ان الحديث عن مجلة " جسد " التي أصدرتها الشاعرة " جومانا حداد" أمر ليس بالسهل، ومن المؤكد بأنه لن يعجب كثيرمن المثقفين الذين يجدون في هذه المجلة بشرى خير للخلاص من المحرمات- التابوهات- التي تسيطر على افراد مجتمعنا وتحجزهم في سجن العادات والتقاليد والأديان.
لذلك فكلامي لن يكون موجها لمدعي الثقافة، الذين بنوا شهرتهم على بعض الكتب والمقالات الجنسية الفاحشة, اي "الجريئة"على ما يدّعون, ولا الى اولئك الكتاب والشعراء والصحفيين الذين يتباهون بخروجهم عن كل دين وخلق وقيم حضارية منعت مجتمعاتنا من التفكك و الانهيار حتى اليوم ...
ان كلامي موجه إلى فريقين:
الفريق الأول : الانسان العادي الذي يخشى على نفسه وعائلته وأبنائه من أمثال تلك المجلة : اي الزوجة والأم التي تخشى على زوجها وأبنائها من الانزلاق وراء الأفكار التي تدعو إليها هذه المجلة, وكذلك الزوج والأب الذي يفني عمره من اجل حماية عائلته وتربية أبنائه على الأخلاق والقيم الانسانية ... إلى هؤلاء أوجه كلامي لأحذرهم من مجلة " جسد" التي صدر عددها الأول بمواضيع مقززة للبدن، لا يستطيع الإنسان العاقل السوي أن يقرأها من دون أن يشعر بحاجة إلى التقيوء ... ومن دون أن يشعر بالغضب لما ورد في طياتها من كلام خطير لما فيه من انعكسات على الفكر والوجدان وبالتالي التصرفات ... هذا بالاضافة الى الصور الإباحية التي لا تميز هذه المجلة عن اية مجلة إباحية ساقطة.
السؤال الذي حيرني بعد أن تصفحت هذه المجلة هو المغزى الذي تسعى إليه صاحبة المجلة ومن وراءها لإصدارها. إذ إن لكل وسيلة اعلامية هدف تسعى إليه. وهذه الأهداف لا ينبغي ان تخرج عن خدمة المجتمع والارتقاء بابنائه والنهوض بهم، فأين هذه الأهداف مما قرأناه في مجلة جسد التي يتحدث كتابها ، التي تفخر بهم صاحبتها، عن العلاقات الجنسية بمختلف اشكالها و بكل تفاصيلها. كما يتحدثون عن الإثارة بواسطة اعضاء الجسد والثياب الداخلية, ويتحدثون عن أكل لحوم البشر بطريقة مغرية و جذابة, ويذكرون الكتب التي يمكن الرجوع اليها للمزيد من التفاصيل. إن هذا لا يمكن بحال من الأحوال ان يحمل في طياته هدفا نبيلا . وليس في كل ذلك تشجيعاً للثقافة, أو دفاعاً عن حرية الآخرين في الكتابة والتعبير، أو حماية لحق الإنسان في أن يختار حياته الجنسية. إن الهدف لا يتعدى بنظري أمرين: الأول تجاري خالص، و هو الذي تسعى إليه صاحبة المجلة بعد أن ضحت بمستقبل أبنائها التعليمي من أجل إصدار المجلة . والثاني إفسادي يهدف إلى هدم أسرنا وشبابنا تنفيذاً للمخططات الغربية التي تمول هكذا نشاطات شاذة ...
إن الحرية لا يمكن أن تكون بشكل من الأشكال حرية لا مسؤولة، فالمسؤولية جزء لا يتجزأ من الحرية، لذلك فصاحبة المجلة مسؤولة عن كل من يتعرف من خلال هذه المجلة على أشكال جديدة من الشذوذ لم تكن معروفة لديه، فيقوم بها اعتقادا منه بإباحتها واعتبارها من الأمور الطبيعية . وهي ايضا مسؤولة عن كل من يقرأ هذه المجلة فيقوم بقتل أخيه أو صديقه من اجل أكل لحمهما ... أو يقوم بالاعتداء الجنسي على طفل او قريب لتنفيذ بعض ما قرأ في هذه المجلة واختبار المشاعر الذي عبر عنها كتاب المقالات, وممارسة الشذوذ الجنسي باشكاله كافة. ومن الأسئلة التي يمكن أن تخطر في الذهن هنا : ما الفرق بين ما تفعله اسرائيل في قتل أبناء غزة جسديا والتلذذ باراقة دماء أبنائها وبين ما أوردته المجلة عن التمتع باكل لحوم البشر,اي الكانيبالية !!؟ ...
إن رئيسة التحرير لا بد أن تعرف بأن حريتها تنتهي عند حرية الآخرين، وحريتنا نحن " فقهاء الظلام" كما تدعي صاحبة المجلة، تفرض عليها ان تحترمنا وتحترم عقائدنا وأخلاقنا ومبادئنا التي تحرم مثل هذه التصرفات وتضع فاعليها في خانة الشاذين جنسيا وتفرض عليهم العقوبات الشرعية، والتي وإن لم تطبق في بعض المجتمعات ومنها لبنان، إلا أن هذا لا يلغيها ، والمؤمن يدرك طبعا عقوبتها التي وإن فر منها في الدنيا لن يفر منها في الآخرة ....
والفريق الثاني الذي اتوجه إليه هم المسؤولون في السلطات الرقابية الامنية والاعلامية الذين يسمحون لمثل هذه المجلات في الصدور والانتشار، والذين يفترضون أن دورهم الرقابي ينحصر في وضعهم المجلة في مغلف مكتوب عليه عبارة للراشدين فقط, وبذلك يرفعون المسؤولية عن اكتافهم .
والسؤال هنا: هو متى يكون سن الرشد بنظر هؤلاء!! وهل يعتقد هؤلاء المسؤولون بأن الشاب او الفتاة عندما يبلغان سن الرشد يصبح عندهما الوعي الكافي لكي يميزوا بين الصح والخطأ بعد قراءتهم لهذه المجلة وشبيهاتها!!
قد يعترض البعض بأن صدور مثل هذه المجلة لا يضيف شيئاً بوجود الانترنت التي يستطيع الشاب ان يتصفحه ويشاهد امور أخرى أشد اباحية وفظاعة. ان هذا امر صحيح, ولكن الانترنت وسيلة خاصة, بينما تباع المجلة في الشوارع ويسهل على الشباب شراؤها وتبادلها وتعميم مفاسدها واباحيتها. وهو يقرأها وهو فخور و مرتاح الضمير لأنها تباع بصفتها مجلة ثقافية, وأن من يكتب فيها هم أدباء وكتاب وصحافيون مشهورون ؟
من هنا فإن مسؤولية السلطة اكبر من مسؤولية صاحبة الامتياز التي تتفاخر بأن عملها قانوني والتي تعد بمزيد من الحرية في تخطي الرقابة، ذلك لأن في لبنان 19 طائفة ، وهذه الطوائف كلها ترفض ما تدعو إليه هذه المرأة ، فكيف يتجاوز رأي كل هؤلاء ويسمح لمثل هذه المجلة بأن تهدم أسر وأبناء هذه الطوائف، وتنشر المفاسد والشذوذ بين شبابها وفتياتها. واذكر هنا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " .
د. نهى عدنان قاطرجي
موقع بوابتي