نحن نتمنى أن نكون جيدين ونكون راضين عن علاقاتنا الاجتماعية، ونتمنى أن يرى الآخرون شخصياتنا الحقيقية كما نرغب نحن بأن يروها، ولكن نفاجأ بأن الآخرين يروننا بطريقة مغايرة وتختلف عن شخصيتنا الحقيقية.


وليم جيمس يقول: "هناك قانون في علم النفس أنه إذا قمت بتشكيل صورة في ذهنك لما تود أن تكونه، واحتفظت بهذه الصورة لفترة كافية، فستصبح قريبا كما كنت تفكر تماما".
شعور متناقض ومحير حيال أهم مبدأ عقلي وروحي تم اكتشافه على الإطلاق، هو أن ما يجري حولك هو انعكاس لما يجري بداخلك. يمكنك معرفة الحالة الداخلية لأي شخص من خلال النظر إلى الظروف الخارجية لحياته. ولا يمكن أن يكون الأمر خلاف ذلك، قد تعتقد أنك تفهم الفرق بين رؤية شيء وتخيله. عندما ترى شيئا ما، فإنه يكون موجودا حقا؛ وعندما تتخيله، فإنك تصنعه، وهو شعور بالغ الاختلاف.
تكمن المشكلة في أنه عندما يطلب الباحثون من الناس تخيل شيء ما، مثل حبة طماطم، ثم يعطون لبعضهم بعضا صورة بالكاد مرئية لحبة طماطم، فإنهم يجدون أن من الصعب فصل عملية تخيلها تماما عن عملية رؤيتها. إنهم يستخدمون، في الواقع، الكثير من نفس مناطق الدماغ.
وعندما تتوقف عن التفكير في الشيء، فإن ذلك يبدو منطقيا. فالعقل موجود في الجمجمة ويحاول من خلال المعلومات التي تصله تجميع المعلومات عما يدور حوله. وحتى عندما يكون العقل بصدد رؤيته، فإنه يقوم جزئيا ببناء ما هو موجود هناك مسبقا استنادا إلى التجربة السابقة. الواقع والخيال متداخلان تماما في دماغنا، ما يعني أن الفصل بين عالمنا الداخلي والعالم الخارجي ليس بالوضوح الذي نظنه. فلقد نشأنا ونحن نعتقد أن "التخيل" و"الرؤية" يصفان ملكات عقلية مختلفة. ولكن، مع تعلمنا المزيد حول ما يحدث في العقل، تصبح هذه المفاهيم أكثر ضبابية.
وهذا يحدث في كل مكان. على مر القرون، توصل البشر إلى جميع أنواع المفاهيم لوصف أنشطة التفكير المختلفة: الذاكرة، والإدراك، والعاطفة، والانتباه، واتخاذ القرار. ولكن الآن، بينما يطور العلماء قدرات أكبر للنظر في الدماغ عندما يقوم بعمله، فإنهم غالبا ما يجدون أن النشاط الذي يلاحظونه لا يتناسب مع الفئات الدقيقة التي أنشأتها ثقافتنا، والتي نعتمد عليها لفهم أنفسنا. ومن الأمثلة حول الموضوع:
أولا: العقل/ العاطفة.
 يبدو الأمر كما لو أن العقل المنطقي يخلق الأفكار ويعمل بالأفكار، بينما العواطف تجتاحنا وتكتسحنا فحسب. لكن بعض علماء الأعصاب، يجادلون بأن الناس يبنون العواطف والأفكار، ولا يوجد تمييز واضح بينها. ويبدو الأمر كما لو أننا نستطيع استخدام ملكة العقل لدينا لكبح جماح عواطفنا، لكن بعض علماء الأعصاب يشككون في أن هذا ما يحدث حقا. وعلاوة على ذلك، تعطي العواطف قيمة للأشياء، وهي لذلك مفيدة للعقل، وليست منفصلة عنه أو متعارضة معه.
ثانيا: الملاحظة/ الذاكرة.
تبدو الملاحظة وكأنها عملية شفافة. إنك تفتح عينيك وتأخذ الأشياء إلى الداخل.
وفي الواقع، الكثير من الرؤية، أو معظمها، هي عبارة عن صناعة تنبؤات عقلية حول ما تتوقع رؤيته بناء على الخبرة، ثم استخدام المدخلات الحسية للتحقق من تنبؤاتك وتعديلها. وبالتالي، فإن ذاكرتك تؤثر بشكل عميق في ما تراه. وقد لاحظ عالم الأعصاب بجامعة ساسكس، أنيل سيث، "أن التصورات تأتي من الداخل إلى الخارج بالمقدار نفسه، إن لم يكن أكثر، من قدومها من الخارج إلى الداخل". وتنتج المحادثة بين الحواس والذاكرة ما يسميه "هلوسة مسيطرا عليها"، وهي أقرب ما يمكننا الوصول إليه لتسجيل الواقع.
ثالثا: الفهم/ التجربة.
 يبدو الفهم عملية إدراكية؛ إنك تدرس شيئا ما وتكتشف ماهيته. أما التجربة فتبدو حسية، حيث تعيش جسديا حدثا ما. لكن مارك جونسون، وهو الآن أستاذ فخري في قسم الفلسفة بجامعة أوريغون، يشير إلى أنه لا يوجد شيء اسمه فهم بلا جسد. إن استجاباتك العصبية والكيميائية والجسدية تكون في محادثة مستمرة مع بعضها بعضا، ولذلك، فإن كلا من الفهم والتجربة هما نشاط ذهني وجسدي في وقت واحد. وكما يكتب جو غوف، طالب الدكتوراه في الفلسفة بجامعة ساسكس، فإنه عند مواجهة شخص كامل، فإننا لا نفكر بأنه يمكن تقسيمه إلى "عقل" و"جسد".
رابعا: ضبط النفس.
 إننا نتحدث كما لو أن هناك شيئا يسمى ضبط النفس، أو التنظيم الذاتي، أو العزيمة. لكن أستاذ علم النفس في جامعة ستانفورد، راسل بولدراك يقول، أخبرني أنك عندما تعطي الناس ألعابا لقياس ضبط النفس في المختبر، فإن النتائج لا تتنبأ بما إذا كانوا سيكونون قادرين على مقاومة تعاطي الكحول أو المخدرات في العالم الحقيقي. وهذا يشير، كما يقول بولدراك، إلى أن ما نعتقد أنه "ضبط النفس" قد يكون في الحقيقة مجموعة من العمليات المختلفة.
نشرت جوردانا كيبيلويتش، مؤخرا، مقالا ممتازا حول هذا التحدي المفاهيمي الواسع في مجلة "كوانتا". ونقلت فيه عن عالم الأعصاب في جامعة مونتريال، بول سيسيك، قوله: "مصطلحا اتخاذ القرار والانتباه يتوافقان في الواقع مع شيء ما في الدماغ. كما أن البعض يعتقدون أن المفاهيم التي تشكل جوهر فهمنا لطبيعة التفكير بحاجة إلى مراجعة جذرية".
يبدو هذا كله مثيرا. لطالما تساءلت عما إذا كانت مصطلحات، مثل العاطفة أو العقل، ستصبح بالية عفا عليها الزمن خلال 50 عاما. وسيأتي بعض العباقرة في المستقبل بنموذج تكاملي يجسد بشكل أكثر دقة من نحن وكيف نفكر.
بذل علماء الأعصاب الكثير من الجهد في محاولة معرفة أي منطقة من الدماغ تقوم بأب وظيفة. (الخوف موجود في اللوزة المخية!)، واليوم يبحثون أيضا في الطرق التي تعمل بها الشبكات الواسعة عبر الدماغ، والجسم، والبيئة معا لخلق حالات عقلية شاملة. وهناك الآن تركيز أكبر بكثير على الكيفية التي ينشئ بها الناس والجماعات بشكل خلاق حقائقهم الخاصة، والعيش داخل منشآتهم الخاصة.

JoomShaper