ربى الرياحي
عمان- عندما تخطئ أو تمر بتجربة لا تليق بك، عد إلى ذاتك الحقيقية، إلى تلك النقطة التي تكون فيها صريحا مع نفسك. لا تستمر في الخطأ؛ بل حاول أن تفهم ذاتك بشكل أعمق، وتحدث إليها واضعاً النقاط على الحروف. ذكر نفسك دائما بإنسانيتك.
التراجع عن الخطأ يعني أنك ترغب في السير على الطريق الصحيح، وأنك تسعى للتحرر من أي خطأ قد يتحول إلى عادة ويصبح جزءا من شخصيتك.
تقر سارة جهاد (31 عاما)، بأن الحياة تأخذنا، أحيانا، بعيدا عن أنفسنا وجوهرنا الحقيقي، فتفرض علينا أمورا لا تشبهنا، قد توقعنا في مصيدة الخطأ. وعندها، نعتقد أنه لا مجال للرجوع، فنجد أنفسنا محاصرين بأخطاء متراكمة، فقط لأننا لم نفكر في العودة إلى ذواتنا ومحاسبتها بصدق. وتقول سارة إن الوقوف أمام حقيقتنا ومعرفة من نكون هما أهم خطوات العودة إلى المسار الصحيح.
لحظة المكاشفة هذه تجعلنا أكثر صدقا مع أنفسنا، ومن ثم مع الآخرين. قيمنا، تربيتنا، أخلاقنا، وكل ما نتمتع به من إنسانية، كفيلة بأن توقظنا وتذكرنا بأن الخطأ يمكن إصلاحه مهما كان حجمه. وتوضح أن التراجع عن الخطأ قد يكون مكلفا، لكنه يبقى أفضل من الاستمرار في طريق قد يؤدي بنا إلى خسائر أكبر لا يمكن تعويضها.
وهذا ما يؤكده أمين (47 عاما)، إذ يقول إن الوقوع في الخطأ ليس نهاية العالم؛ فكلنا قد نخطئ في مرحلة ما وننجرف وراء قناعات الآخرين، مما يوقعنا في مزيد من الأخطاء تحت ذريعة التجربة. وقد نجد أنفسنا حينها نتخلى عن تربيتنا وجوهرنا، ونتجاهل صوتنا الداخلي.
لكن الحقيقة تفرض نفسها، فنشعر بأننا على الطريق الخطأ وربما مع الأشخاص الخطأ أيضاً. ويوضح أمين أن هناك فرقاً كبيراً بين من يخطئ بسبب لحظة ضعف عابرة أو قلة وعي، ومن يخطئ عن قصد ورغبة في التمادي، فلا يترك لنفسه مجالا للتفكير في العودة إلى القيم والأخلاق التي تربى عليها. ويؤكد أن الإسراع في تصويب الخطأ يقلل التكلفة، ويزيد من احترامنا لأنفسنا.
يؤكد الاختصاصي الاجتماعي الأسري مفيد سرحان، أن الالتزام بالقيم والأخلاق ضرورة للإنسان في كل الظروف، فكما أن هذه القيم مهمة للفرد، فهي أساسية أيضا لصحة المجتمع.
وتبدأ التربية على هذه القيم منذ الصغر داخل الأسرة وفي المدرسة، والأهم هو ترجمتها إلى سلوكيات ملموسة في الحياة اليومية، بحسب سرحان، مشيرا إلى أن التعامل مع الآخرين يحتاج إلى الصبر والتحمل، فهو فن لا غنى عنه؛ فالإنسان لا يمكنه العيش بمعزل عن الآخرين، إذ يحتاج إليهم كما يحتاجون إليه؛ نفسيا واجتماعيا.
لذا، يجب علينا في تعاملاتنا أن نحرص على أن نترك أثرا إيجابيا في الآخرين، فذلك جزء من رسالة الإنسان الصالح المنتمي لأسرته ومجتمعه. ويضيف سرحان أن الناس يختلفون في طباعهم وسلوكياتهم، بين الإيجابي والسلبي، لكن الشخص الواعي هو الذي يلتزم بقيمه وأخلاقه في جميع الظروف ومع الجميع، حتى مع من يسيء إليه.
ووفق قوله، الالتزام بالقيم ليس موسميا أو محدودا بمكان معين. والالتزام بالأخلاق هو الذي يعطي الإنسان القيمة الحقيقية أمام نفسه وغيره. وهذا الفهم يجب أن يدركه الجميع، وما يحدث من مشكلات على مستوى الأفراد والشعوب سببه الرئيسي اختلال منظومة القيم، ومنها غياب العدالة. والإنسان خلال مسيرته قد يقع في خطأ أو أخطاء تجعله ينحرف عن قيمه ومبادئه التي يؤمن بها لأسباب متعددة، منها الغفلة أو الطمع المادي أو الانتصار للذات ومناكفة الآخرين أو ضعف الوازع الديني والأخلاقي.
فالإنسان ليس معصوما عن الخطأ. لكن هناك فرق كبير بين أن يقع في الخطأ وهو لا يرغب بذلك، أو بسبب لحظة ضعف آنية، أو غياب الوعي في مسألة معينة، وبين أن يقصد ارتكاب الأخطاء أو الإصرار عليها وتكرارها، وتقبل الوقوع فيها، لتصبح جزءا من حياته.
قد يدفع بعض الأشخاص الذين نتعامل معهم إلى الاستمرار في الخطأ، خصوصاً إذا كانت بوصلتهم الأخلاقية منحرفة عن بوصلتنا، حيث يبررون الخطأ ويجملونه بدل إنكاره. من هنا، ينبغي على الإنسان الحرص في اختيار أصدقائه، ليكونوا ممن يشاركونه في القيم والأخلاق، ويحرصون على تقديم النصيحة وقت الحاجة. فكما يقال: "المرء على دين خليله" و"الصديق مرآة صديقه". وتعد علاقتنا بالآخرين من أهم العوامل التي تساعدنا على ضبط سلوكياتنا وتصحيحها، وفق سرحان.
وإذا وقع الإنسان في الخطأ، وفق سرحان، فإن ضميره سرعان ما يؤنبه، فيعود عن خطئه بفضل وضوح المعايير أمامه. فالإنسان في كل الأحوال يحتاج إلى وقفات لمراجعة الذات وتقويم أعماله وعلاقاته مع الآخرين، بما يعرف بـ"محاسبة النفس". وهو عمل ذاتي يقوم به الإنسان بوعي، حرصاً على ألا ينحرف عن المسار الذي اختاره لنفسه برضا وقناعة، وبما يتماشى مع المبادئ التي يؤمن بها والتي تربى عليها منذ الصغر.
وكما يحرص الإنسان على النظر في تجاربه والتدقيق في حساباته لتجنب الأخطاء، كذلك يفعل صاحب الاختصاص الذي يسعى لتطوير ذاته في مهنته، ويحرص على سمعته أمام الآخرين، حيث يتقبل ملاحظات العملاء والمستفيدين ويعمل على تحسين أدائه بناء عليها.
إلى ذلك، يبين سرحان أنه يجب تصويب أي أخطاء قد تحصل والاعتذار ممن أخطأ بحقهم، لأن المصلحة تتطلب ذلك، عدا عن أن الضمير الحي يتطلب ألا يتسبب الإنسان في أذى الآخرين أو الإساءة إليهم، لأن ذلك فيه إساءة للشخص نفسه قبل الآخرين. وكلما كانت مراجعة الإنسان لنفسه أسرع كانت إمكانية تصويب الأخطاء أكبر وأقل تكلفة وجهدا.
والوقفات اليومية مع الذات تجعل الشخص أكثر شفافية مع نفسه ولديه مقدرة أكبر على رفض أي سلوكيات تتعارض مع قيمه ومبادئه؛ لأن الاستمرار في الانحراف عن القيم قد يبعد الإنسان كثيرا عن مبادئه، مما يجعل العودة إليها أكثر صعوبة وتحتاج إلى عزيمة وإرادة قوية.
وبحسب سرحان، فإن وضوح المعايير التي تحكم سلوكياتنا وأن تكون مرجعيتها ثابتة وتحقق مصالحنا ومصالح الآخرين، يسهل علينا مراقبة ما نقوم به وما إذا كنا على الطريق الصواب أم أننا في الطريق الخطأ.
ويبين الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة، أن على كل إنسان أن يعيد حساباته نهاية كل يوم ويفكر بكل ما مر به من أحداث ومواقف، وأن يقف عند سلوكياته فيبقي على الجيد منها ويتخلص من السيئ ولا يعاود تكراره بل يتعلم منه.
ويلفت إلى أن النضوج والوعي الذاتي هما من يعيدان الإنسان إلى أصله، بالإضافة إلى تربيته وحقيقته وما لديه من إنسانية عودته إلى ذاته تساعده على تحديد الأخطاء وتقييمها والتراجع عنها قبل فوات الأوان، كما تحميه من خسارات كبيرة قد يضطر لدفعها من أجل أن يحمي نفسه.
ووفق مطارنة، فإن وجود الإنسان في بيئة لا تشبه أفكاره ومبادئه وما تربى عليه أحيانا هو سبب كاف لانجراره وراء الخطأ والتورط في أمور لا تليق به ولا ترضيه، لكن ثقته بأشخاص نتيجة حبه لهم واعتقاده بأنهم يتمنون له الخير قد تشل تفكيره تماما وتحوله إلى تابع يتصرف من دون وعي لتأثره الشديد بقناعاتهم وآرائهم وحتى يكسب ودهم فلا يتخلون عنه.
وهنا يعتاد الخطأ، بل ويدمنه ويعتقد أنه لا مجال للتراجع لأن الوقت فات والأخطاء كثرت ولم يعد أمامه خيار سوى الاستمرار حتى لو كان لا يريد ذلك، وبذلك يتحول الخطأ إلى عادة يومية أو جزء من شخصيته يخشى التحرر منه.
لكن العودة إلى الذات، بحسب مطارنة، تصلح كل شيء وتضع الإنسان أمام حقيقته وتتيح له رؤية الأمور بوضوح ووفق مسارها الصحيح، فيصل إلى نقطة مهمة، وهي أن كل الأخطاء قابلة للتصويب إذا أردنا ذلك.