علي بن حسين بن أحمد فقيهي
بوح القلم
(تأملات في النفس والكون والواقع والحياة)
عزيزي القارئ، تأمَّل العبارات التالية:
١ - (مادَّة الرياضيات صعبة جدًّا؛ فلا بد من وضعها أول يوم في الاختبارات).
٢ - (الأقارب عقارب؛ فابتعد عن الزواج منهم).
٣ - (ذلك البلد فاسد؛ فاحذر من السفر إليه).
٤ - (تلك القبيلة متخلِّفة؛ فابتعد عنها).
٥ - (أنت فاشِل لا تصلح لشيء).
٦ - (هذا الشيخ فيه لوثة بدعيَّة؛ فلا تدرس عنده).
٧ - (كل الحكَّام ظلَمة ومفسِدون).
بعد قراءتك للكلمات السابقة، أجِب بصراحة عن الأسئلة التالية:
١ - متى تلقَّيت هذه العبارات؟
٢ - ما مصدر هذه الخواطِر؟
٣ - ما تأثيرُ هذه الكلمات على مَسيرة حياتك؟
٤ - هل نقلتَ هذه الأفكار بحرفيَّتها لأبنائك ومَن حولك؟
٥ - هل تعتقد أنَّك أسيرٌ لمجموعة من الرسائل والعبارات التي تسرَّبتْ لذاكرتك من الصِّغر، وتحوَّلتْ مع الزمن لقواعدَ يقينيَّة لا تحتمل المناقشةَ والتغيير؟
٦ - هل حاولتَ تصحيحَها، أو تقويمها، أو رفضها؟
• بالنظر والتفكُّر في النفس والذَّات، والأفراد والمجتمعات، نجد أنَّ المحرِّك الرَّئيس، والمؤثِّر الفاعل في الكثير من التصوُّرات والمعتقدات، والأفعال والتصرُّفات - يعود إلى الأفكار الأوليَّة، والخواطر المبدئيَّة؛ سلبيَّة كانت أو إيجابية، التي قد تترسَّخ وتثبُت، أو تتلاشى وتزول، بحسب العوامل النفسيَّة أو الأسريَّة أو البيئية.
• يقول الإمام ابن قيِّم الجوزيَّة: "مبدأ كلِّ عِلم نَظري وعمل اختياري هو الخواطِر والأفكار؛ فإنَّها توجب التصوُّرات، والتصورات تدعو إلى الإرادات، والإرادات تَقتضي وقوعَ الفعل، وكثرة تَكراره تُعطي العادة؛ فصَلاح هذه المراتب بصَلاح الخواطِرِ والأفكارِ، وفسادُها بفسادها".
• أظهَرت بعض الدِّراسات أنَّ الناس يَستجيبون للرسائل السلبيَّة الموجَّهة إلى اللاوعي أكثرَ من غيرها من الرسائل، فحسب الدراسة التي أجرتها البروفيسور نيلي لافي من جامعة لندن ونشرَتْ نتائجها في مجلة إيموشن، تعين على المشاركين تَحديد ما إذا كانت الكلمات سلبيَّة أو إيجابية أو حياديَّة، وكان من اللافت أنَّ استجابة المشاركين كانت أكثر دقَّة حين كانت الكلمات سلبيَّة؛ حيث تمكَّن 66% من المشاركين من تحديد الكلمات السلبيَّة، مقابل 50% من الكلمات الإيجابيَّة.
• بالتدبُّر في الكتاب العَزيز، نجد أنَّ سبب الزَّيغ والضَّلال للأفراد، والفساد والهلاك للأمم - هي مَجموعة من الرسائل والأفكار السلبيَّة، نشأ عليها الصَّغير، وشاب عليها الكبير، وتحوَّلتْ لقواعدَ ذهنيَّة، وأصولٍ معرفيَّة، وثوابتَ اجتماعية، لا يمكن الانفكاك عنها، ولا الخروج عليها.
♦ ﴿ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ ﴾ [ص: 7].
♦ ﴿ وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ﴾ [الزخرف: 23].
♦ ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾ [المائدة: 18].
• البعض منَّا يعيش سنواتِ عُمره وهو مقيَّد ومكبَّل ببعض الأفكار والمفاهيم الخاطئة والمغلوطة والرسائل السلبية - استقبالًا وإرسالًا - عن النَّفس والناس، والكون والحياة، ونجد أثرَها البالِغ، وعواقبها الواضحة على طريقة التفكير، وأسلوب التعامل، ومَسيرة الحياة الدينيَّة والدنيوية.
• للتخلُّص والنَّجاة من آثار وغوائل الرَّسائل السلبية عليك بالآتي:
١ - التوكُّل والاستعانة بالمولى جلَّ جلاله في تصحيح الوساوس الخاطئة؛ ((يأتي الشَّيطانُ أحدَكم فيقول: مَن خلق كذا وكذا؟ حتى يقول له: مَن خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك، فليستعِذْ بالله ولْينتَهِ)).
٢ - الرِّضا والطمأنينة بالقضاء والقدَر، واليقين بالخير والتوفيق في جميع الأحوال وكافَّة الظروف؛ ((لا يقضي الله للمؤمن قضاءً إلا كان خيرًا له)).
٣ - عرض الأفكار الطَّارئة والرسائل الواردة على النصِّ الصحيح، والعقلِ الصريح، والواقع السليم؛ عن عائشةَ أم المؤمنين، عن جُدَامَةَ بنت وهب الأسدية، أنَّها سمعَتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لقد هممتُ أن أَنهى عن الغِيلَة حتى ذَكرتُ أنَّ الروم وفارس يَصنعون ذلك، فلا يضرُّ أولادَهم))، والغِيلة: أن يمسَّ الرَّجل امرأتَه وهي تُرضِع.
٤ - الحذر من مُخالطة أصحاب الآراء المنحرفة؛ ﴿ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ ﴾ [الصافات: 51 - 53].
٥ - تعميق الثِّقة بالنَّفس، والإيمان بالمواهب الذاتيَّة، والقدراتِ الشخصيَّة، واستثمارها فيما يَعود عليك بالنَّفع والفائدة الدينيَّة والدنيوية؛ ((مَن تعلَّم الرَّمي ثم تركه، فإنَّما هي نِعمة كَفَرها)).
٦ - إحسان الظنِّ بالآخرين، وحمل أقوالهم وأفعالهم على المحامِل الطَّاهرة، والتوقُّعات الطيبة؛ ﴿ اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ [الحجرات: 12].
٧ - حمايةُ العائلة ورعاية الأسرة - وبخاصة الأولاد - من الأفكار والخواطر السَّافلة والساقِطَة المنقولة والمتداولة - مِن الأجداد إلى الأبناء إلى الأحفاد - عن بعض الأقارب أو الجيران أو المجتمع.
٨ - مُحاسبة وسائل الإعلام المتعددة والمتنوعة المسيئة لسُمعة الأفراد، والمشوِّهة لصورة المجتمع، المزيِّفة للحقائق، والمروِّجة للأكاذيب.
٩ - إيثار سلامة القلب وراحة البالِ وطمأنينة النَّفس، على القلَق والاكتئاب والغيبة والنَّميمة؛ بسبب الظُّنون الرَّديئة، والتصورات الوضيعة؛ حيث "يعتقد الكثير من الاختصاصيين النَّفسيين - مثل البروفيسور آرون بيك من جامعة بنسلفينيا - بأنَّ الاكتئاب هو بسبب وجهة نظَر سلبيَّة من الشَّخص تجاه نفسه والعالَم من حوله".
١٠ - عدم الرضوخ والانصِياع أو المسايَرة والمتابعة لهوى النَّفس، وعادات الأقارب، وتقاليدِ المجتمع المخالفة للدِّين والشرع، أو المنافية للمنطِقِ والعقل، أو المتصادمة مع الواقع والحال