ديمة محبوبة

 العمل في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة اليوم ليس بالأمر السهل أمام أفواج الخريجين من الجامعات والباحثين والباحثات عن العمل، إذ إن نسبة البطالة في الربع الأول من هذا العام تبلغ 21.4 حسب دائرة الإحصاءات العامة.

ويبدو أن الخدمة المجتمعية أصبحت اليوم عاملا فارقا في التوظيف لدى العديد من المؤسسات. حيث يعتبر بعض أصحاب العمل المتقدمين الذين لديهم خبرة في الخدمة المجتمعية مميزين عن غيرهم.

هذا ما حدث مع المحامي تيسير خليل، الذي تطوع في عدد من الجمعيات الخيرية منذ أن كان في المرحلة الثانوية واستمر في ذلك خلال سنواته الجامعية وما بعدها. هذه التجارب أضافت قيمة كبيرة لسيرته الذاتية، مما جعلها مميزة مقارنة بالمتقدمين الآخرين. كما أن أسئلة المقابلة الوظيفية التي خضع لها تناولت تلك الأنشطة المجتمعية وما اكتسبه منها من مهارات وخبرات في سنوات عمره.

اليوم، يشارك أيضا في تنظيم عمل جماعي مع عدد من أفراد شركته في إطار المسؤولية الاجتماعية من خلال تطوير مبادرات مجتمعية ترعاها المؤسسة.

اختصاصي علم الاجتماع، الدكتور حسين الخزاعي، يوضح أن الخدمة المجتمعية ليست مجرد نشاط تطوعي، بل هي التزام تجاه المجتمع يحمل في طياته رغبة صادقة في تحسين حياة الآخرين. وتتنوع طرق المشاركة فيها، سواء بتقديم الدعم للمحتاجين والمشاركة في حملات بيئية، حيث يمكن لأي عمل، مهما كان بسيطا، أن يترك أثرا إيجابيا.

ويتابع، اليوم بعض الشركات المهمة وجدت أن الخدمة المجتمعية ومسؤوليتها اتجاه هذا الأمر هي فرصة لتعزيز مكانتها وبناء علاقة أعمق مع المجتمع، وذلك ليس فقط من تحسين صورتها العامة، بل لتكتسب ولاء العملاء وتزيد من رضا موظفيها وكفاءتهم وتحسن من جودة العمل.

ووفق قوله، فإن العمل المجتمعي يساعد على تطوير المهارات الشخصية كالعمل الجماعي، القيادة، التواصل، وحل المشكلات، وهذه المهارات تعتبر أساسية في بيئة العمل، وأحيانا تكون أكثر أهمية من الدرجات الأكاديمية.

ويبين أن الخبرة العملية كالتطوع يمنح الأفراد خبرة قد تكون مفيدة في وظائفهم المستقبلية، فأصحاب العمل يفضلون المتقدمين الذين لديهم تجربة فعلية في التعامل مع تحديات ومواقف حقيقية. كما أن الذين يتطوعون يظهرون التزاما بالمجتمع واهتماما بالقضايا الاجتماعية، وهذا يظهر أنهم ليسوا مهتمين فقط بأنفسهم، ولكن أيضا بما يهم الآخرين.

ويكمل خزاعي، العمل التطوعي له مجالات متنوعة ويساعد في تطوير القدرة على التفكير خارج الصندوق، مما يمكن أن يؤدي إلى ابتكار حلول جديدة في بيئة العمل، وبعض الشركات تفضل توظيف أشخاص يشاركونها ذات القيم والمبادئ المتعلقة بالمسؤولية الاجتماعية.

كما أن تجربة الأشخاص الذين يشاركون في أنشطة تطوعية متنوعة لديهم تجربة حياتية أوسع وفق خزاعي، وهذا يمكن أن يضيف بعدا مختلفا للشركة، ويساهم في تطوير حلول وإستراتيجيات مبتكرة.

ومن الجانب التربوي تبين المرشدة النفسية والتربوية رائدة الكيلاني، أن الخدمة المجتمعية هي نوع من النشاط التطوعي يقوم به الأفراد أو المجموعات للمساهمة في تحسين المجتمع أو حل مشكلة معينة فيه، ويمكن أن تشمل هذه الأنشطة مساعدة الفئات المحرومة، كالمشاركة في حملات تنظيف البيئة، وتقديم الدعم التعليمي، أو حتى تنظيم فعاليات توعية صحية، والفكرة الأساسية هي أن الخدمة المجتمعية تهدف إلى تحقيق منفعة عامة من دون توقع عائد مادي مباشر.

وفي المقابل تبين أن الدرجات الأكاديمية العالية مهمة، لكنها قد لا تعكس دائما قدرة الفرد على التكيف والعمل في بيئة متنوعة ومتغيرة وتجد من خلال مدرستهم وما تتعامل معه عند توظيف هذه المدرسة للمعلمات والمعلمين أنهم يبحثون عن توازن بين المهارات النظرية والعملية، بالإضافة إلى القيم الشخصية والاجتماعية التي يمكن أن يجلبها للمدرسة.

وتبين الكيلاني، أن مدرستهم وبشكل دوري تهتم بالتطوع مع منظمات غير ربحية مثل: الجمعيات الخيرية، المنظمات البيئية، والمراكز المجتمعية، وتحفز الانضمام إلى حملات توعية أو جمع تبرعات، ويمكن أن يكون ذلك عن طريق الإنترنت أو المشاركة في فعاليات محلية، والمساهمة بالمهارات الشخصية مثل تقديم دروس مجانية، أو الاستشارات المهنية، أو المساعدة في تنظيم أحداث مجتمعية.

ولذلك فمن المهم بالنسبة لهم أن يتشاركوا مع الموظفين من ذات الثقافة والاهتمام وتنفيذ رؤيتهم في العمل والمشاركة المجتمعية.

ومن الناحية النفسية تؤكد الكيلاني، أن العمل التطوعي يشعر الإنسان بالرضا الذاتي ويمنح الشخص إحساسا بأنه يسهم في تحسين حياة الآخرين، والتقليل من التوتر والاكتئاب عند تقديم المساعدة للآخرين وزيادة الشعور بالسعادة، وتطوير المهارات الاجتماعية التفاعلية مع مختلف الأشخاص خلال الخدمة المجتمعية.

وتؤكد بأنها، من خلال عملها في المدرسة وفي بداية كل عام تقوم المدرسة باجتماع مع الأهالي والمعلمين والمعلمات والموظفين لنشر التثقيف والتوعية بأهمية الخدمة المجتمعية والفوائد التي يمكن أن تعود على الأفراد والمجتمع من خلالها، وتقدم برامج تعليمية كدمج الخدمة المجتمعية، وكيف يعود بالنفع على المجتمع للطلاب والطالبات.

إلى ذلك، تنظيم حملات تطوعية على مستوى الشركات، المدارس، أو الأحياء السكنية، مؤكدة أن الخدمة المجتمعية ليست فقط وسيلة لمساعدة الآخرين، بل هي أيضا فرصة لتنمية الذات والمجتمع معا.

JoomShaper