محاسن أصرف
عادةً ما يكون المثل الشعبي نتاج تجربة شعبية يقصد بها عبرة وحكمة، تحض على سلوك معين،  أو التنبيه من سلوك معين، وذلك من خلال جملة مفيدة وبليغة محكمة البناء، وشائعة الاستخدام لدى كافة طبقات المجتمع وتحمل في ثنايا كلماتها القليلة قصة.
ولعل أبرز الأمثال الشعبية في الحياة الفلسطينية "الجار للجار ولو جار" وهو يدعو إلى التضامن مع الجار في كل حين، وذلك احتكاماً لأوامر الشارع الذي أوصى بحماية حقوق الجار والإحسان إليه، وعملاً بقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال:" أتدرون ما حق الجار، قال: إذا استعان بك أعنته، وإذا استقرضك أقرضته، وإذا افتقر عدت عليه، وإذا افتقدته عدته وإذا أصابه خير هنأته، وإذا أصابته مصيبة عزيته وإذا مات تبعت جنازته ولا تستطل عليه بالبنيان فتحجب عنه الريح إلا بإذنه ولا تؤذيه بريح قتار قدرك" رواه البيهقي في شعب الإيمان، وحكم عليه العلماء أنه ضعيف جدا، وبعضهم نسبه لعطاء الخرساني.
ولعل المثل وتوافقه مع الحقوق التي وردت في حديث المصطفى تؤثر تأثيراً إيجابياً على نفوس البشر فتسود المحبة والتوافق والتكافل وتتوه معاني الحقد والغل.
" الجار قبل الدار"
الحاج أبو عواد من غزة يحفظ الكثير من الأمثال الشعبية الفلسطينية الخاصة بالجار على سبيل المثال، ويقول إنها تحمل دلالات ومعاني كبيرة فمنها: "اشتري الجار قبل الدار" ،والمأخوذ عن قصة لرجل كان جاراً لأبي دف البغدادي، حيث قتر حال ذلك الرجل واشتدت حاجته، وتكاثرت عليه الديون فما استطاع إلا أن يلجأ إلى بيع بيته ليسدد التزاماته وبالفعل عرض بيته للبيع مقدراً ثمنه بألف دينار، إلا أنها كانت لا تساوي أكثر من 500 دينار ولما أخبروه بذلك قال أعلم لكني أبيعها بـ500 وجوارها بـ500 أخرى، وما كان من أبي دلف حين سمع بذلك إلا أن سدد ديونه ووصله وواساه في مصيبته.  ويلفت الرجل أبو عواد أنه انتهج ذلك النهج حين أراد أن يعمر بيتاً قبل عشرين عاماً، كان الأهم لديه الجيرة الطيبة، يقول:"أنه وجيرانه تجمعهم علاقة أخوة وصداقة لا يمكنه الانفكاك عنهم ولا إبدال مسكنه بعيداً عنهم" لافتاً إلى أنه بعد زواج أبنائه جميعهم أصروا عليه الانتقال لديهم، إلا أنه آثر البقاء بين جيرانه فهم أخلة الزمن الأخير.

مئة عين تبكي
ولعل المثل الشعبي "مئة عين تبكي ولا عين أمي تدمع" أكثر وضوحاً في حياة الأسرى الفلسطينيين، إذ تعمد قوات الاحتلال إلى تذكيرهم به في أقبية التحقيق في إطار ممارسة الضغط النفسي عليهم؛ لإجبارهم على الاعتراف، بدلاً من حمل الأذى لأمهاتهم حين تقودهم قوات الاحتلال للتحقيق معهن، أو تقتحم عليهم البيوت، وتعمد إلى التنكيل بهم بين الحين والآخر، فيسهم ذلك المثل في تغيير اتجاهات الأسرى أحياناً كي لا يشهدون ويسمعون دموع أمهاتهم المسنات تحت وطأة التعذيب الصهيوني الذي لا يرحم امرأة أو عجوزاً.

المرأة في الأمثال الشعبية

د. جميل الطهرواي أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الإسلامية يوضح لنا: أن الأمثال الشعبية كلمات مختصرة تحمل دلالة وطرافة، وأحياناً تحمل نوع من المبالغة، إلا أنها في صيغتها مقربة ومحببة للناس، كما أنها لا تخلو من الحكمة.
ويقول الطهرواي: "إن ملامستها لحاجات الناس جعلها تنتقل من جيل إلى آخر وتؤثر في تكوينه".

وقد استعرض الطهرواي بعض الأمثال الظالمة والتي تنال من المرأة، وذلك في دراسة أعدها حول "المرأة في الأمثال الشعبية الفلسطينية" وجد فيها أكثر من 25 مثلا من مجموع الأمثال الشعبية الفلسطينية نظر للمرأة نظرة سيئة، فصورها أنها تجلب العار والمتاعب لأهلها، كما أنها ضعيفة القدرات العقلية، وتتميز بالدهاء والمكر الشديدين، بالإضافة إلى العدوانية وعدم الاتزان!  وألمح أن كثيرا من الأمثال أكدت على ضرورة أن تكون المرأة أقل من الرجل.  لافتاً إلى أن تلك الأمثال كان لها تأثيرها السلبي على نظرة المجتمع للمرأة وفقاً للمثل القائل :"الرجل لا يعيبه شيء" وأن مسؤولية الإنجاب على المرأة! لافتاً إلى تنافي هذا المثل مع العلم والعقل والمنطق أيضاً.
ويشير د. الطهراوي إلى أن بعض الأمثال الشعبية تحمل إهانة للمرأة،  مثل المثل القائل:"طويلات شعور قصيرات عقول" والذي يتداوله الناس في الشارع الفلسطيني، حين يريد أحدهم أن ينفي التفكير عن المرأة، وهو ما يتعارض مع ما جاء به الدين الإسلامي وإبرازه لمكانة المرأة ومشاركتها في كافة مناحي الحياة.

 

لها أون لاين

JoomShaper