معاذ العباس
إدلب- لم تكن خيمة النزوح في الشمال السوري جدار فصل أمام تميز الطلاب الذين يعيشون النزوح والتشرد، حيث حصد عدد منهم علامة التفوق بالمجموع التام بمعدل 100% بعد صدور نتائج التعليم الثانوي -بفرعيه العلمي والأدبي- وشهادة التعليم الأساسي "التاسع" بالمنطقة.
وحصلت الطالبة فاطمة علي الباب على المرتبة الأولى في الثانوية العامة-الفرع العلمي بمجموع 239 من 240، وهي مهجرة من مدينة حلب وتعيش في ريف إدلب الشمالي.
وتشير فاطمة -في حديث للجزيرة نت- إلى استمرار الجهد والتعب وسهر الليالي طوال العام الدراسي، وأنها كانت حريصة على متابعة الدروس بشكل متتال والتركيز على التدريب المستمر في حل مسائل مواد الرياضيات والفيزياء والكيمياء التي "تُعد البوابة التي ستعبر من خلالها إلى قمة التفوق".
لذة النجاح
وأضافت فاطمة أن لذة النجاح لا تأتي إلا بعد تعب وعمل متواصل، واعتبرت أن سنة البكالوريا هي الفاصلة في حياة الإنسان لأنها -برأيها- تمنحه "ترتيبه" في المجتمع، وأكدت أنها فخورة جدا عندما ترى اسمها واسم عائلتها يتردد في كل مكان "وهذا بفضل من الله".
وتقول "لا يمكن أن أنسى الفرحة التي ملأت أعين والدي وعمت أرجاء منزلنا عندما علموا أنني الأولى في منطقة شمال سوريا، كما لا أنسى كلماته بأن هذا الذي أستحقه ورد والدتي أن هذا ما توقعوه، فحمدا لله كثيرا".
من جانبها، قالت الطالبة سلام الحسين، المتفوقة في الثانوية العامة "الفرع الأدبي" بمجموع 218 من 220، إن الوصول إلى هذه المرتبة لم يكن "عشوائيا" إنما كان هدفا وضعته نصب أعينها.
وأوضحت -للجزيرة نت- أنها استفادت من أخطائها في السنوات السابقة لتسلك طريق التفوق الذي لم يكن سهلا "بل كان محفوفا بالصعاب والعوائق" أهمها الحرب التي تسببت في تهجيرهم ليعيشوا رحلة النزوح والتشرد، والتي سلبت من صدورهم "الراحة والأمان".
وأكدت سلام "أعتقد أنه علينا كسر هذه القاعدة، فإذا كنت في زمن الحرب لا يعني أنني لا أستطيع أن أنجح، فمن رحم المعاناة والكربات تولد النجاحات، ولكي أنتصر لرأيي صبرت واستعنت بالله واستشعرت عونه في كل خطوة وقدمت كل ما أوتيت من طاقة".
ومحت الطالبة من ذهنها كلمة حرب وركزت على كلمة تفوق ووصلت لها، ولا يمكنها أن تنسى لحظات التوتر التي عاشتها والدتها قبل صدور النتيجة "لتهتف بعد لحظات: ابنتي الأولى، وتصمت الكلمات بداخلها وتأخذني في حضنها بحرارة ضاحكة كلها فخر وبهجة" كما تضيف.
انطلاقة جديدة
بدورها، تقول الطالبة فضيلة الخطيب، النازحة من مدينة كفرنبل، إنها فقدت والدها وعمرها لا يتجاوز بضع سنوات لتجد نفسها مهجرة في "مخيم الهدى" قرب الحدود مع تركيا، ولكنها قررت الانطلاق من جديد حتى تجعل من الحلم حقيقة بحصولها على مجموع 280 من 280.
وأضافت أن والدتها ومعلماتها في مدرسة "جنان" كن المحفز الكبير لمسيرتها التعليمية، وأن الضجيج في مخيمات النزوح بسبب تقارب الخيام الشديد كان عائقا كبيرا وشتت تركيزها، ولكن ذلك لم يقف في وجهها حتى وصلت للامتحان، كما تؤكد.
أما والدتها ختام فتشدد على أن سعادتها بابنتها بعد تعبها الكبير أنستها كل ما مرت به من شقاء "فلم أدرك نفسي إلا وأنا أسجد لله شكرا ودموع الفرح لم تتوقف".
من جهتها، ذكرت الطالبة ليال العمر أنها من خيمتها "ستصبح طبيبة" وهو ما حصدته بعد جهد وتعب بتفوقها في شهادة التعليم الثانوي-الفرع العلمي بمساعدة والدتها بعد فقدان والدها بمرض السرطان. وتؤكد أنهم يعيشون في مخيم "ضيق ومزدحم" وأصعب ما مر بها أنها كانت لا تستطيع الدراسة بسبب الأصوات والضجيج فتلجأ للمطبخ وتقضي فيه ساعات طويلة.
ولم تتمالك والدتها عبيدة فضيلة نفسها، والتي تعمل مديرة روضة، وهي تقول إن زوجها أوصاها -وهو على فراش الموت- بمتابعة دراسة أولادهما و"اليوم حققتُ له الحلم، فلا الموت ولا المخيم ولا الحنين لكفرنبل بنوا حاجزا أمامي وأمام ليال لتصبح طبيبة بإذن الله".
بدوره، عاد الطالب رضوان نجم، المتفوق في الشهادة نفسها والذي انقطع عن الدراسة منذ الصف الرابع بسبب رحلة النزوح، بعد سنوات إلى مقاعد الدراسة واستطاع أن يكون بين المتفوقين رغم العيش مع جميع أفراد أسرته في خيمة واحدة.
وصرح -للجزيرة نت- بأنه يسكن في أحد مخيمات "دير حسان" وبأن حبه للعِلم دفعه للعودة للدراسة عندما سنحت الفرصة بعد افتتاح مدرسة قريبة، ولأن إطارها التدريسي كان ناقصا، فقد سجل في "مبادرة مسارات" التي تقدم التعليم عن بُعد "أونلاين".
وأضاف أن وضعهم المادي كان صعبا جدا وأن عيشهم جميعا في خيمة واحدة زاد من صعوبة تركيزه، ولكن "بفضل من الله استطعتُ التفوق وإتمام حفظ القرآن الكريم" كما يؤكد.
هدف كبير
وتوجه رضوان بالشكر لمبادرة "مسارات" التي قال إنها تهتم بشؤون الطلاب وخاصة المنقطعين عن الدراسة، وبلغ عدد المستفيدين منها قرابة 50 ألف طالب في شهادتي التعليم الأساسي والثانوي، بحسب تصريح عمر حاج أحمد مسؤول الشؤون الإدارية بالمبادرة للجزيرة نت.
من ناحيتها، حصلت الطالبة سيرين باكورة على المجموع التام 280 من 280 في شهاد التعليم الأساسي، وقالت -للجزيرة نت- إن الحصول على معدل 100% كان هدفا كبيرا بالنسبة لها.
وكما تقول سيرين فإنها حققت هدفها باتباع خطة منظمة عبر تقسيم المنهاج إلى أجزاء صغيرة وتخصيص وقت كافٍ للدراسة، والأهم -بوصفها- كان الدعم الكبير من عائلتها ومعلميهم في مدرسة "دريم" الذين قدموا لهم النصائح والتوجيهات القيمة. وأضافت أنها كانت حريصة جدا على الاستمرار في حفظ القرآن الكريم إلى جانب الدراسة فأكرمها الله بإتمام حفظه قبل أيام فقط من التقدم للامتحان.
وفي حديث للجزيرة نت، يقول مدير التربية والتعليم أحمد الحسن إن معيار الأسئلة يعتمد على سلّم المواصفات الذي يراعي الشمولية حسب الوحدات الدراسيّة ووزن كل وحدة، مع مراعاة الفروق الفرديّة "فالأسئلة لا تقاس بالصعوبة والسهولة وهذا الحكم يختلف من طالب إلى آخر، فما هو صعب عند طالب قد يكون غير ذلك عند آخر".
قد تقدم 56 ألف طالب وطالبة لامتحانات دورة عام 2024 لشهادتي التعليم الأساسي بفرعيه العام والشرعي، والثانوي بفروعه الأدبية والعلمية والمهنية والشرعية، وفق الحسن.
وحسب المصدر نفسه، تتوزع نسب النجاح كالتالي:
نسبة النجاح في شهادة التعليم الأساسي: 62.32%.
نسبة النجاح في شهادة التعليم الثانوي العلمي: 40.9%.
نسبة النجاح في شهادة التعليم الثانوي الأدبي: 39.6%.
نسبة النجاح في التعليم الثانوي الشرعي العلمي: 58.8%.
نسبة النجاح في الثانوي الشرعي الأدبي: 66.7%.
نسبة النجاح في الثانوي المهني 48.4%.