عبد العزيز بكر
العنوسة أحد أهم المشكلات الاجتماعية التي تتمدد وتتغول في المجتمعات العربية، ويحذر منها المتخصصون، ويصفون لها الدواء دون فائدة تذكر، أو نتائج ملموسة على الأرض.
ففي مصر وحدها ـ بحسب مراكز البحوث المتخصصة ـ تجاوزت العنوسة أكثر من 8 ملايين فتاة، والأرقام في ازدياد مستمر، ولا توجد حلول شافية لهذه المعضلة الاجتماعية التي تمتد آثارها السلبية إلى سائر أفراد الأسرة، وليس للفتاة أو الشاب فقط.
في التقرير التالي نحاول الوقوف على أهم مسببات العنوسة، وما يمكن فعله حيال هذه الأسباب.
تقول الحاجة بثينة (أم، وجَـدة لعدد من الأحفاد والحفيدات): في زماننا لم نكن نعرف معنى كلمة عنوسة، وكانت البنت التي يفوتها وقت الزواج نقول عنها: (بايرة)، ولم يكن من أن السهل أن تجد فتاة (بايرة)، فقد كانت البنات في زماننا يتميزن بحسن إدارة المنزل، وحسن الخلق، وهما ميزتان تشفعان لأي عيوب بعد ذلك، سواء قلة الجمال أو قلة الحسب والنسب، لذلك كان من النادر أن تجد بنتا بائرة أو عانسا كما تسمونها هذه الأيام.وتضيف الحاجة بثينة: هذه المشكلة حلها يسير جدا، وهو أن تكون المرأة، امرأة، وأن يكون الرجل، رجلا، وأن يلتزم كل شخص حدوده، ويعرف دوره المطلوب، أما الآن فلم نعد نفرق كثيرا بين الشباب والفتيات.
ومن الحلول أيضا ـ في رأي الحاجة بثينة ـ هو التخفيف على الشباب في طلبات الزواج، ولينظر كل أب وكل أم كيف تزوج سابقا، وكيف كانت حياتهم يسيرة. إننا في السابق لم نكن نشترى أثاثا جديدا، والذين كانوا يشترون أثاثا جديدا كانوا قلة محدودة، والأهم من ذلك أننا لم نكن نشعر بالحرمان، أو أننا أقل من غيرنا، كما كنا نقيم مع أهل الزوج دون أن نشعر أننا مضطرون لهذا.
وتتابع: لو استطاع شباب اليوم فعل الذي ما فعلناه سابقا، لاختفت العنوسة في أقل من خمس سنين، ولكنهم يضعون عوائق كبيرة أمام أنفسهم، ويعيشون في الأمنيات الكاذبة، و لا يفيقون إلا بعد فوات قطار العمر.
وتقول (سيدة. ب) 46 عاما مدرسة، ومتزوجة حديثا: تزوجت مؤخرا والحمد لله، ومن خلال تجربتي الشخصية أرى أن لكل شخص ظروفه الخاصة، ويجب ألا نعمم ظروف فتاة على جميع الفتيات؛ لأن هذا يسرق العمر وقد ينتهي الأمر بالفتاة دون زواج.
وتضيف: كنت أشترط شروطا صارمة في زوج المستقبل، وبعدما كان الخطاب يتوافدون بكثرة، وكنت أرفض لأنني أضع نموذجا معينا، وأرفض ما عداها حتى اضطررت في النهاية للقبول بالمتاح، مع وجود فوارق كبيرة في السن بيننا، وفي المستوى التعليمي والاجتماعي، وعرفت أننا نعيش الحياة مرة واحدة، وأن ظروف الناس تختلف من شخص لآخر، ولا يجب أبدا أن تشترط الفتاة أن يكون زوجها مثل زوج فلانة من قريباتها أو صديقتها، لأنها في النهاية قد تقبل بالموجود وإن لم يكن مناسبا لها، فالزواج في كل الأحوال أفضل من الوحدة.
أما (أشرف. ر) فيقول: نحن مجتمع ـ مع الأسف ـ يهتم بالمظهر أكثر مما يهتم بالجوهر، وتجد فتيات وشبابا تضيع أعمارهم بسبب أولياء أمور الفتيات الذين يتعنتون في الطلبات التي ترهق الشباب. ويضيف: عن نفسي قررت أن أكمل حياتي بلا زواج. فقط تجاوز عمري الـ43 عاما، ومن الصعب عليّ في الوقت الحالي تصور أنني أبدأ حياتي من جديد، خصوصا وأنه لا عمل ثابت لدي، وليس لدي طاقة نفسية للصبر على زوجة وبيت له متطلبات واحتياجات، ولهذا من الضروري أن تكون هناك حلول جذرية لإنقاذ الشباب والفتيات فالمستقبل مخيف!
ويعلق الباحث التربوي بمعهد البحوث والدراسات العربي محروس عثمان على هذه الأزمة المتصاعدة بقوله:
من المهم أن نبحث عن أسباب العنوسة المباشرة؛ ليمكننا النظر فيها وتقديم الحلول الملائمة، ولهذا أقول:
إن من أول هذه الأسباب هو ضعف الوازع الديني والبعد عن الله تعالى، ولابد من التوقف أمام هذه الجزئية؛ لأن ضعف الوازع الديني يتمثل في عدم وعدم القبول بظروفنا وواقعنا، مع الإصرار على نموذج نصنعه في رؤوسنا، ونصر على بلوغه سواء الفتي أو الفتاة
السبب الثاني تعليم الفتيات: وإصرار البعض على رفض الزواج لحين الانتهاء من التعليم الجامعي أو ما بعد الجامعي، وفي هذه الفترة تكون ذهبت فترة أنوثتها ونضارتها التي تكون مرغوبة فيها للزواج.
ثالث الأسباب: البطالة التي يعاني منها الشباب، وهو ما يعني انعدام القدرة على تحمل مسؤولية فتح بيت الزوجية، وتحمل مسؤولية زوجة وأبناء، يتوازي مع أزمة البطالة ازدياد فرص الفتيات في العمل، وهو ما يشعر الفتاة بالاستقلالية أو حتى الارتفاع على الشاب، فتقول في نفسها: ما الذي يربطني بشاب لا يعمل، بينما أنا أعمل وأوفر لنفسي ما أحتاجه، وحين تفيق يكون الوقت أدركها، وبالطبع هذه ليست مشكلة الفتاة، فمن حقها أن تعمل بما يتناسب مع طبيعتها، ولكننا نرصد ظاهرة متنامية في مجتمعنا.
أضف إلى البطالة: غلاء المهور، ومبالغة الأولياء في المطالب أو تكاليف الزواج، وهو ما يشعر الشباب بالعجز والنقمة أيضا على المجتمع، وعلى أولياء أمور الفتيات.
ويشير الباحث محروس عثمان أن الحلول العملية في مواجهة العنوسة تتمثل في عدة إجراءات يمكن فعلها، منها: إقامة أعراس أو حفلات الزواج الجماعي لتوفير نفقات الزفاف، فهذه الطريقة في الزواج التي تتبناها الجمعيات والهيئات الخيرية ثبت نفعها وفعاليتها بشكل كبير، كما أنها تحفز الميسورين على مساعدة الشباب دون إراقة ماء وجه الشباب، إذ يكون التواصل مباشرة بين المحسنين وبين هذه الجمعيات، وهو ما يحقق فوائد واسعة للزواجات التي تكون بالمئات من الشباب والفتيات.
ومن الحلول أيضا: تفعيل مساعدة الشباب على الزواج في القرى وفي الأقاليم، فهذه الطريقة لها نفعها وأثرها الكبير في الريف، وهناك نماذج كثيرة كنت أشاهدها بنفسي ، حين قام بعض المحسنين في القرى بكفالة يتيمات وتزويجهن، وأثمر ذلك وجودهن في بيوت مستقرة ووهبهن الله تعالى الذرية.
ويختم عثمان بقولة: العنوسة تحتاج إلى مؤسسات ضخمة تتصدى لهذه المشكلة الاجتماعية المزعجة، سواء على المستوى الرسمي أو المستوى الشعبي، ممثلا في الجمعيات والهيئات الخيرية التي تعمل وفق خطة وإحصائيات دقيقة وواضحة.