تغريد السعايدة
عمان- صورة مهشمة عن الذات، علاقات متقلبة، اندفاعات عاطفية، وشعور بالفراغ وغضب غير مبرر يصل إلى حد إيذاء الآخرين، خصوصا حينما يواجه الفرد ضغوطًا حياتية مستمرة، حيث تتطور هذه الصعوبات وصولا إلى ما يسمّى بـ "اضطراب الشخصية الحدية".
تجربة الزواج الفاشلة قد تؤدي للإصابة باضطراب الشخصية الحدية، والذي يُصنف ضمن أحد الأمراض النفسية التي تحتاج إلى رعاية ومساندة وعلاج سلوكي ونفسي في ذات الوقت، حيث يُعد وفق نشرات نفسية، بأنه من الأمراض العقلية التي تنعكس على طريقة شعور المريض اتجاه نفسه والآخرين، ما ينعكس على علاقاته معهم وأداء مهامه الشخصية والمهنية بفعل عواطفه غير المستقرة.
كتبت إحدى الفتيات في مساحة للبوح على مواقع التواصل الاجتماعي، تشتكي طريقة زوجها في الكلام والتعبير عن الرأي والمشاعر كذلك، لا تجد منه "ريق حلو"، على حد تعبيرها، دائم الشكوى والحديث بنبرة صوت حادة تنعكس على كل تفاصيل حياتهم، حتى أنها باتت تختصر الكثير من العلاقات العائلية المحيطة بها، تجنباً لحدوث مشاكل بسبب حدية زوجها في التعامل مع الآخرين، ومع عائلته في ذات الوقت.
انهالت التعليقات في آراء لسيدات ورجال، تحدث كل منهم عن هذه الشخصية سواء ضمن أفراد الأسرة، ومع الزوج، الزوجة، ابن أو ابنة، وحتى من أي فرد في محيط العمل والعلاقات الاجتماعية، الأمر الذي يظهر مدى صعوبة التعامل مع الشخصية الحدية التي وصفها كثيرون وكأنها طاقة منفرة تبعد كل من حولها وتنشر السلبية والتوتر في كل مكان تتواجد به.
إحدى السيدات كانت شكواها بشكل كبير من ابنتها ذات الستة عشر عاماً، التي ما أن تتحدث معها بأمر ما، حتى يرتفع صوتها وتبدأ بالتعامل بأسلوب حاد جداً، مما يعرّض الأم للإحراج في التجمعات العائلية، وما يزيد الأمر صعوبة هو أن ابنتها تتصرف بذات الطريقة سواء مع أقاربها أو صديقات المدرسة، والمعلمات، اللواتي على مدار العام الماضي لم يتوقفن عن إيصال الشكوى للأم من أسلوب ابنتها الحاد.
وتضيف الأمّ أنها حاولت مراراً وتكراراً الحديث مع ابنتها في هذا الأمر، ولكن ما يزيد صعوبة على الأم أن الابنة ترى نفسها هادئة وليست حادة وتبرر طريقتها في الرد بأنها "واضحة وصريحة ولا تستطيع السكوت عن الخطأ الذي تراه من الآخرين"، وهذا ما قد يطور الأمر إلى أن الابنة تزداد حدة في التعامل والنقاش مع كل مرة تتحدث فيها مع الآخرين.
تخشى الأم أن تجد الابنة نفسها وحيدة ولا تستطيع أن تبني علاقات اجتماعية في المستقبل، وتتمنى أن تتغير طباعها الحادة وتتحول إلى إنسانة تتقبل الرأي الآخر، وفي ذات الوقت أكثر ليونة في التعامل وبصوت منخفض ولا يصفها الآخرون بأنها "ذات شخصية حدية".
مستشار أول الطب النفسي الدكتور وليد سرحان، يوضح ما يُعرف بـ "اضطراب الشخصية الحدية الانفعالي"، وهو حالة نفسية تُشكل نوعًا من الاضطرابات وفيها صفات وسمات يمكن من خلالها تشخيص أو وصف الشخص بأنه "حاد"، وذلك من خلال التقلبات المفرطة في المزاج، وعدم الاستقرار في التعبير عن المشاعر، بالإضافة إلى أن هذه التقلبات تكون في انتقال سريع ما بين المشاعر الإيجابية والسلبية بشكل مفاجئ.
كما يمكن وصف "الشخصية الحدية" بأنها تعاني من عدم الاستقرار في الهوية الذاتية، وفق سرحان، ويجد أصحابها صعوبة في تحديد من هم فعلًا وما هي اهتماماتهم وقيمهم، فيكونون متخبطين، ما ينعكس على مشاعرهم وعلاقاتهم العاطفية في ذات الوقت، بحيث يمكن أن تكون علاقاتهم مع الآخرين مليئة بالتقلبات الشديدة والتعاطف المفرط و"العنيف" في ذات الوقت.
بيد أن من يعاني من "الشخصية الحدية"، كما يقول سرحان، لديه دائماً خوف من الهجر والتخلي من قبل الآخرين، مع ظهور سلوكيات ذاتية ضارة، يمكن أن يكون فيها الشخص "خطيرا على نفسه" وعلى الآخرين الذين يعانون من التقلبات الشديدة التي يمكن أن يظهرها الفرد بحيث يكون من الصعب على من حوله فهم سُلوكه والتعامل معه، وهنا قد يضطر الشخص للبحث عن العلاج النفسي أو الدوائي، لضبط التقلبات المزاجية وزيادة ثبات الشخصية.
ولكون أكثر الشكوى في التعامل مع الشخصية الحدية قد يكون من أفراد الأسرة، يتحدث الاستشاري الأسري ومستشار العلاقات الزوجية أحمد عبدالله عما يجب فعله في هذه الحالة، وهو ما يسميه بـ "التصرفات والسلوكات الواعية"، والمقصود بها أن يتم التعامل بين الزوجين وفق معرفة حقيقية وليس من مجرد قراءات في مواقع التواصل الاجتماعي، والوصول إلى فكرة الزوج الحدّي أو الزوجة الحدّية ضمن مسار تشخيصي يقوم به مختصون من ذوي الكفاءة، فالمؤشرات تتشابه نظرا لكثرة أنواع الاضطرابات الشخصية.
وعندما يتوفر هذا الوعي تبنى التصرفات والسلوكات تلقائيا بين الزوجين، وفق عبدالله، لذلك على الطرف الذي يتعامل مع الشخص الحدّي في علاقة الزواج عدم بناء توقعات عالية، بل من الضروري أن تكون التوقعات وفقا للتشخيص.
وهنا لا بد من الإشارة إلى مسألة غاية في الأهمية، يوضحها عبدالله، وهي أن لكل شخص إيجابياته بغض النظر عن سمة شخصيته، فالحياة الزوجية من الضروري أن تركز على هذا الأمر.
وبحسب عبدالله، فإن التعامل مع الشخص الحدي يلزم طاقة تحمّل كبيرة، لذا فإن المطلوب الاهتمام بالذات، وبالصحة النفسية، ووضع الحدود وعدم السماح بالتجاوز والعنف اللفظي والجسمي، فالطبيعة الحدية لا تعني عدم قدرة الشخص على الاستجابة للتعليمات والحدود.
ويبقى الشخص الحدي بحاجة للحوار والحديث وإخراج المشاعر والانفعالات المكبوتة، وهذا مهم ليتعرف من يتعامل معه على بنيته الانفعالية وطريقته في إدارتها.