحت عنوان: "عاطفة جياشة نحو الحجاب"، الأضواء على معاناة المحجبات في مدارس ذاك البلد المسلم.
وبحسب الصحيفة فإن المدرسة رقم 66 في مدينة شمكنت بجنوب كازاخستان مارست ضغوطا على مجموعة من الطالبات بسبب ارتدائهن الحجاب، حتى صرن مهددات بالطرد من المدرسة جراء إصرارهن على ارتداء الحجاب.
وأخذت قضية الحجاب أبعادا جديدة عندما بدأت طالبة الإعدادي "إلميرا تاشيموفا" مع مجموعة من سبع طالبات أخريات بالحضور إلى المدرسة بلباسهن الشرعي، حيث تعرضن لعشرات المرات من الاستهزاء وتنحية غطاء الرأس عنوة من المشرفة التربوية، وفق الصحيفة.
وتسرد إلميرا بعض المضايقات التي تتعرض لها بالمدرسة بقولها: "ينادوننا بالوهابيين والطائفيين.. نحن لسنا في مأتم حتى تأتوا بهذا اللباس.. يطلبون من زميلاتنا الطالبات أن لا يكلمونا، بل إنهم هددونا عدة مرات ويقومون عمدا بتخفيض نتائجنا الدراسية".
وتضيف: "المشكلة أعمق من ذلك، لقد وصل الحال بهم أن منعونا من ارتداء التنورة الطويلة في حين من تلبس القصير (ميني جيب) فلا أحد يكلمها".
من جانبه يقول بيكيدار أمرييف، إمام أحد مساجد المدينة، ووالد الطالبة فيروز التي تعد أول من دخل المدرسة بالحجاب: "ابنتي بدأت تلبس الحجاب في سن مبكرة، وأنا كممثل للإدارة الدينية وللمسجد أتحدث عن الحجاب باستمرار، وأطالب المصلين بالالتزام به".
ويضيف: "إذا كانت ابنتي تمشي عارية الرأس فمن الذي سيستمع إلي؟ هذه ليست المرة الأولى، فقد استدعيت في السنة الماضية عدة مرات للمدرسة لحل المشكلة".
وأعادت مشكلة "مدرسة 66" إلى الأذهان مشكلة مماثلة، حيث ذكر مصدر مقرب من الإدارة الدينية في شمكنت لـ"إسلام أون لاين: "منذ سنتين تم إخراج فتاة محجبة من أحد المعاهد العليا لدراسة الاقتصاد بسبب حجابها رغم تفوقها في الدراسة".
وأضاف المصدر الذي رفض ذكر اسمه: "مع كل المحاولات التي قمنا بها لإرجاعها لمقعد الدراسة فإننا لم نوفق في ذلك"، مشيرا إلى أن الفرق بين مشكلة المعهد والمدرسة هو أن الأخيرة تضم عددا أكبر من الفتيات المحجبات.
صمت رسمي
من جانبها التزمت السلطات الرسمية الصمت، ولم تعط جوابا عن سؤال وجه لها حول إذا ما كان الحجاب ممنوعا رسميا في المدارس الكازاخية أم لا.
ويشير مراقبون إلى أن المشكلة تكمن في عدم وجود رأي واحد بشأن مسألة ارتداء الحجاب في المدارس بين وزارة التربية والتعليم ووزارة العدل، فوزارة التربية تعتبر أن هذا الزي لا يتناسب مع المدارس، في حين تشير وزارة العدل إلى أن الدستور لا يتضمن مثل هذه القيود.
ومادامت السلطات المعنية لم تتوصل إلى كلمة سواء فإن المضايقات التي تتعرض لها المحجبات لا تزال تظهر بين الحين والآخر بحسب رؤية مدير المدرسة للحجاب، بحسب المراقبين.
وتحتجج وزارة التعليم والقائمون على المدارس المعارضون للحجاب بوجود قوانين تحدد زيا موحدا، معتبرة أن تغطية الرأس تخالف هذه القوانين.
وردا على هذا المبرر يتساءل الشيخ بيكيدار أمرييف وغيره من أولياء الطالبات المتضررات: "أين هو الشكل الموحد؟ لا وجود للباس موحد في المدرسة، فهذه تلبس البنطال والثانية تلبس التنورة القصيرة".
ويتابع: "المشكلة ليست في لباس موحد، إنما في مناقشة مثل هذه القضايا التي لها علاقة بالأمر الرباني، وهو أمر واجب التنفيذ من المسلمين عامة".
وضع متأزم
ويعلق رئيس فرع اتحاد المسلمين في كازاخستان إرلان بيكتيميروف على هذه المشكلة قائلا: "الوضع متأزم حقيقة.. والمشكلة لا تهم هذه البنات فقط.. لقد اتصل بي إمام المسجد في المنطقة الشمالية لشمنكت وقال: إن ابنته في حالة يأس وطلب المساعدة".
وأشار أرلان إلى أن "العلاقة السلبية بين إدارة المدارس والتلميذات المحجبات أصبحت موضوعا للمناقشة في المساجد، فقد ناشد إمام المسجد الرئيسي المصلين في خطبة الجمعة من لديه إمكانية حل المشكلة أن يتدخل".
ويحذر أرلان من أن "المشكلة قد تخرج عن السيطرة، ويجب على القائمين حلها بالسرعة الممكنة.. فلا أحد يمكن أن يتنبأ بالعواقب إذا كان الأمر يخص القضايا الدينية التي تمس معتقدات الناس".
انتماء عقدي
في المقابل قالت سولاء جاركينبيكوفا، نائبة رئيس قسم التعليم في جنوب كازاخستان: "يمنع في المؤسسات التعليمية أنشطة الجمعيات الدينية، فضلا عن ارتداء الملابس التي تؤكد على الانتماء إلى عقيدة معينة".
وأضافت: "إن الحجاب يؤكد يقينا على الانتماء، ولذلك فهو يتعارض مع أهداف المدارس الثانوية، وبعبارة أخرى يجب على التلميذ أن يطيع القوانين الداخلية للمدرسة.. أما خارجها فهو حر يلبس ما يريد".
وأشارت سولاء إلى رفضها الشخصي للحجاب، مؤكدة أنها "لا تعتبر الحجاب أمرا ربانيا يجب على المرأة أن تلبسه".
وأضافت: "الكازاخيات لم يرتدين الحجاب قط.. إنه أمر غريب بالنسبة لنا، وأنا أعتبره وحشيا ومهينا، كيف يمكن لنا في عصر التكنولوجيا العالية الدقة العودة إلى العصور الوسطى".
القرآن أيضا
ولا تقتصر مشكلة المتدينين في كازاخستان على الحجاب، فقد منعت الجهات الرسمية مؤخرا مجموعة من التسجيلات القرآنية، واعتبرتها محكمة العاصمة أسطانا محتوية على آيات تدعو للتطرف، وهو ما أدخلها في قرار منع التداول تحت ما يسمى بقانون مكافحة التطرف والإرهاب.
وأثار ذلك امتعاض الكثيرين من القرار، بينما التزمت الإدارة الدينية في جمهورية كازاخستان الصمت.
لكن السلطات عادت قبل شهر تقريبا وقدمت شبه اعتذار عن "مثل هذه الأخطاء الناجمة عن عدم مهنية القائمين على مثل هذه المسائل"، ووعدت بعدم التكرار.
وتقع مدينة شمكنت في المنطقة الجنوبية لكازاخستان، قريبة من الحدود الأوزبيكية، حيث تبعد عن العاصمة طشقند بـ15كم، ويعيش في المدينة التي تعد عاصمة لإقليم جنوب كازاخستان قرابة مليون شخص، غالبيتهم من المسلمين.
وعرفت المنطقة بتشدد المسئولين فيها تجاه المظاهر الإسلامية نظرا لما تشهده من صحوة دينية، أبرز تياراتها يتمثل في "حزب التحرير" القادم من أوزبكستان.
كازاخستان التي كانت جمهورية شيوعية قبل انهيار الاتحاد السوفييتي واستقلالها عام 1991 يصبغ نظامها الرسمي بالعلمانية الصارمة، في الوقت الذي يمثل فيه الإسلام الديانة الأولى بنسبة 47% (يدين به الكازاخ وبعض الأقليات كالتتار، والبشكير، والأوزبك والأويقهورس) وتمثل المسيحية الأرثوذكسية 44% (يدين بها الروس، وبعض الأوكرانيين والبلاروس) فيما تمثل المسيحية البروتستانتية 2%، وأديان ومعتقدات أخرى 7%.
وتشهد منطقة وسط آسيا مؤخرا تصاعدا في الاتجاه المناهض للمظاهر الإسلامية والالتزام الديني، حيث شهدت دولة أذربيجان المجاورة مؤخرا حملة حكومية لهدم المساجد بدعوى أنها تفرخ متشددين.
صحفي وباحث في الشؤون الروسية.
إسلام أون لاين