ربى الرياحي

عمان- في الحياة هناك من تقلقه كل صغيرة وكبيرة متخليا عن راحته وسكينته من أجل من يحب. هذا النوع من الشخصيات تحديدا يستنفد كل طاقته، ويرهق نفسه في التفكير الزائد.
خوفهم الدائم من المجهول ورغبتهم في التصدي لكل طارئ يحدث مع من حولهم يجعلهم يستسلمون للكثير من الهواجس التي قد تكون في أغلبها غير مبررة مطلقا ونابعة فقط من قلقهم المبالغ فيه. لذلك هم دائما ما يعيشون لغيرهم وينسون أنفسهم رغم أنهم في بعض اللحظات قد يراودهم شعور ملح بالتخلي عن هذه السمة المتعبة إلا أن طبيعتهم تمنعهم من ذلك.
القلق المستمر يسيطر على الأربعينية آمال ويضعها في مواجهة دائمة مع أحداث حتى وإن كانت بسيطة وعادية، إلا أنها تخيفها جدا وتربك يومها بالكامل. هي ولأنها تفكر كثيرا بمن تحبهم وتشعر بالخوف الشديد عليهم تعيش رهينة لتصورات قد تكون سلبية في أغلبها تقض مضجعها وتفقدها القدرة على النوم بشكل عميق.


تقول شعورها الدائم بالقلق على أبنائها وأهلها بدأ مؤخرا يرهقها جدا ويتركها في دوامة من الأفكار والمخاوف والاحتمالات، وخاصة عندما تنوي الخلود إلى النوم وتتابع إحساسها بأنها مسؤولة عنهم جميعا يحملها فوق طاقتها ويسلبها هدوءها واستقرارها لدرجة أن عقلها يبقى مشوشا لا يتوقف أبدا عن التفكير بأدق التفاصيل وأبسطها. آمال تستهجن تسخيف البعض واتهامهم لها بأنها شخصية تهول الأمور كثيرا بدون أي مبررات منطقية، لكنها مع ذلك لا تحاول أن تغير من نفسها أو ربما لا تستطيع ذلك لقناعتها بأنها على صواب مهما واجهت من انتقادات ولوم.
أما العشرينية رناد والتي تتمنى التحرر من قلقها المفرط، تقول، إنها لم تذكر يوما أنها عاشت بمعزل عن مشاعر القلق حتى وهي صغيرة لحظات كثيرة أفسدتها بسبب خوفها الشديد ومبالغتها في حرصها على مصلحة من حولها ورغم محاولاتها كلها إلا أنها ظلت مقيدة بمخاوفها.
استسلامها للتفكير الزائد بصحة والدتها وبهموم أخيها الوحيد وكل ما يتعلق بحياته وقلقها مما قد يحمله لها القادم من مفاجآت أسباب جعلتها أبعد ما يكون عن ذاتها وعن أحلامها من أجل الآخرين.
هي ولكونها شخصية قلقة جدا أكثر من اللازم تحسد كل من يفلت من قبضة هذه السمة المرهقة، ويعيش الواقع بشكل طبيعي بدون مبالغة في توقع الأسوأ دائما وانتظاره، لأن ذلك حتما يحرمها من الاستمتاع بالحياة كما هي ويفقدها طمأنينتها.
ويرى الأخصائي النفسي الدكتور موسى مطارنة أن القلق شعور مؤذ يتسم به بعض الأشخاص أكثر من غيرهم ويسيطر عليهم بشكل غير منطقي الأمر الذي يتسبب حتما في إرهاقهم وتعبهم واستنزافهم لطاقتهم وكل ذلك من أجل خوفهم الشديد على من يحبون.
ويتابع تمكن هذه السمة من الشخص تفقده بالطبع استقراره وسعادته وتقيده أمام الكثير من المواقف والأحداث تجعله فريسة لتزاحم كل تلك الاحتمالات والأفكار التي تداهمه باستمرار، وتعكر عليه صفو حياته هذا النوع تحديدا من الشخصيات، حتى وإن حاول الهروب من مخاوفه يفشل لأنه ببساطة اعتاد تلك المشاعر واستكان لها رغم قسوتها وخطورتها. مؤكدا على ضرورة التخلص منها وأخذ الأمور كلها باتزان بعيدا عن القلق المبالغ فيه حتى تكون حياة هؤلاء الأشخاص سوية ومريحة لهم ولمن حولهم.
ويقول الأخصائي الاجتماعي الأسري مفيد سرحان إن الأشخاص متفاوتون في الصفات والطباع حتى داخل الأسرة الواحدة وبين الأشقاء نجد اختلاف في طبيعة الشخصيات وهذا يعود إلى عوامل متعددة منها فطرية وتربوية والبيئية المحيطة.
ومن المهم أن يعرف الإنسان طبيعة شخصيته، وفق سرحان، وأن يعرف الآخرون خصوصا المحيطين بالشخص من أسرة وأصدقاء وزملاء عمل أن يعرفوا طبيعة من يتعاملون معه حتى يسهل التعامل والتعاون والتقليل من حدوث المشكلات، وهذا بحاجة إلى أن يتعرف الشخص على طبيعة الناس من ناحية نظرية وأن يعمق هذه المعرفة من خلال التعامل يجب أن ندرك جميعا أننا لسنا متساوين تماما من حيث الطباع، وهذا لا يشكل تقليلا من شأن أي شخص فلكل شخصية مميزاتها.
ومن أنواع الشخصيات الشخصية التي تتسم بالقلق الدائم، وخصوصا على من يحبون، فنجد أنها دائمة الاتصال والمتابعة لأدق الأمور والتفاصيل، مما يسبب لها التوتر الدائم كما أن ذلك يؤدي إلى مضايقة الآخرين، لأنه يشعرهم أنهم ليسوا أهلا لتحمل المسؤولية والقدرة على التصرف. وفق سرحان
ويشرح سرحان، ومثل هذه الشخصيات تبقى في توتر مستمر وشد عصبي مما يسهل استثارتها لأي سبب، وهي تغضب لأبسط المواقف مما يصعب على الآخرين التعامل معها، وتضفي جوا من السلبية على الآخرين وهذا التوتر الدائم يؤدي إلى الإرهاق الزائد والمستمر، مما يؤثر على الصحة النفسية والجسدية، وهذا ينعكس سلبا على الدراسة والعمل. ويلفت إلى أن هناك فرقا بين الحرص والتأني ودراسة الأمور وتوجيه الآخرين وتقديم النصائح لهم وبين المبالغة في متابعة تفاصيل حياتهم والتدخل في أدق التفاصيل سواء في العلاقة بين الزوجين أو حتى الأبناء وإشعار الآخرين بالاهتمام جيد ومطلوب، لكن المبالغة في ذلك صفة سلبية، ولعل التربية الصحيحة منذ الصغر وحسن التوجيه تساهم في بناء شخصية الإنسان بناء قويا متكاملا يكون قادرا على إدارة شؤونه الذاتية معتمدا على نفسه دون أن يعني ذلك عدم الحاجة إلى الآخرين لأن الإنسان مهما بلغ من العلم والخبرة لا يستطيع أن يعيش بمعزل عن الناس.
ويضيف أن حسن التربية يجعل الآباء والأمهات أكثر ثقة بقدرة الأبناء على التعامل مع غيرهم، مما يقلل حالة القلق لديهم والقلق أيضا قد يكون في ميدان العمل حيث متابعة بعض المسؤولين لأدق التفاصيل يسبب لهم الإرهاق الدائم إضافة إلى شعور الموظفين بعدم قدرتهم على العمل والإبداع، وهنا لا بد من وضع قواعد واضحة للعمل يمكن من خلالها قياس الإنجاز.
ويشير إلى أن الحرص الزائد على الآخرين ربما يكون له سلبيات كثيرة وبحاجة إلى أن يراجع الشخص نفسه وأن يبتعد عن الأفكار السلبية وأن يمنح غيره مساحة واسعة من الحرية في العمل وأن الإنسان يتعلم من أخطائه.

JoomShaper