نورا جنات
على عجالة نزلت من سيارة (معزبتها) في الشارع العام غير آبهة بـ (هرنات) السيارات المتوقفة خلفها انتظارا للضوء الأخضر لاشارة المرور والذي كان قد أذن بالمسير في تلك اللحظة.
(المعزبة) ذات نفسها والتي كانت تقود السيارة لم تبال هي الأخرى باحتجاج السيارات خلفها وهي تطالبها بالسير، بل فتحت وبكل برود نافذة سيارتها لتصرخ بخادمتها الآسيوية مبدية توجيهاتها.
كان من الواضح ان تلك الخادمة الآسيوية تحمل بيدها رزمة من الأوراق، اختلست الخادمة نظرة سريعة متفحصة لما حولها قبل ان تمد خطواتها بسرعة باتجاه الهدف الذي اشارت له معزبتها وهو اللافتة المرورية المنتصبة على الرصيف، توقفت لتضع مابيديها من اوراق على الارض لتتفرغ لاداء مهمتها، كانت عيناها لا تزالان تتوجسان الخطر من كل اتجاه، انحنت لتلتقط ورقة، وبخفة المعتاد على اداء مهامه لصقتها بعناية على اللوحة قبل ان تضغط على الملصق بكلتا كفيها لتضمن انها ثبتته جيدا، وثم التفتت ناحية معزبتها لتقرأ ابتسامة الرضا على شفاهها الا ان المهمة لم تنته بعد، فهاهي ذي المعزبة تشير لها لتتجه الى (الشبه) – عمود الانارة- بالجانب الآخر من الشارع مطالبة اياها بالعبور ولصق (استيكرز) آخر هناك في حين ستلاقيها هي بسيارتها في الناحية الأخرى من الشارع، وبعصبية شديدة وضيق من (هرنات) السيارات الغاضبة خلفها، ضغطت على دواسة البنزين بقوة لتعبر الطريق فيما كان اللون الأخضر لإشارة المرور قد تلاشى فعليا ليحل معه اللون البرتقالي ويجبر قائدي السيارات على التوقف وهم يشتمون هذه المرأة التي تسببت في تعطيل السير بدم بارد.
لم يكن الضيق وحده سيد الموقف، بل كان للصدمة حضورها لأكثر من سبب، السبب الأول كان عندما انتاب الفضول قائدي السيارات لمعرفة الملصق الذي عطل السير وأهميته والذي لصقته الخادمة على لوحة (اليوتيرن المرورية)، لم يكن الملصق في واقع الأمر اكثر من اعلان (خطابة) تبحث عن زبائن لتوفيق راسين بالحلال!! وقد كتبت رقم موبايلها بالخط العريض مصحوبا بعبارة: (للكويتيين الجادين فقط بدو وحضر ونمتنع عن زواج المتعة والمسيار)، اما السبب الآخر الذي ضاعف من حجم الصدمة هو وجود دورية متوقفة بالناحية الأخرى من الشارع الا ان من فيها لم يتحرك لأداء واجبة بمخالفة قائدة السيارة او حتى منع الخادمة من تشويه مال عام يتمثل بلوحة مرورية تابعة لوزارته.
انصرفت (أم احمد الخطابة) ولربما لتنهي الجولة مع خادمتها وتلصق المزيد من الاعلانات على كل ما تظن انه وسيلة اعلان مجانية ومناسبة لخدماتها الجليلة، لم تبال بما سببته من تلوث بصري وتشويه للمال العام، مثلما لم يبال ايضا مدرس اللغة العربية (فؤاد) الذي احتلت اعلاناته التي تروج لخبرته الطويلة بمناهج الثانوي الحكومية عدداً لابأس به من اعمدة الانارة ولوحات الدولة الارشادية.
حالة اللامبالاة هذه امتدت -على مايبدو- لتشمل كل المستويات العلمية للناس، فالأمر لاعلاقة له بالثقافة والوعي والشعور بالمسؤولية ازاء مجتمع يختنق بتلوث بيئي وبصري لأن (الرزق يحب الخفية) والبحث عن زبائن فوق كل الاعتبارات، لذا لم نستغرب ان نجد اعلانا آخر لطبيبة تقدم خدمات الحجامة للنساء فقط، وهي في سبيلها للبحث عن زبونة لم تجد افضل من (صناديق البريد) تارة وسلال (الزبالة) أكرمكم الله- تارة أخرى للصق اعلاناتها عليها! لوحة سريالية بعيدة عن الجمال تتكرر رؤيتنا لها في كل شوارع الكويت، ليست الشوارع فقط وانما حتى جدران بيوتنا واسواقنا باتت لوحة مجانية يمارس عليها الباحثون عن زبون فوضويتهم الاعلانية دون رادع.
(من أمن العقوبة أساء الأدب) هكذا يقال، وهكذا يجاهر كثيرون بتخريبهم للمنشآت العامة عبر لصق الاعلانات التي يصعب ازالتها دون تشويه، يضعون ارقام هواتفهم بكل صفاقة معنونة بالأسماء والخدمات وعلى الرغم من ذلك لا تملك (اجهزة البلدية) المكلفة بتطبيق لائحة الاعلانات بالدولة ايقاف اصحابها ومخالفتهم كما يحدث في دول أخرى تحترم بيئتها وتفرض فيها مخالفات رادعة على من يلصق تلك الاعلانات العشوائية، ليس ذلك فحسب بل بالاضافة للمخالفة يجبر المخالف على اعادة طلاء المكان الذي تشوه بفعل الغراء اللاصق للملصق الاعلاني بعد ازالته.
كابوس مزعج يزداد صخبا يوما بعد يوم، وجريمة بحق بيئة الكويت العمرانية ترتكب بدم بارد ودون رادع بشكل لا يليق بما نحن مقبلون عليه من رؤيا مستقبلية وخطط للتنمية، والمأساة ان تشارك الدولة بأركان هذه الجريمة بتهاونها بتطبيق القانون.
وفيما نلمس النشاط الملحوظ للمفتشين خلال فترات الانتخابات لضبط لوحات المرشحين غير المرخصة – برغم ذرابتها وشكلها الأنيق – وكذلك خلال فترات الاعياد لازالة اللوحات التجارية غير المرخصة للمسرحيات والحفلات، لا ندرك حتى اللحظة اسباب غض النظر وعدم الالتفات نحو الاعلانات – الدنيا الخاصة بفئة الناس العادية وليس التجار – على الرغم من انها المتهم الأول بالتشوه البصري وتخريب المنشآت الخاصة والعامة، وهل ذلك من باب التعاطف مع اصحابها وتركهم (يسترزقون) على حساب بيئة الدولة وفلسفة الجمال التي اختل ميزانها لدى المواطنين بشكل عام بعد ان اعتادت اعينهم على رؤية هذه الفوضى الاعلانية؟
جريدة الوطن