رشا كناكرية

عمان- يواجه الإنسان في حياته العديد من الشخصيات، لكن هناك من تترك تصرفاتهم "الاستفزازية" أثرا سلبيا عميقا في النفس، إذ لا تسبب سوى الشعور بالضيق والانزعاج، وغالبا ما يجد الفرد نفسه غير قادر عن التعامل مع هذه التصرفات المقصودة.

 في كثير من الأحيان، تؤدي هذه السلوكيات الاستفزازية إلى ردود فعل غير متوقعة من الشخص المتضرر، فيقدم على تصرفات لا تشبه طبيعته أو شخصيته، بسبب فقدانه السيطرة أمام استفزاز الآخر.

 

في حياتنا اليومية، نقابل شخصيات يصعب التعامل معها، لكن الشخصية الاستفزازية تعد من الأصعب، لما تحمله من طاقة سلبية مؤثرة. يبقى السؤال هنا: هل يلجأ البعض إلى التصرفات الاستفزازية لمجرد لفت الانتباه؟ أم أن هناك اضطرابا نفسيا يقف وراء هذا السلوك؟

تعترف لميس (29 عاما) أنها تقف عاجزة أمام تصرفات زميلتها الاستفزازية في بيئة العمل، إذ تبحث عن أي تصرف قد يستفز الذي أمامها وتقدم عليه فقط لإزعاجه ومضايقته.

وتبين لميس أنها تحاول أن تتجنّب زميلتها؛ لأنها عندما تتعامل معها تجد نفسها غاضبة، وتخرج منها كلمات وتصرفات لا تقصدها وتفقدها توازنها، إذ إن تصرفاتها الاستفزازية تخرجها عن طورها.

تشير إلى أنها في بداية معرفتها بها، كانت تجد صعوبة في فهم شخصيتها وتصرفاتها، ولم تكن تعلم كيفية التعامل معها بسبب طبيعتها الصعبة، لذلك، لجأت إلى تجنبها تماما كحل مؤقت.

ومع مرور الوقت، وجدت نفسها مضطرة للتعامل معها بشكل متكرر، لكنها لاحظت أنها في كل مرة تصبح ضحية لطريقة حديثها وسلوكها السلبي. لهذا، رأت أن العودة إلى خيار التجنب كان القرار الأنسب لاستعادة راحتها النفسية.

يوسف (36 عاما) كان يجد متعة غريبة في استفزاز الآخرين وإثارة أعصابهم، ليجبرهم على القيام بتصرفات سلبية. ويعترف بأنه كان يدرك أن تصرفاته غير طبيعية، لكنها كانت تمنحه شعورا بالسعادة والراحة.

ويضيف يوسف أنه استمتع بإثارة غضب الآخرين، لكنه لاحظ لاحقا أن هذا السلوك أثر بشكل كبير على علاقاته الاجتماعية، وأبعد عنه أشخاصا مقربين دون أن يدرك ذلك في البداية. هذا الأمر دفعه لإعادة التفكير في تصرفاته، والبحث عن حلول لتغيير هذه السلوكيات والأفعال.

توجه يوسف إلى مختص نفسي لمساعدته في فهم نفسه وتصرفاته، حيث تلقى إرشادات ساعدته على تصحيح سلوكه وبناء علاقات صحية مع الآخرين. ويقول يوسف إن المحيطين به لاحظوا التغير الذي طرأ عليه، رغم أنه لم يكن سهلا، لكنه استحق الجهد من أجل تحسين علاقاته الاجتماعية.

وكشفت دراسة حديثة أجراها علماء في جامعة ميشيغان الأميركية عن ظاهرة غريبة وهي أن استفزاز الآخرين وإثارة غضبهم قد يمنح بعض الأشخاص شعورا بالسعادة والرضا.

ووفقا للدراسة، فإن هذا السلوك قد ينبع من ارتفاع مستويات هرمون التستوستيرون لدى بعض الأشخاص، مما قد يؤدي إلى شعورهم بالقوة والسيطرة عند إثارة ردود فعل غاضبة من الآخرين.

بالإضافة إلى ذلك، أشارت الدراسة إلى أن بعض الأشخاص الذين يلجأون إلى استفزاز الآخرين قد يعانون من مشاكل نفسية أو اضطرابات شخصية، أو يكونون قد تعرضوا لتجارب سلبية في مرحلة الطفولة.

وأوضح علماء أن هذا السلوك قد يكون له عواقب وخيمة على العلاقات الاجتماعية، حيث قد يؤدي إلى فقدان الثقة وتوتر العلاقات وزيادة الصراعات، ونصحوا الأشخاص الذين يعانون من هذا السلوك بضرورة طلب المساعدة المهنية من أجل فهم دوافعه ومعالجته بشكل سليم.

من الجانب النفسي، يوضح الاختصاصي باسل الحمد أن هناك سلوكيات قد تعتبر "استفزازية" عندما تصدر من بعض الأشخاص، بينما قد لا تسبب لنا أي إزعاج إذا صدرت من آخرين.

ويشير إلى أهمية التمييز بين أنواع هذه التصرفات، متسائلا: هل نعني بالسلوكيات الاستفزازية تلك التصرفات التي لا تقبل اجتماعيا ولا تتماشى مع الأعراف السائدة؟ أم نعني بها السلوكيات العدوانية، سواء كانت لفظية أو فعلية، والتي يكون هدفها إثارة غضب الآخرين عن قصد؟

يفسر الحمد أنه إذا كانت هذه السلوكيات سلبية وغير مقبولة وفق رأي الجميع، فإن القيام بها غالبا ما يكون له قصد واضح، مثل إزعاج الآخرين أو شخص محدد بعينه. وقد يكون الدافع وراء ذلك إما الرغبة في الانتقام أو شعور الفرد بأنه يمتلك الحق في القيام بهذا السلوك لفرض سيطرته وإظهار قوته من خلال تحدي الآخرين وعدم قدرتهم على إيقافه.

ويشير الحمد إلى أن التصرفات الاستفزازية، إذا كانت متعمدة وتتسبب بمشكلات للطرف الآخر، قد تكون مؤشرا على وجود اضطراب نفسي، أو اضطراب الشخصية المضادة للمجتمع، حيث يتميز الأفراد الذين يعانون منه بمخالفة القوانين وتعمد الإخلال بالنظام، كما قد تعكس هذه السلوكيات اضطرابات نفسية أخرى.

يعتقد الحمد أن الشخص قد يفقد أعصابه عند التعامل مع شخص مستفز لعدة أسباب، منها ضعف قدرته على رسم حدود واضحة في العلاقة، أو لأن العلاقة مع هذا الشخص تحمل أهمية خاصة، مما يجعله غير قادر على وضع حد لها أو إنهائها بسهولة.

ووفق الحمد فإن الحفاظ على التوازن النفسي يتطلب أولا تحديدا لحدود العلاقات مع الآخرين بوضوح، ومعرفة ما هو مقبول وغير مقبول في هذه العلاقات. وعند تجاوز هذه الحدود، ينبغي اللجوء إلى التواصل الحازم، من خلال إيصال رسالة واضحة بأن السلوك المستفز غير مقبول ولن يتم التسامح معه.

يشدد الحمد على أنه إذا تكررت هذه الأفعال المستفزة، فعلى الفرد اتخاذ إجراءات حازمة ووضع حدود واضحة للعلاقة، وذلك لتجنب تحولها إلى علاقة غير صحية وغير مجدية.

 وفي الحالات الصعبة، قد يكون قطع العلاقة هو الخيار الأفضل إذا استمر الطرف الآخر في أفعاله، بغض النظر عن النتائج من وراء هذا الامر.

ويؤكد أن انتظار تغير الشخص المستفز أو تحسين سلوكه بناء على توقعات غير واقعية قد يزيد من تفاقم المشكلة، بل وقد يشجعه على الاستمرار في تصرفاته المستفزة، بالتالي تزداد الأمور سوءا.

JoomShaper