السياسة
وهنا نرى الفارق الكبير بين دعوة الشريعة الى حقوق الإنسان وبين الدعوات الاخرى التي تنادي بها المواثيق الدوليةعن حقوق الانسان في الاسلام وانها نابعة من العقيدة والايمان وملزمة لكل انسان في كل زمان ومكان والفارق بين حقوق الانسان في الاسلام وبين حقوق الانسان في القوانين الوضعية والمواثيق الدولية...
يقول الاستاذ الدكتور أحمد عمر عاشم: اشتملت الشريعة الاسلامية على كل مافيه سعادة البشرية في الدنيا والآخرة, واستوفت بتعاليمها السمحة, وقوانينها الثابتة المحكمة, كل ما يكفل للفرد والجماعة حياة طيبة في الدنيا, ومثوبة عظمية في الآخرة, قال الله تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) - سورة النحل/.97 وكان للشريعة الاسلامية فضلها الذي لا ينكر حتى من اعداء الاسلام في ترسيخ دعائم الحق ونشر قوانين العدالة التي انقذت الانسانية المعذبة من مخالب الجهالة والضلالة, واخذت بيد الضعيف ورفعت من قيمة البسطاء العاديين والفقراء والكادحين وكل فئات النوع الانساني التي كادت تجرفها تيارات الضياع والهلاك وهي معزولة وضعيفة لا تملك من امرها شيئاً, وكان للشريعة فضلها الذي لا ينكر في نظرتها الحانية الى الفقراء والمساكين, وابناء السبيل واليتامى والارقاء والخدم واصحاب المهن البسيطة والحرف العادية, فجعلت الشريعة لهم في صفوف الحياة الكريمة مكانا واضحا ووضعا لا يغبنون فيه.. كل ذلك قبل ان تعرف المواثيق الدولية حقوق الانسان بأربعة عشر قرناً, وكان للشريعة فضلها في اعطاء المرأة حقها بعد ان كانت لا حق لها, بل كانت محرومة من كل الحقوق حتى من حق الحياة نفسها اذ كانت توأد وهي طفلة صغيرة, الى غير ذلك من الحقوق التي لا تحصى, في شتى المجالات, ولسائر فئات الناس من رجل او امرأة ومن حر او عبد ومن غني او فقير ومن افراد او جماعات ومن امم او شعوب, لقد كفلت الشريعة الاسلامية لبني الانسان الكرامة والعزة يتمتع بها المؤمنون السائرون على هديها قال الله سبحانه وتعالى: (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) - سورة المنافقون/.8
أساس حقوق الانسان
اقامت شريعة الحق بناء دعوتها, وجميع ماطبعها من حقوق للانسان على اساس الايمان بالله تعالى وحده لا شريك له, وهنا نقف على عظمة الشريعة الاسلامية وحكمتها وعلى قوة تنفيذ هذه الحقوق من الحاكم ومن المحكوم, ومن الرئيس والمرؤوس ومن الغني والفقير وهكذا, فاذا كان الايمان هو القاعدة التي تنطلق منها دعوات المصلحين والنداء بحقوق الانسان تشريعاً وتطبيقا فإن للايمان اثره في الالتزام بتحقيق العدل والخير, وبسرعة الطاعة في كل امر وتنفيذ كل حق من الحقوق, ويظهر جانب الالتزام بتنفيذ كل الحقوق على هدي من الكتاب والسنة وطاعة لله ولرسوله.
قال الله تعالى: (يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر) - سورة النساء/.59
وبين الله تعالى أن في تنفيذ ما أمر به وفي طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم الرحمة للانسان قال سبحانه: (وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون) - سوة النور/.56
وقال تعالى: (وماأتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) - سورة الحشر/.7
وهنا نرى الفارق الكبير بين دعوة الشريعة الى حقوق الانسان, وبين الدعوات الاخرى التي تنادي بها المواثيق الدولية, فإن الدعوة الى حقوق الانسان في رحاب الشريعة نابعة من الايمان, صادرة عن العقيدة الاسلامية التي يلتزم امامها الانسان المسلم, ويرى ضرورة العمل والتطبيق وتنفيذ الحقوق بأسرع ما يكون, ففي تنفيذها الامن وفي تطبيقها الرحمة, وفي البعد عنها والنكوص عما تنادي به من حقيقة الايمان ووقوع في الخسران, فثمرة حقوق الانسان, في رحاب الايمان, انها مأمونة الجوانب لا خوف عليها من احد, لأن المسلمين يصدرون عن عقيدة وراءها حساب - ثواب او عقاب - بخلاف غيرهم, واما الجانب الثاني: الذي يلتزم فيه بتطبيق وتحقيق حقوق الانسان, انطلاقاً من الايمان فهو جانب المراقبة, وهذا ليس موجودا الا في الاسلام, ويظهر اثر ذلك في سرعة اعطاء كل ذي حق حقه, وعدم الجور على حقوق الاخرين, فالانسان اذا حدثته نفسه ان يسطو على مال الغير او حياته او عرضه او حريته او ان يسلبه حقا ما من الحقوق فإن عنصر المراقبة يوقظ في اعماقه الضمير الديني, الذي يجعله يدرك خطورة ما يقع فيه ومدى عاقبة الجرم الذي يرتكبه فإنه يؤمن بأن الله مطلع يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور ويعلم ما تبدون وما تكتمون.
وكما رأينا بأن الايمان هو الاساس الاصيل ومنه يكون الالتزام بأداء الحقوق ومراقبة الله السميع البصير فيها, فإن في الشريعة الاسلامية تطبيقات لحقوق الانسان واجبة الاداء كالزكاة وصلة الرحم واكرام الجار وحسن معاملته واعطاء كل ذي حق حقه, في البيع والشراء, وفي العمل وفي الشركة وفي الاجازة, وغير ذلك من المعاملات التي استوفاها الفقه الاسلامي بأبوابه وفصوله.
ثم كان في الجانب الاخلاقي استثمار لهذه الحقوق وسمو بها الى المثالية العالية حيث لا يكتفي الانسان بالقيام بالواجب فحسب بل ان هناك جوانب نادى بها الاسلام ارتفاعا بحقوق الانسان وشمولا لكل مناحي الحياة وجوانبها المختلفة وعلاقاتها المتعددة.
وتحقيقا للأمان لهذه الحقوق نجد في الحدود الاسلامية ما يحفظ للانسان حقه في الحياة وفي المال وفي العرض في الحرية والمساواة والعمل والشورى والكرامة وما الى ذلك من الحقوق التي كفلها الاسلام وحافظ عليها ودعا لها.
ففي الاعتداء على حق »الحياة« تكون العقوبة من جنس الجريمة قال الله تعالى: (يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون) - سورة البقرة/.178
ويضيف أ. أحمد عمر هاشم فيقول: وبالنسبة لحق الانسان في الامن نجد الشريعة قد جعلت للاعتداء على هذا الحق حدا هو حد الحرابة, قال تعالى: (إنما جزاؤا الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع ايديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الأخرة عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم) - سوة المائدة/.33
وبالنسبة لحق المال نجد الشريعة قد جعلت عقوبة الاعتداء على هذا الحق ما وضحه القرآن الكريم في قول الله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم)  - سورة المائدة/.38
وعن حق النسل او العرض, نرى عقوبة ذلك في قوله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) - سورة النور/.2
وبالنسبة للمحصن الرجم وهكذا.. الى آخر الحدود والعقوبات التي جاءت في الشريعة الاسلامية ولا نجد لها مثيلا في أي قانون من القوانين الوضعية.
انها حدود وعقوبات عادلة تقوم بحفظ حقوق الانسان ورعايتها وصيانتها من التعرض لها. انها تصون حقوق الانسان في حياته ونفسه وفي ماله ونسبه وعرضه, وهكذا نرى في شريعة الله المحافظة على حقوق الانسان واستتباب الامن والطمأنينة في الحياة على شتى مجالاتها, ومما سبق يتضح ان الشريعة الاسلامية, قد استوفت كل الحقوق بعقيدتها الصحيحة التي هي اساس العبادة والعمل والاحكام والاخلاق, وبتشريعاتها ومبادئها المستقيمة التي تصون حقوق الانسان وتحافظ عليها وتدعو لها على هدي وبصيرة. انها الشريعة التامة الكاملة التي اكملها الله وأتم بها النعمة قال سبحانه: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) - سورة المائدة/.3
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي) - رواه الحاكم.
وبهذا التشريع الرباني المحكم, والوحي الإلهي صان الإسلام حقوق الإنسان, ونادى بتطبيقها وشرع الحدود عقوبة للمعتدين عليها والمقتحمين حماها بغير حق, وبهذا أعطى الإنسان حقه في الحياة الكريمة بعد حقبة من الزمن عاشها الإنسان يرسف في أغلال الظلم والاستعباد حتى جاء الإسلام ففك هذه الأغلال وحرره وكرمه وجعل حياة المجتمع الإسلامي تشرق بالتوحيد الخالص الذي لا شرك فيه وبالعدالة الكاملة التي لا ظلم معها, وأحل الإسلام الكرامة محل الاستذلال والمساواة محل التفرقة والعلم محل الجهل والحرية بدل الاستعباد والتعارف والتآلف بدل التناكر والاختلاف والعمل بدل البطاقة والشورى بدل الاستبداد بالرأي والإيثار بدل الأنانية والحق بدل الباطل, وأكد الإسلام على حرمات المسلمين.
فلقد جاء في خطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع, قوله: (أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا, ألا هل بلغت اللهم فاشهد, كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) - رواه البخاري ومسلم.
ويدعم القرآن ان أصول الحق وركائز الإيمان منادياً بالأصول الأساسية لحقوق الإنسان بقوله: (إن الله يأمركم أن تأدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل) - سورة "النساء 58«.
وإن حماية الإسلام لحقوق الإنسان تستوجب على المسلمين في كل الأرض ان يصونوا هذه الحقوق, ففي صيانة المسلم لحق غيره صيانة لحقه, وفي إهماله لحق غيره إهمال لحقه... وإنها لتستوجب على كل من ولي أمراً أن يرفق بعباد الله من دون تضييع للحق ومن دون إهمال, وألا يشق على أحد, فقد قال - صلى الله عليه وسلم: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به, ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه).
وهو بهذا يقضي على كل أمراض التعتيم الروتيني, والتعقيد الوظيفي, أو ما يسمى بالبيروقراطية.
وفق الله المجتمع الإسلامي والأمة الإسلامية إلى ما فيه الخير والرشد والصلاح.

JoomShaper