عبد الله مولود
نواكشوط ـ»القدس العربي»: يعيش الإنسان أي إنسان بين حالتين هما التشاؤم وهو توقع الشر دائما، والتفاؤل وهو بالعكس، توقع الخير، يعيش دقائق حياته بين تشاؤم مدمر فتاك، وتفاؤل محلق في الآفاق.
وزادت تعقيدات الحياة المعاصرة من معدل التشاؤم على حساب التفاؤل بما تحمله وسائل الإعلام كل دقيقة من ضوضاء وما يقع خلال العالم من أحداث وحروب وأوبئة وزلازل، وأعاصير.
وحث الدين الحنيف على التفاؤل، وحذر من التشاؤم؛ وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل ويحث عليه، وينهى عن التشاؤم ويحذر منه.
وخاطب أحد الوعاظ مجموعة من مرضى التشاؤم واليأس قائلا «تفاءل في نفسك، أيها اليائس، بأنك ستكون أفضل، وسيأتيك كل خير، تفاءل في أبنائك وأسرتك بأنهم سيكونون أفضل، تفاءل في بلدك، تفاءل وإن رأيت الباطل غالبًا والحق ضعيفًا، فلا بد لليل أن ينجلي، ولا تيأس ولا تتشاءم، فإن أصابك شيء من ذلك، فاستحضرِ التوكل على الله، وتذكر أنه لن يصيبك إلا ما كتبه الله وقدَّره».
وتؤكد الدراسات النفسية أن صحة الإنسان العقلية والجسدية ترتبط كثيرا بنظرته للعالم، وبتفاعله مع الأشخاص الذين يعيش معهم، وبالقرارات التي يتخذها، والخبرات التي يملكها.
وإذا جمعت متشائمين ومتفائلين في مكان واحد للنقاش والتعاطي، سيكون حديث المتفائلين حول الخطط الرائعة للمستقبل، وكيف يمكن للأمور أن تتحسن، بينما سيجد المتشائمون ما يتناوله المتفائلون نقاشًا محبطًا بعيدا عن الواقع.
وسيجد المتفائلون، أن المتشائمين يفسدون خطط المستقبل ويملؤون أفق الحياة بمواقف وعبارات سوداوية سلبية.
وسيرد المتشائمون وهم كثر: «ألا يرى المفرطون في التفاؤل ما يزخر به هذا العالم البغيض والقاسي الذي نعيش فيه؟ هؤلاء المتفائلون اعميان يخدعون أنفسهم؟».
ونقل عن ونستون تشرشل ذات مرة قوله: «المتشائم يرى الصعوبة في كل فرصة؛ والمتفائل يرى الفرصة في كل صعوبة».
ويرى علماء النفس «أن التفاؤل هو الاعتقاد بأن نتائج الأحداث أو التجارب ستكون إيجابية بشكل عام؛ ويرى آخرون أن التفاؤل هو أسلوب تفسيري أكثر، فهو الطريقة التي يشرح بها الناس أسباب الأحداث.
ومما يراه المتفائلون، فيفسح أمامهم الرجاء أن أسباب الفشل، والتجارب السلبية كلها أمور مؤقتة ومحددة وعابرة وهو ما يمنحهم الأمل في إمكانية التغيير بسهولة أكبر.
ولدى المتفائلين حظ في العيش لفترة أطول من نظرائهم الأكثر تشاؤماً؛ كما أنهم أقل عرضة للآثار السلبية للمرض والتعب والاكتئاب، ومع ذلك، فإن الاعتقاد غير الواقعي بأن مستقبل الشخص سيكون مليئًا بالأحداث الإيجابية فقط يمكن أن يؤدي به إلى تحمل مخاطر غير ضرورية، لا سيما فيما يتعلق بصحته وأمواله.
وبالنظر للنوع، تشير الدلائل إلى أن الرجال والنساء يتشاركون مستويات متشابهة من التفاؤل، ولكن هناك اختلافات بين الجنسين فيما هم متفائلون بشأنه: فعلى سبيل المثال، اتضح أن الرجال يحملون وجهات نظر أكثر تفاؤلاً حول المستقبل الاقتصادي، لكن خلال فترات الانكماش الاقتصادي، يختفي الفارق بين الجنسين.
ويرى أنصار التفاؤل أنه يشكل سدا واقيا يحمي الإنسان من أثقال وإرهاق الشك واليأس التي تجعل المصاب به يشعر بعدم جدوائية ما يقوم به وبأن النتيجة السلبية محددة سلفًا ولا مناص منها.
وينصح معالجو مرض التشاؤم المصابين به بعدم الاكتراث بالأفكار السلبية وبإفساح المجال أمام المسرات والمفرحات.
لكن مهما كانت المواقف متشائمة أو متفائلة؛ فلا منقذ للإنسان من العيش بين هذين التيارين الجارفين: تيار الأمل وتيار اليأس؛ وسيكون الإنسان الأكثر سعادة هو ذلك البطل الذي يتقن القفز الحر ويحترف السباحة بين شلالات الحياة المتدفقة بالأقدار، المملوءة بأحداث غيب لا يمكن التكهن بها.