بقلم: د.تيسير حسّون
عندما نفكر في منع الجريمة، يذهب بنا التفكير إلى العقاب الذي تنزله السلطات بالأشخاص كالغرامات والاعتقال والحبس وغيرها. ولكن تبين أن العقوبات غير الرسمية من جانب الأصدقاء والعائلة والجيران تردع الجريمة بنفس القدر إن لم يكن أكثر من العقاب الرسمي. فقد يعبر أحد أفراد الأسرة عن الاستهجان، وقد ينهي صديق علاقة الصداقة، وحتى عابري السبيل قد يمنعون جريمة وهم ينظرون شزرا.
هذه العقوبات الاجتماعية غير الرسمية هي جزء من حياتنا اليومية، و ليس بالضرورة أن يكون مخططا لها مسبقا كطريقة لمنع الجريمة.
في هذا السياق يمكن لنا أن نفكر في طائفة من العقوبات المطورة بوضوح لمنع الجريمة. هذه العقوبات تهدد الفرد بالحرج العام كطريقة لردع السلوك الإجرامي. والمنطق هنا هو أن الناس يهتمون بعمق بسمعتهم الطيبة، وسيتجنبون الأفعال التي قد تهدد ذلك. ولذلك قد يكون تهديد السمعة طريقة أكثر نجاعة للتأثير على سلوك الناس من التهديد بحبسهم فترة من الزمن. منذ فترة قرأت عن شخص اسمه برايان بيتس من مدينة أوكلاهوما جذب الكثير من الانتباه لجهوده في استخدام العار لمنع الدعارة. و قد ادعى أنه مصور فيديو في حملته هذه، وبدأ منذ بضعة سنوات حين شعر بالإحباط من المستوى المرتفع للدعارة في منطقة سكنه.
وفي إحدى المرات خرج من منزله ليجد مومسا تتساوم مع زبون قرب كراج منزله. ثم شهد في المحكمة مرافعات ضد بعض الحالات ولكن لم يصدر أي حكم بحقهن. وبين المزاح والجد طلب منه المدعي العام أن يأتيه بفيلم فيديو كدليل على ما يقول حيث أعجب بالفكرة حالا.
بيتس المسلح بكاميرته كان يتجول في حيه ليصور الرجال الذين يترددون على المومسات. الفيديو الأول كان حين رأى سيارة تبطئ سيرها لتلتقط مومسا من الطريق، فتبعها إلى أن توقفت. بعد أن تمت الصفقة، اقترب بيتس من السيارة ليصور الزبون. واجه الرجل طالبا منه أن يفسر له سلوكه، هنا أنكر الرجل، غير أن بيتس كان يصور المحادثة. قام بتصوير مجموعة من الرجال ثم وضع هذه الأفلام على شبكة الانترنت للعموم.
في موقعه على الانترنت يقول بيتس بأن دافعه هو ردع الجريمة وأحد أهدافه من عمله هو استخدام من تقبض عليهم الكاميرا متلبسين لثني الآخرين عن سلوك هؤلاء. فإذا ضبطك شرطي فأنت ستدفع الغرامة، أما إذا التقطتك الكاميرا فستنال حكما مؤبدا، دون إرجاء للتنفيذ أو طعن بالحكم.
المدهش إلى حد ما، هو أن بيتس يؤيد تشريع البغاء في الأماكن الخاصة، أما حملته فتتركز على الدعارة في الشوارع.
وطبعا أثارت أعمال بيتس بعض القضايا الأخلاقية- هل له الحق مثلا في تعقب الناس وتصويرهم؟ من الواضح أن لديه الحق في ذلك طالما أن كل ما يجري إنما هو على الملأ.
والسؤال هو ما إذا كان عمله فعالا في ردع الدعارة في مدينته. يصعب معرفة ذلك، ولكن على الأقل سيردع من تم التقاطهم ولو مرة واحدة من تكرار فعلهم.
يبدو أن العار من أن يرانا أصدقاؤنا أو أحد أفراد أسرتنا، هو ما يجعلنا نبحث عن مخارج أخرى لمشكلتنا، و لكن من غير الواضح تماما ما إذا كان لعمله تأثيرا كبيرا على من لم يتم التقاطهم سابقا.
لن أسهب في الحديث عن هذا الرجل، ببساطة خطر لي أنه قد يصلح كمثل لدينا شرط أن نوسع دائرة الاستخدام.
ومعلوم أن اقتناء الجوال صار أمرا "لازما" عند المواطن العربي والتنافس في ميزات الجوال و منها جودة الكاميرا، حديث يومي بين الناس في كافة مجالسهم .
أتساءل إن كان ردع الرشوة بواسطة كاميرا الجوال يمكن أن يكون أنجع من الإجراءات العقابية الرسمية. فنحن نعرف بأن وضع كاميرات المراقبة على السرعة في الشوارع خفف أو ألغى احتكاك المواطن السائق مع الشرطي، وهذا إنجاز كبير للتقنية لمسناه لمس اليد.
هل تساهم الكاميرا في محاربة الفساد وتكون نقطة البداية الحقيقية؟
من يدري، فقد يأتي يوم يكون لدى كل فرد منا كاميرا فيديو، وسنكون مشغولين في تصوير بعضنا البعض بحيث لن يكون لدينا الوقت لانتهاك القوانين.
الدكتور تيسير حسّون ـ باحث ومعالج نفسي من سوريا

JoomShaper