كامل أحمد الشماسي
الوضع يتفاقم والصورة تزداد قتامة وليس هناك من أفق لمبادرة سياسية لحل هذه المعضلة التي تزداد تعقيداً يوماً عن يوم.
فصل الجنسين في المجتمع أخذ أبعاداً خطيرة باتت تهدد بزعزعة أركانه وإضعاف لحمته. وكلما تأخرت القيادة السياسية عن المبادرة عن تبي خطة وطنية شاملة لإرساء علاقات صحية تضمن نقل المجتمع على طريق مساواة الجنسين في العمل والحركة والحقوق الإنسانية والسياسية والاجتماعية وإنهاء حالة الخلل الاجتماعي التي يعاني منها كلما هيأنا لدفع المجتمع نحو التشوه وعدم الاستقرار وتعميق التناقضات والتناحرات بين شرائح المجتمع ذاته.
في الخمسينات والستينات والسبعينات كانت العلاقات بين الجنسين أكثر حضارة وأكثر طبيعية وكانت علاقات الاحترام المتبادل هي السائدة وكانت البلاد تسير نحو تصحيح العلاقات بين الجنسين بما يخدم مصالح الوطن والأمة وكان الإيمان يترسخ أكثر وأكثر بأن عملية البناء لا تتم بإلغاء نصف المجتمع وتغييبه وعزله عن ممارسة دوره في البناء والتطور.

لن أخوض في مسببات وظروف التطور التي واكبت الفترة السابقة بما فيها خطوة الملك فيصل الشجاعة في تحديه للجماعات المتشددة وفرض تعليم البنات والسير بالبلد نحو الانفراج الاجتماعي، إلا أن العقود الثلاث الأخيرة سجلت تراجعاً كبيراً عن عملية الاصلاح الاجتماعي وانفتاح المجتمع، بل أننا في النهاية أصبحنا في بلد مختلف عن باقي دول العالم في الانغلاق والتشدد والعصبية في الوقت الذي تشكل بلادنا باعتبارها منبع الرسالة السماوية والتي يجب أن نكون بالتالي مثالاً في التسامح والاعتدال.

الانسان عندنا وبالتحديد الرجل بسبب سياسة الانغلاق الاجتماعي أصبح يعاني من جملة من الأمراض النفسية من مظاهرها الريبة من النساء، القلق، عدم الاتزان في التعامل مع المرأة، التصنع في المعاملة مع الجنس الآخر والخوف من كل شيء اسمه أنثى، وفي المقابل تعمقت لدى الرجل العدوانية، التوحش تجاه الجنس الآخر. وبنفس هذا القدر أو ذاك انعكست تلك الأمراض النفسية على المرأة عندنا الطرف الآخر في المعادلة الاجتماعية.

إن أخطر ما سببته سياسة الانغلاق الاجتماعي وفصل الجنسين، والآخذة في الغلو والتطرف يوماً عن يوم وكانت أخر إفرازاتها الدعوة بتهديم الحرم المكي الشريف وإعادة بناءه بما يؤمن فصل الجنسين ومنع الاختلاط أثناء تأدية مناسك الحج، جملة من الظواهر الاجتماعية الخطيرة والتي تشكل عوامل هدم وتفكيك وتفجير المجتمع من الداخل نورد أبرزها

· تفشي ظاهرة العنوسة جراء انغلاق المجتمع ومنع الاختلاط وما يسببه ذلك من إفرازات اجتماعية وسيكولوجية سلبية للغاية.

· انتشار جرائم التحرش الجنسي وتزايدها في المناطق الأكثر تشدداً في مسألة الاختلاط وفصل الجنسين. بمقولة لعالم النفس فرويد الذي قال: "إن إخفاء البدن بصورة متزايدة يبقي حالة الهياج الجنسي في حالة تيقظ"!

· انخفاض معدل دخل الفرد السعودي من جراء تعطيل عمل المرأة أو تحديده ببعض المجالات كالطبابة والتدريس وانتشار البطالة المقنعة والمباشرة في صفوف النساء بسبب سياسة التضييق على المرأة في ممارسة حقها في العمل دون تمييز وفي جميع المجالات.

· منع المرأة من السياقة بحجة الحد من الاختلاط أدى إلى جلب عشرات الآلاف من السائقين الأجانب مما أدى إلى استنزاف اقتصادي حاد في دخل الفرد السعودي، والعائلة السعودية بالتحديد، من جهة، والإجهاز على قيم وأسس التوازن الاجتماعي للأسرة والمساعدة في زيادة معدل جرائم التحرش الجنسي من قبل السائقين الأجانب في ظل الكبت الاجتماعي المفروض أصلاً في المجتمع وزيادة معدل ظاهرة الجريمة بشكل عام من جهة أخرى.

· تعمق التناحر والانقسام الآجتماعيين وتأزم الوضع مما ينذر عن عواقب لا أحد يتوقع حجمها ومداها.

أمام هذا الوضع تمثل أمام السلطة السياسية مهمة جوهرية وأساسية وهي إزالة حالة الاحتقان السائدة في المجتمع السعودي وفي نفس الوقت انتشاله من براثن التخلف وهي وظيفة من وظائف الدولة كبناء فوقي للمجتمع وكما يشهد التاريخ الانساني فإن النظام السياسي يمكن أن يتمتع بالاستقلالية النسبية ويلعب دور المعيق للتطور المجتمعي أو أن يكون قائداً لعملية التغيير التقدمي ومواكبة الحضارة الانسانية.

إننا بحاجة إلى شجاعة لتحمل المسئولية التاريخية للبدء في عملية التغيير الحقيقي والانطلاق من تحرير المرأة وبالتالي المجتمع بأسره من الوضع الشاذ عبرإزالة كافة المعوقات وكف يد جماعات التشدد والتكفير واتخاذ سلسلة من التدابير بما فيها سن القوانين الضامنة لسير عملية التغيير نحو منتهاها المنشود والطبيعي لنكون متساوون مع المجتمعات الأخرى التي سبقتنا نحو التطور والتقدم الاجتماعي.

 

شبكة راصد الإخبارية

JoomShaper