لها اونلاين
مازالت مجتمعاتنا تعاني من آثار التدمير النفسي، والخسائر المالية والحوادث التي تسببها المخدرات بأنواعها، والتي يظن الكثيرون أنها وسيلة للهروب من الواقع، والعيش في حالة سلام مع النفس، ولكن الحقيقة المؤلمة التي يحكيها الواقع مغاير لذلك تماما.
يدفع الشباب دائما روح المغامرة والمجازفة وتجربة كل ما هو جديد، دون التدقيق أو الوقوف على أبعاد ونتائج التجارب قبل خوضها. وهذا ما دفع الشباب الفارغ روحياً والفقير فكرياً من الاندماج وتعاطي نوع جديد من المخدرات، ولكن بدون عقاقير وبطريقة تقنية!
هذا النوع اشتهر بين عموم الشباب، وفي عالم الانترنت باسم المخدرات الرقمية "Electronic Drugs" وترجع سبب التسمية لتأثيرها المشابه لتعاطي المخدرات، مع الفارق في استخدام التكنولوجيا في طريقة تعاطيها!
المخدرات الرقمية أو ما يعرف بـ "E-Drugs": هي مقاطع صوتية ذات ذبذبات منخفضة، ينتج تأثيرها عن طريق بث ترددين مختلفين، لكل أذن تردد مختلف عن الأذن الأخرى، فيحاول الدماغ جاهدا التوازن بين الترددين؛ ما يؤدي الى حدوث ما يشبه حالة عدم التوازن في الدماغ، والتي تدخل تحت تأثير ما يشبه المخدر، حيث تم استخدامها لأول مرة عام 1970م لعلاج بعض الحالات النفسية، من المصابين بالاكتئاب، لكن بجرعات محددة، ومدة زمنية صغيرة، وتحت الإشراف والمتابعة الطبية الدقيقة.
تؤثر المخدرات الرقمية - في حال اتباع الإرشادات الخاصة بها كإغلاق الإضاءة، ووضع سماعات للأذن عالية النقاء، إغماض العينين، الاسترخاء، وبعض الاستعدادات الغريبة الأخرى- على كهرباء الدماغ، فيشعر المستمع لها بأعراض المخدرات كالنشوة المؤقتة، ثم الدوار والزغللة مع ضربات سريعة للقلب، وأحيانا تصل إلى حد الإغماء، ومع تكرار اختلاف موجة كهرباء الدماغ بهذا العنف وتأثرها بالصخب، يؤدي للحظات شرود، وقد يتطور الوضع إلى حدوث نوبات تشنج، وتختلف الأعراض بحسب اختيار نوع الجرعة والاستعداد النفسي.
ومن المؤسف أنه يتم بيع المخدرات الرقمية في المتاجر الإلكترونية علانية، وبأسعار زهيدة يمكن الحصول عليها بسهولة، دون وجود رقابة أو تجريم، أو توعية للشباب بتأثيرها النفسي والجسدي. بل يصل الأمر إلى حد التجاهل والتهكم من هذا النوع الجديد؛ لكونه غريبا في طريقة تعاطيه، وتناسينا أن كل ما يحدث حولنا من تطور تقني سريع وهائل كله في البداية كان نوعا من الخيال أو الهذيان، إذا تم ذكره لأحد ما في القرون الوسطى مثلا!
وعلى الرغم من ذلك فإن قرابة 75% ممن سمعوا عن المخدرات الرقمية، لم يقتنعوا بمدى تأثيرها، ووصفوها بالتخاريف، ونوع من أنواع الدعاية لهذه المقاطع الصوتية ومروجيها. وهنا توضيح لمدى ارتباط الصوت بحالة الإنسان المزاجية والنفسية:
هل يؤذيك الصوت العالي؟ بماذا تشعر إذا صرخ شخص قرب أذنك؟ ما شعورك عند سماع صوت شخص قريب لقلبك؟
- الصوت الوارد للأذن يؤثر على الحالة النفسية للمتلقي، وترتبط حاسة السمع ارتباطا وثيقا بأحاسيس الإنسان ومشاعره، فالصوت العالي يسبب تعكر للمزاج والصداع وأحيانا الخروج عن الشعور، وعلى العكس فالصوت الهادئ والدافئ يؤثر في النفس كما يؤثر صوت الأم في طفلها عند هدهدته للنوم، أو كما يؤثر صوت قارئ القرآن في النفس بالراحة والسكينة، وأبرز هذه الصور ما ورد في قوله تعالى على لسان الجن عندما استمعوا إلى القرآن الكريم: "قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا" [الجن: 1].
- يستطيع الإنسان السمع من أي اتجاه، وفي الضوء أو الظلام، ولكل انسان بصمة صوت تميزه عن غيره، كما يتميز صوت المرأة عن الرجل، وصوت المراهق عن الشاب والكهل، كما يكشف الصوت مدى حيوية الشخص و حماسه، و جزء كبير من شخصيته!
ذكر الله سبحانه وتعالى حاسة السمع في مواضع كثيرة في القرآن الكريم، وقرنها بالبصر والعقل، قال تعالى: "وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"[النحل: 78]، وقال تعالى: ﴿وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ ..﴾[يونس: 42].
- الأذن تقوم بوظيفتي السمع والتوازن، وأي خلل في جهاز التوازن يؤثر على توازن الجسم، كما يحدث عند الارتفاع بالطائرة، وتغيير مستوى الضغط الجوي الذي يسبب طنين في الأذن وشعور بالدوار أو الصداع وعدم التوازن في المشي أو الوقوف.
- ما تقوم به المخدرات الرقمية هو: اعتمادها على إخلال التوازن في الأذن والذي يتبعه تغيير في كهرباء المخ، والحالة المزاجية التي تزيد أو تنقص تبعا لنوع الجرعة المُختارة والمدة الزمنية.
همسة للآباء والأمهات: نرى أولادنا دائما صغار وأبرياء، ولا يخطر ببالنا ما قد يتعرضون له، أو ما قد يقدمون عليه خاصة مع تطور التقنية السريع والعزلة الاجتماعية الناتجة عن هذا التقدم.
كن صديقا لأولادك ولا تغمض عيونهم عن الجديد، بل أبحر معهم، واستكشفوا سوياً، وأرشدهم حتى لا يضطروا للجوء لمصادر أخرى، ربما تؤدي بهم إلى ما لا يحمد عقباه.