ديمة محبوبة
عمان- رفض الاعتراف بالخطأ، وأحيانا المبالغة في الردود والدفاع عن وجهة النظر أو التصرف الخاطئ، وصولا إلى استخدام عبارات، مثل "أنا هيك، ولن أتغير"، من الأساليب الشائعة لإنهاء النقاش أو تجنب المواجهة. هذا السلوك وما يرافقه من حدة في التعامل يمثل تحديا يواجهه كثير من الناس في حياتهم الشخصية والمهنية.
التعنت في مواجهة الأخطاء والتمسك بالمواقف الخاطئة، حتى مع وضوح الأدلة، سمة ملازمة للبعض ممن يرفضون مراجعة أنفسهم. ويرى خبراء علم النفس أن هذا التصرف ليس مقصورا على ثقافة أو شخصية معينة، بل هو ظاهرة إنسانية تنبع من مزيج من العوامل النفسية والاجتماعية.
يمكن أن يكون التعنت ناتجا عن الغرور أو الكبرياء، أو الخوف من الظهور في موقف ضعيف، مما يدفع البعض إلى إنكار أخطائهم بدلا من مواجهتها.
يكاد لا يخلو مجتمع من أمثلة عن أشخاص يتعنتون في آرائهم أو تصرفاتهم الخاطئة. سواء في بيئة العمل وبين الموظفين أو حتى في العلاقات الزوجية، فيظهر التعنت عندما يرفض أحد الطرفين الاعتراف بخطأ تسبب في إيذاء الآخر. أو حتى في مجال العمل العام واتخاذ قرارات من أصحاب القرار والمسؤولين، وتكون خاطئة وفيها ضرر كبير، ويتمسك هؤلاء بالتبرير بدلا من تصحيح المسار، مما يؤدي إلى خسائر كبيرة.
يرى اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي، أن التعنت بالخطأ يعكس ضعف القيم الاجتماعية المتعلقة بالتصالح مع الذات، ويضيف أن ثقافة الاعتذار غير موجودة عند الكثيرين في المجتمع، مما يسهم في تعزيز هذا السلوك، ومنهم من يجد نفسه شخصا ضعيفا، إن أقر بخطئه، أو شخصا غير قادر على التحكم بأفعاله، ما يجعل بعضهم يتمادى بالخطأ.
أما أثر ذلك اجتماعيا فهو البعد أو اللوم الكبير على هذا التصرف، ويمكن أن يصل، حسب خزاعي، إلى القطيعة؛ إذ إن الاعتراف بالخطأ، أحيانا، ينهي أكبر المشكلات العالقة بين الأفراد، أما من يخطئ ويتعنت لرأيه فيترك مساحات كبيرة بين الأفراد، وأحيانا تصل حد التجاهل.
توضح التربوية والمرشدة النفسية رائدة الكيلاني، أن التعنت في الاعتراف بالخطأ يعكس رغبة الفرد في الدفاع عن نفسه وحماية صورته الذاتية. لكنها تؤكد أن هذا التفسير لا يعني تبرير هذا السلوك، بل يهدف إلى تسليط الضوء على ما يشعر به الأفراد الذين يتصرفون بهذه الطريقة.
تحذر الكيلاني من أن الإنكار المستمر للأخطاء يستهلك طاقة الفرد ويؤدي إلى تفاقم مشاكله النفسية على المدى الطويل. وترى أن هذا السلوك قد يكون نتيجة تراكمات تربوية خاطئة، إذ من المهم تعليم الأفراد منذ الصغر أن ارتكاب الأخطاء جزء طبيعي من الحياة، وأن الاعتذار لا يقلل من قيمة الفرد، بل يعزز العلاقات ويقويها.
وتشير الكيلاني إلى أن القدوة تلعب دورا محوريا في تصحيح هذا السلوك، سواء في الأسرة أو المجتمع. عندما يعترف المربون والقادة بأخطائهم، فإنهم يقدمون نموذجا إيجابيا يمكن للأفراد التعلم منه. وتؤكد أن الاعتراف بالخطأ هو مهارة يمكن اكتسابها من خلال الحوار الصحي الذي يساعد على فهم أسباب الخطأ والوصول إلى حلول مشتركة، بدلاً من التمسك بالمواقف الخاطئة.
ويشير خزاعي إلى أن التعنت عن الاعتراف بالخطأ ليس مشكلة فردية، بل له أبعاد تؤثر على المجتمع ككل، ويكمن الحل في بناء ثقافة تسامحية تشجع على مواجهة الأخطاء بجرأة ومسؤولية، مما يساعد على تعزيز الثقة بين الأفراد وتحقيق توازن نفسي واجتماعي.
وعليه، فإن من يعتقد أو يشعر بالخوف من الإحراج أو فقدان المكانة، يعد مخطئا، لأن المعترف بخطئه يرفع من قيمته ويكون قدوة لغيره، وينشر الإيجابية والعدالة في مجتمعه.
وتتفق بذلك الكيلاني مع خزاعي، وتشرح أن الإصرار على الخطأ له تداعيات سلبية على العلاقات الشخصية، فتقول "التعنت يولد شعورا بالإحباط والاستياء لدى الطرف الآخر، ففي العلاقة بين الأصدقاء، إذا رفض أحدهم الاعتراف بأنه أخطأ في حق الآخر، قد يؤدي ذلك إلى انتهاء الصداقة بسبب غياب الاحترام المتبادل".
وتشير إلى أن التعنت يؤدي إلى ضغط نفسي كبير؛ إذ يبقى الشخص في صراع داخلي بين الحقيقة وإنكاره لها ويبتعد الناس تدريجيا عن الشخص المتعنت، عدا عن لوم الذات بأن يكون صحيحا أو مخطئا وكيف عليه أن يعود إلى تلميع ذاته مع من أخطئ بحقه.
وفي النهاية، تبين الكيلاني أنه يتوجب التعامل وإنشاء أسر فيها مرونة في السلوك، وأن الخطا أمر طبيعي وأن الاعتذار أو الاعتراف بالخطأ لا ينقص من قيمة الفرد، وإنما يعلي من قيمته ومحبته عنذ الأفراد ومن حوله.