حنان الغفيص - زينب الهذال
تَستعدّ الهيئات النسائية الأهلية في الوطن العربي للمؤتمر الذي ستعقده الأمم المتحدة في مارس 2010 بنيويورك؛ لمراجعة ما تم تنفيذه من بنود وثيقة مؤتمر بكين العالمي، والذي انعقد في الصين عام 1995. وقد استضاف منتدى إعلاميات التابع لمؤسسة الرشيد للإعلام الدكتور فؤاد العبد الكريم مدير عام مركز باحثات لدراسات المرأة وعضو هيئة التدريس بكلية الملك فيصل الجوية – جناح التعليم – محاضرةً بعنوان: (ماذا تريد المؤتمرات الدولية من المرأة؟) تحدَّث فيها عن اهتمامات المؤتمرات الدولية الخاصة بالمرأة, واستعرض تاريخ هذه المؤتمرات, موضحًا أبرز السلبيات والإيجابيات التي دعت إليها, وأهم جوانب الخطورة فيها، وذلك مساء يوم الثلاثاء الموافق 12/1/1431هـ في مركز سعود البابطين للتراث والثقافة, وقد حظيَت الندوة بالعديد من المداخلات التي أثرت الطرح كان على رأسها طرح فكرة إقامة مؤتمرات تتصدى لأفكار (اتفاقية السيداو) وتطرح البديل المناسب للمرأة.

قضايا المرأة في ضوء الإسلام

استعرض العبد الكريم خلال المحاضرة تاريخ مؤتمرات الأمم المتحدة التي تُعنَى بالمرأة, ومراحل صياغتها بالشكل الحالي, وصولًا إلى مؤتمر بكين الذي عُقدت فيه اتفاقية (سيداو) والتي تهدف إلى القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة, وشرح بنودها وبيَّن اللبس الذي تولّد لدى العامة خلال اطّلاعهم على بنودها, وذكر أنه "في ثنايا بنودها يكمن السواد الأعظم من المخالفة للفطرة التي تتمتع بها المرأة، وكذلك مخالفة الكثير من الأديان على رأسها الإسلام, وهو ما أدى إلى اعتراض دول إسلامية وغير إسلامية على الوثيقة", كما ركَّز الدكتور على إيضاح التناقضات الصريحة في تلك المعاهدة, الجدير بالذكر أنّ رسالة الدكتور العبد الكريم للدكتوراه كانت بعنوان (قضايا المرأة في المؤتمرات الدولية، دراسة نقدية في ضوء الإسلام).

وتطرَّق الدكتور في حديثِه إلى أجهزة الأمم المتحدة المعنيَّة بالمرأة وبيان أهمية قضية المرأة لدى الأمم المتحدة, وعن لجنة مركز المرأة التابعة للأمم المتحدة واسمها الحالي لجنة مناهضة التمييز ضد المرأة, وذكر أن أعضاء هذه اللجنة هم نساء نصرانيات ويهوديات, وتناول صندوق الأمم المتحدة للسكان المعني بتحديد النسل وقضايا الجنس للفتيات المراهقات وما يسمى بالجنس الآمن مثل منع الحمل والإجهاض, وأوضح أن المشرف على هذا الصندوق السعودية "رية عبيد", وذكر أن "منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم (اليونسكو) لها دور في قضايا التعليم المختلط والمساواة بين الرجل والمرأة, وأن هذه المؤتمرات يُشارك بها عدد من الوكالات الدولية المتخصصة, كمنظمة العمل الدولية التي تمارس الضغط على المملكة لإزالة شرط عدم الاختلاط في العمل، وتطالب بالمساواة بين المرأة والرجل في كل مجالات العمل، ومنظمة الصحة العالمية التي تهتم بمناقشة قضايا الصحة الإنجابية، والبنك الدولي الذي من خلاله تتم ممارسة الضغط الاقتصادي على الدول التي ترفض تطبيق التوصيات الناتجة عن اللجان السابقة، كما يقوم البنك الدولي بمساندة الدول التي تنفذ توصياتها وتدعمها ماديًّا لذلك".

تاريخ موجز لهذه المؤتمرات

عرض المحاضر المؤتمرات والاتفاقيات التي أُقيمت منذ عام 1945م حتى 1975م, وأوضح أن أخطر اتفاقية متعلقة بقضايا المرأة، تلك التي عقدت عام 1979م تحت شعار (القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة) وهي أكثرها مخالفةً للإسلام؛ إذ إنها تعتبر الدين من أبرز أشكال التمييز ضد المرأة، كما أنه لا يمكن التحفظ على أي من بنودها، ومن يوقع عليها ملزم بتنفيذ بنودها.

وذكر "العبد الكريم" أن من أبرز مواد هذه الاتفاقية "الاعتراف بتساوي الرجل والمرأة في كل الميادين (السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأي ميدان آخر, بغضّ النظر عن حالتها الزوجية", و"اتخاذ جميع التدابير المناسبة –بما في ذلك التشريعي منها- لتغيير أو إبطال القائم على القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكِّل تمييزًا ضد المرأة", و"تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية للقضاء على العادات القائمة على فكرة تفوق أحد الجنسين أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة", و"القضاء على أيّ مفهوم نمطيّ عن دور الرجل والمرأة وعلى جميع مستويات التعليم وفي جميع أشكالِه، عن طريق تشجيع التعليم المختلط وغيره من أنواع التعليم", و"أن يكون لها نفس الحقوق والمسئوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنِّيهِم", ويفسر الدكتور هذه البنود بأنها "تعني أن أي حكم من أحكام الشريعة الإسلامية تختصُّ به المرأة عن الرجل يجب أن يُحذف ويستبدَل حتى لا يكون هناك تمييز ضدها".

ويرى الدكتور أن من أخطر المؤتمرات المتعلقة بقضايا المرأة هو مؤتمر الأمم المتحدة الرابع المعنيّ بالمرأة، والذي أُقيم عام 1995م, والذي ثارت حوله ضجة واسعة لمخالفته الفطرة والشريعة؛ إذ صرحوا فيه بما يريدون وعمدوا إلى عقد مؤتمر الأمم المتحدة للمرأة عام 2000م في نيويورك لإلغاء جميع التحفظات التي قدمت على توصيات مؤتمر المرأة الرابع ببكين.

تقييم ما دعت إليه هذه المؤتمرات

وذكر العبد الكريم أن أبرز سلبيات هذه المؤتمرات فيما يتعلق بالجانب الأخلاقي والاجتماعي "الدعوة إلى الحرية الجنسية المحرمة, وتوفير خدمات الصحة الجنسية والإنجابية للمرأة, ونشر مفهوم الجندر, ووسائل منع الحمل والتنفير من الزواج المبكر". كما شجَّعت التعليم المختلط فيما يتعلق بالجانب التعليمي, والمساواة في مناهج التعليم والدعوة إلى التثقيف والتربية الجنسية, كما أن من سلبيات الجانب الصحي الدعوة إلى التعريف "بالأمراض الجنسية, والدعوة إلى السلوك الجنسي المأمون, وتوفير الواقيات الذكرية, والقضاء على التمييز ضد الأشخاص المصابين بالإيدز، والدعوة إلى أن يكون الإجهاض غير مخالف للقانون وأن يكون مأمونًا طبيًّا".

ومن السلبيات أيضًا ذكر العبد الكريم أنها "تكرّس المرجعية الفكرية للحركات النسوية الغربية المتطرفة (الفيمينيزم), كالفردية, كما "تحطّم المؤسسة الاجتماعية القديمة قدم البشرية وهي مؤسسة (الأسرة)", ومن أن أهم جوانب الخطورة في هذه المؤتمرات أن "القاسم المشترك بينها هو المرأة ومساواتها التامة بالرجل في كافة مجالات الحياة المختلفة دون مراعاة الفوارق البيولوجية والفسيولوجية والسيكولوجية, وكذلك الجنس والحرية المطلقة غير المنضبطة بضوابط الشرع والعقل, وأن هذه المؤتمرات تستظلّ بمظلة الأمم المتحدة وتستثمر شعارات العولمة وأدبياتها، وأنها توظف سلطان الدول الكبرى سياسيًّا واقتصاديًّا وحضاريًّا لفرض تنفيذ توصياتها", كما أن "الهدف النهائي لها هو عولمة الحياة الاجتماعية بالمفهوم الغربي الإباحي", ومن أهم المواقف والظواهر السلبية فيها "مشاركة بعض الجمعيات النسائية من دول عربية وإسلامية مثل الأردن والبحرين".

إلا أن المحاضر لم يغفلِ الحديث عن إيجابيات هذه المؤتمرات، والتي ذكر منها "الدعوة إلى المساواة في الأجور بين الجنسين لنفس العمل وبنفس الجودة, وإعطاء إجازة أمومة للمرأة العاملة, وتحميل الوالدين مسئولية تربية الطفل وتنشئته تنشئَة سويَّة", وحسب ما يرى فإن من أهم المواقف والظواهر الإيجابية "ازدياد الوعي الإسلامي بهذه المؤتمرات المشبوهة".

أجندة بكين +15 المنتدى العالمي للنساء 2010

وضَّح الدكتور سبب تسمية مؤتمر بكين +15 بهذا الاسم حيث مرّ 15 عام على آخر مؤتمر أقامته هيئة الأمم المتحدة في عام 1995م, وأرجع سبب تأخر عقد مثل هذه المؤتمرات إلى "أنها قد تكون مكلفة ماديًّا".

وذكر أن من أبرز أعمال المؤتمر مناقشة قضايا الطفلة أي الفتاة ما دون الـ 18 سنة، المرأة والفقر، التعليم والتدريب للمرأة، المرأة والصحة، العنف ضدّ المرأة، متابعة توصيات بكين+5 ومطالبة الحكومات بالمزيد، وبخاصة في مجال الصحة الجنسية والإنجابية والحقوق, ومتابعة توصيات بكين+5 (عام2000م), ومطالبتهم بشكل كبير الحكومات بالمزيد وبخاصة في مجال "الصحة الجنسية والإنجابية والحقوق" لأنها هي المفتاح لإفساد المرأة ثم قامت هيئة الأمم بإنزال جدول عمل لهذا المؤتمر قبل المؤتمر بسبعة أشهر، وسيتم في ختامه عرض لتقارير المنظمات غير الحكومية الإقليمية والنجاحات والتحديات التي واجهتها في جميع دول العالم وأبرز ما وصلت إليه من تنفيذ التوصيات.

اقتراحات وآراء

أجاب الدكتور على سؤال "الإسلام اليوم" حول "إمكانية أن تكون معالجة مشاكل المرأة داخل المجتمع حاجزًا ووقاية لها من الهجمات الخارجية عليها", قائلًا: "هذا جانب مهم وفعال ويمكن من خلاله تفادي الكثير من الصدامات مع الذين يدعون لحرية المرأة وينادون بحقوقها, ولكن أيضًا من المهمّ توعية المجتمع بالمؤتمرات الخارجية وأهدافها حتى تكون على اطلاعٍ ووعيٍ كافيين", وردًّا على سؤال من إحدى الحاضرات ذكر الدكتور متأسفًا أنه لم تقامْ مؤتمرات للتوعية حول موضوع "الدعوة للعلاقات الجنسية المحرمة والحرية الجنسية" غير واحد أُقيم في البحرين هو الأول من نوعه, ودعا الإعلاميات الأخذ على عاتقهن توضيح الحقوق التي كفلها الإسلام للمرأة.

وقد أثنَى الدكتور ووافق على اقتراح الأستاذة عائشة الفيفي الصحفية في جريدة عكاظ بأن "تم تنظيم حملات إعلانية وإعلامية تنشر القيم الإسلامية وتناهض هذه المؤتمرات ليس من خلال الردّ عليها بندًا بندًا، إنما من خلال إشاعة القيم الإسلامية الإنسانية، واقترح أن تتكاتف المؤسسات الإسلامية صاحبة الرؤية الإسلامية والفكر الهادف البناء مثل موقع لها أون لاين وموقع آسية ومركز باحثات لإنشاء مراكز متخصصة لمواجهة هذه المؤتمرات والتصدي إعلاميًّا وفكريًّا لها، مؤكدًا على أن الردّ الحقيقي على مثل هذه المؤتمرات يكمن في المشاركات الإيجابية للمؤسسات الإسلامية، وتقديم المشاريع التي تشمل البناء والتصدي في آنٍ واحد" ولقي هذا الطرح التأييد من الحضور ويتمُّ العمل على بلورة الفكرة بين مركز باحثات والمهتمين.

 

الإسلام اليوم

JoomShaper