ربى الرياحي

عمان- ننكر الواقع ونعيش على افتراضات ننسجها بالوهم من دون أن يكون لأحد قرار فيها، نرسم أحلاما لحياة نعتقد أن فيها سعادتنا ونستسلم لأمل زائف واحتمالات وتوقعات لا أساس لها لعلنا نجد ما نتمناه. ندعي السعادة وننسى أن الواقع لا يخضع لشروطنا، ولهذا نحتمي بالأمل حتى لو كان كاذبا، بحثا عن حياة ترضينا، ليس المهم ما يقوله الآخرون أو ما يفكرون به، ما يهمنا هو أن نبقى على قيد الأمل.

 

مشاعر حزينة تعيشها أسيل (29 عاما)، والسبب أنها سمحت لنفسها بأن تتنكر للواقع وتتمسك بأمل كاذب من أجل أن تكون سعيدة، هي اخترعت حياة أخرى بملامح جديدة لا تشبه أبدا واقعها، وأعطت نفسها الحق بأن تصدق أوهاما اختلقتها لتتجاوز شعورها بالفراغ وتتقبل حقيقة أنها من دون عمل.

 

أسيل، وفي كل مرة تتقدم فيها لوظيفة، تبدأ تتصرف كما لو أنها حصلت عليها تخيلات تبنيها وتعيش عليها، لتصطدم أخيرا بالحقيقة وتكون مضطرة لأن تفهم أن الحياة لا تقدم لها كل ما تريده على طبق من ذهب، وخاصة أنها تصر على ربط سعادتها بالأوهام.

بينما إيمان (27 عاما) تنظر لكل ما يحدث معها بواقعية وترفض أن تتعلق بالوهم، وبأن تضع هي النتائج كما تريدها لا كما هي معطيات الواقع، لكنها أيضا لا تتنازل عن الأمل الذي يجعلها تحلم وتجتهد حتى تصل مبتعدة عن كل أمل زائف لا تجني من ورائه سوى التعاسة والحزن. لذا هي لا تعترف بالافتراضات أبدا وتتعامل مع من حولها بمبدأ الصراحة وليس الإشارات والنظرات وتلك التحليلات القاصرة التي تستنتجها بناء على توقعاتها هي فقط من دون اعتبار لرأي الآخر أو حتى لمشاعره.

بناء الأحلام والآمال غير الواقعية، بحسب الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة، يكون بتوقعات عالية يلجأ إليها الشخص هربا من الواقع سواء كان ذلك في النجاح أو الحب أو حتى الصداقة ويتعامل مع التوقعات والاحتمالات على أنها حقيقة وبالتالي يصدم. لافتا إلى عدم رفع سقف التوقعات وأن تكون قائمة على فرضيات صحيحة وواقعية وليس على التخيل والأوهام.

هذا ويبين مطارنة أن العلاقات الإنسانية يجب أن يكون فيها نوع من التوازن، ويعني ذلك أن نخضع توقعاتنا للتفكير المنطقي وأن تكون بناء على معطيات حقيقية موجودة نستطيع من خلالها أن نقيس النتائج. ودائما في العلاقات الإنسانية يجب أن تكون واقعيا وأن تترك الأمور تتبلور وحدها، فلا تتوقع الكثير واسمح للعلاقة بأن تمر بكل المراحل حتى تصل إلى النقطة التي من المفترض أن تصل إليها من دون أن ترسم أو تبني حياة على كلمة أو نظرة وتبدأ تحللها وتفسرها كما تريد، والانعكاسات هذه مؤذية، فهؤلاء الأشخاص الذين بمجرد كلمة ما يبنون مشروعا أو زواجا، وهذا شيء قد يكون مرضيا.

يقول "هناك أشخاص يقنعون أنفسهم بأمور غير صحيحة وغير واقعية ليشعروا بالراحة، وهذه الانعكاسات السلبية تكلفنا الكثير لأنها أوهام وقامت على ردات فعل غير مدروسة نتيجة لخلل في التفكير وضعف في الصلابة النفسية، إضافة إلى الفراغ الداخلي، لذلك من المفترض أن نبني علاقاتنا بشكلها الطبيعي وبالتدرج والتأني أن تأخذ كل مرحلة وقتها وألا نستبق الأمور ونعيش على الوهم بهدف أن نسعد أنفسنا، فهي سعادة مؤقتة وزائفة ما لم تتحول الأحداث إلى حقيقة.

وتشير مدربة المهارات الحياتية نور العامري إلى أن افتراض أشياء والعيش على أساسها قد يكون نتيجة لمجموعة من الأسباب النفسية والاجتماعية. من بين هذه الأسباب:

- التوقعات الاجتماعية والثقافية: البيئة التي نعيش فيها قد تضع معايير وتوقعات معينة نعتقد أنها مشتركة بين الجميع، فنفترض أن الآخرين يفكرون أو يشعرون بالطريقة نفسها.

- نقص التواصل: قد لا نتواصل بشكل كافٍ مع الآخرين لفهم وجهات نظرهم وآرائهم، فنملأ هذه الفجوات بالافتراضات.

- الخوف من الرفض: نميل أحيانا إلى افتراض أشياء بدلاً من مواجهة الحقائق الصعبة أو الخوف من ردود الفعل السلبية من الآخرين.

- التجارب السابقة: تجاربنا الشخصية قد تؤثر في كيفية تفسيرنا لسلوك الآخرين، مما يجعلنا نفترض أن الجميع يتصرفون بناء على الدوافع نفسها التي نعرفها.

- التحكم والسيطرة: الافتراضات قد تعطينا شعوراً بالسيطرة على المواقف والعلاقات، حتى وإن كانت هذه الافتراضات غير صحيحة.

وتضيف العامري "من المهم دائماً التحقق من صحة افتراضاتنا من خلال التواصل المفتوح والصريح مع الآخرين، للتأكد من فهمنا الصحيح لوجهات نظرهم ومواقفهم. للتعامل مع مشكلة الافتراضات غير الدقيقة والعيش بناء عليها، يمكن اتباع بعض الخطوات لتحسين التواصل والفهم:

- التواصل الفعال:

* اسأل الأسئلة واستمع جيداً للإجابات.

* تجنب الافتراضات واطلب توضيحات إذا لم تكن متأكداً من شيء.

* استخدم "أنا أشعر" بدلاً من "أنت فعلت" لتجنب الدفاعية.

- التحقق من الافتراضات:

* قبل اتخاذ أي قرار بناء على افتراض، تحقق من صحته.

* شارك افتراضاتك مع الشخص المعني واستمع إلى رده.

- التعاطف وفهم الآخرين:

* حاول وضع نفسك مكان الشخص الآخر لفهم وجهة نظره.

* احترم اختلاف الآراء وحاول الوصول إلى نقاط مشتركة.

- التطوير الذاتي:

* تعلم من تجاربك السابقة وحاول تحليل لماذا قمت بافتراضات غير صحيحة.

* اعمل على تحسين مهاراتك في التواصل والفهم.

- المرونة:

* كن مستعداً لتغيير وجهة نظرك بناءً على المعلومات الجديدة.

* تقبل أن بعض الأمور قد تكون غير واضحة تماماً وأن الناس قد يكون لديهم دوافع وأسباب مختلفة لتصرفاتهم.

- التدريب على الذكاء العاطفي:

* اعمل على زيادة وعيك العاطفي وفهم مشاعرك وكيف تؤثر بافتراضاتك.

* طور قدرتك على إدارة مشاعرك وتوجيهها بطرق إيجابية. اتباع هذه الخطوات يمكن أن يساعد في تقليل الافتراضات الخاطئة وتحسين جودة العلاقات والتواصل مع الآخرين. فتكاليف الإنكار والتعلق بالأمل الكاذب يمكن أن تكون كبيرة ومتعددة الجوانب.

وتشمل هذه التكاليف: العاطفية والنفسية: يمكن أن يؤدي الإنكار إلى زيادة الضغط النفسي والقلق والاكتئاب، حيث يستمر الشخص في مواجهة حقائق غير مريحة بدلاً من التعامل معها بواقعية. الاجتماعية: يمكن أن يؤدي الإنكار إلى تدهور العلاقات الاجتماعية والأسرية، حيث قد يرفض الشخص الاستماع إلى الآخرين أو قبول المساعدة. الاقتصادية: يمكن أن يؤدي الإنكار إلى اتخاذ قرارات مالية غير مدروسة أو تأجيل اتخاذ قرارات حاسمة، مما يفاقم المشاكل المالية. الصحية: يمكن أن يؤدي الإنكار إلى تجاهل الأعراض الصحية أو تأخير العلاج، مما يزيد من خطورة المرض أو المشكلة الصحية. العملية أو المهنية: قد يؤدي الإنكار إلى تقليل الإنتاجية أو فقدان فرص عمل أو تدهور الأداء في مكان العمل. بشكل عام، التعامل مع الحقيقة بواقعية وتجنب التعلق بالأمل الكاذب يمكن أن يسهم في تقليل هذه التكاليف وتحقيق نتائج أفضل على المدى الطويل.

JoomShaper