ديمة محبوبة
عمان- قد يعتبر البعض عبارات مثل "ابحث عن السعادة والفرح وكن راضيا" مجرد كلمات فضفاضة وليست ذات أهمية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة. نعم، قد يكون تحقيق ذلك أمرا صعبا، ولكن يبقى البحث عن منفذ للأمل والسعادة خيارا ضروريا ينبغي اللجوء إليه، مهما كانت التحديات.
يزداد العالم تعقيدا يوما بعد يوم، حيث تتصدر التحديات، مما يضع الكثيرين في حالة من القلق والتوتر. ومع ذلك، تبقى الحياة مليئة بمحطات يمكن اغتنامها بعيدا عن السلبية والتشاؤم لتعيش العائلات لحظات فرح ورضا، على الرغم من الصعوبات.
تقول رولا سامح: "إن اللحظات الجميلة يمكن اقتناصها وسط كل الهموم. وأحيانا تكون مقاومة الإحباطات بابتسامة والبحث عن ضوء بسيط وسط النفق المعتم".
توضح رولا، وهي أم لطفلين، أن الرفاهية التي يطمح إليها الكثيرون قد لا تكون متاحة للجميع، لكن الحياة تزخر بلحظات صغيرة يمكن أن تكون مصدرا للسعادة.
توضح المرشدة النفسية والتربوية رائدة الكيلاني أن الاستمتاع بالحياة لا يتطلب إنفاق أموال طائلة، فالسعادة غالبا ما تكمن في أبسط الأمور. والأهم هو تقدير اللحظات التي يعيشها الإنسان، سواء كانت بتكلفة مالية أو بدونها.
وتنصح العائلات التي ترجع تعاستها أو رتابة حياتها إلى الظروف المالية والاقتصادية الصعبة بأن هنالك محطات صغيرة لكنها قادرة على إحداث السعادة وان كانت مؤقتة.
وتوضح أن السعادة تكمن في تفاصيل صغيرة، مثل قضاء وقت مع العائلة أو الخروج في نزهات مع الأحباء، حيث تملأ الضحكات المكان. إنها لحظات قد نستطيع أن نضع فيها همومنا جانبا، ومشاركة الفرح مع من حولنا. ففي تلك اللحظات، قد نجد مخرجا من ضغوط الحياة ونشعر بالسلام الداخلي لإكمال الحياة بكل ما فيها.
يؤكد اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي، أن من يبحث عن الحياة سيجدها في أدق التفاصيل وأبسطها. ويوضح أن الكثير من الأثرياء لا يجدون السعادة، وأن أمنيتهم قد تكون مجرد الاجتماع مع عائلاتهم حول مائدة طعام واحدة والتمتع بحياة اجتماعية حقيقية.
ويشير إلى أن البعض لا يعيشون حياتهم كما ينبغي، بل ينشغلون بمقارنة أنفسهم بالآخرين وملاحقة ما يمتلكه الآخرون، مما يجعلهم يغفلون عن تقدير النعم التي تحيط بهم.
ويلفت خزاعي، إلى أن الأوقات الصعبة قد تمنح الأفراد فرصة لإعادة اكتشاف أنفسهم واستغلال وقتهم بطرق إيجابية. فمنهم من يلجأ إلى ممارسة هواية يحبها أو تعلم مهارة جديدة تضيف قيمة لحياته.
كما يؤكد أن أنشطة مثل الطهي، الرسم، أو الكتابة يمكن أن تكون وسائل فعالة للتعبير عن الذات والاستمتاع بالوقت، مما يساعد على تحسين الحالة النفسية.
من جانبه يوضح اختصاصي علم النفس الدكتور موسى مطارنة، أن بعض الأفراد ينغمسون في التفكير السلبي، متناسين أنهم قادرون على تغيير حياتهم بمجرد تغيير نظرتهم لها.
ويضيف أن التركيز على ما يمتلكه الفرد بدلا من الانشغال بما يفتقده يمكن أن يمنحه شعورا بالسعادة. كما يشير إلى أن ممارسة الامتنان يوميا تعزز الإيجابية وتساعد في تقليل الضغوط النفسية.
ويؤكد مطارنة أن في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة، أصبحت إدارة الموارد مسألة ضرورية. فالتوفير، وإعادة استخدام الأشياء بدلا من التخلص منها، وصنع أشياء جديدة من مواد قديمة ليست مجرد إستراتيجيات لتوفير المال، بل تمنح أيضا شعورا بالإنجاز وتعزز روح الإبداع.
يشدد على أن الرضا والقناعة هما سر السعادة الحقيقية. ويوضح أن هناك من يملكون الملايين ولكنهم لا يشعرون بالسعادة لغياب الرضا، بينما هناك من يمتلكون القليل، لكن رضاهم يجعل سعادتهم أكبر بكثير. ويرى أن الرضا ينبع من الروحانية والتأمل، أو حتى قضاء لحظات هادئة للتفكير. مثل هذه الممارسات تساعد على تهدئة العقل، تقوية العزيمة، وتعزيز الإيمان بأن الصعوبات مؤقتة وأن الفرج قريب، مما يمنح الأفراد مصدرا للأمل.
وينصح بالمشاركة في الأنشطة المجتمعية، مثل التطوع أو تقديم المساعدة للآخرين، مشيرا إلى أن الإحساس بالمساهمة في تحسين حياة الآخرين يمنح الفرد شعورا بالرضا والهدف.
كما يدعو إلى إحياء الأمسيات المنزلية الممتعة مع الأصدقاء، كتجربة طهي وصفات جديدة باستخدام مكونات بسيطة، واستكشاف أماكن جديدة داخل المدينة لم تكتشف من قبل. ويؤكد أن السعادة ليست حكرا على الظروف المثالية أو الرفاهية المادية، بل هي قرار وطريقة تفكير.
ويختتم مطارنة بالقول إن الحياة مليئة بالتحديات، لكن السعادة يمكن إيجادها حتى في أحلك الظروف. الأمر يتطلب بعض الصبر، والكثير من الامتنان، مضيفا: "الحياة ليست دائما سهلة، لكنها تستحق أن تعاش بكل تفاصيلها".