تعيش القراءة في المغرب وضعاً متدهوراً لا يبعث على الارتياح، إذ لا يتوقف مثقفون وكُتاب مغاربة عن التنبيه بخطورته وتداعياته الراهنة والمستقبلية على الأفراد والمجتمع على حد سواء.
ويتحدث مثقفون عن انعدام القراءة كلياً لدى المغاربة وليس فقط عن تدني نسبتها أو أزمة تعاني منها، فيما يرى البعض الآخر أن الأزمة الحقيقية تكمن في نوعية الكتب المُنتَجة وليس في معدل القراءة.
وعزا هؤلاء المحللون الوضع الكارثي للقراءة إلى ضعف التربية على القراءة في الأسرة، وإلى غلبة الكتاب الإلكتروني  والاكتساح الرقمي، فضلاً عن تدني القدرة الشرائية وضعف البنى الثقافية التحتية، وأيضاً تفشي ظاهرة الأمية داخل المجتمع. أزمة قراءة
وتؤكد مظاهر عديدة على وجود أزمة حقيقية للقراءة في المجتمع المغربي، من بينها توزيع نسخ محدودة تعد ببضع مئات فقط من الكتب لمؤلفين ومثقفين مغاربة لهم باع طويل في مجالات الأدب والفكر والمعرفة، نتيجة الإقبال الهزيل على شرائها للاطلاع عليها وقراءتها.

ومن المظاهر الأخرى الدالة على حدة الأزمة التي تعيشها القراءة في المغرب، ضعف البنى التحتية التي تساهم في ربط الفرد بقراءة الكتب، من قبيل المكتبات العمومية والخزانات الثقافية التي لا توجد بوفرة في البلاد.

ويُرجع الشاعر جمال أزراغيد، عضو اتحاد كُتاب المغرب، الأسباب في تدني القراءة بالبلاد إلى عوامل ذات تأثير بالغ، من ضمنها انعدام تربية أسرية للأجيال الناشئة على التمرس على القراءة من الصغر.

ويرى أزراغيد أن عوامل رئيسية أخرى تلعب دوراً حاسماً في الوضعية المزرية للقراءة في البلاد، من قبيل الاكتساح الرقمي، أو ما سمّاه جاذبية النت في جلب الشباب إليه، وشيوع الكتاب الإلكتروني عوضاً عن تصفح الكتاب الورقي، فضلاً عن ضعف القدرة الشرائية لشرائح عديدة من المجتمع المغربي.

ويساهم تفشي الأمية بنسبة تتجاوز 40 في المئة في تكريس أزمة القراءة بالمغرب، كما أن التلاميذ والطلبة يكتفون فقط بما لديهم من مقررات دراسية مكثفة، ولا يتعدونها لقراءة ما تجود به قرائح المثقفين والمفكرين والأدباء من كتب ومؤلفات.

وينفي مثقفون آخرون من بينهم الدكتور المهدي المنجرة وجود أزمة في القراءة، حيث ينسب الأزمة إلى الكتاب باعتبار أن نوعية الكتب المطروحة في السوق هي التي تحدد مسار القراءة، وتشجع على اقتنائها أو تحد منها، مستدلاً بأن الكتب ذات القيمة الفكرية الراقية تحظى بنسبة قراءة عالية بخلاف أصناف أخرى من الكتب.
عواقب وخيمة
ويعتبر الأديب حسن برطال أنه لا يمكن الحديث عن تدني القراءة في المغرب بحكم أنه لم يسبق في تاريخه أن كان مستوى القراءة مرتفعاً حتى يمكن مناقشة أسباب تدنيها.

وأضاف برطال في حديث لـ"العربية.نت" أنه إذا تحدثنا عن تدني القراءة في بحر هذا التطور التكنولوجي على مستوى المنشورات الورقية أو الرقمية، وبحضور إشعاع إعلامي وحركة توزيع وخصوبة حقل المكتوب بما فيها الصحافة و الإبداع بجميع أجناسه، إلى جانب حرية الرأي و التعبير.. إذا تكلمنا عن "التدني" الآن فماذا عسانا أن نقول عن الفترة السابقة، حيث كانت تنعدم كل هذه الأشياء؟.

وتابع برطال: لم يسبق للمنتج للفكري أن خلق حواراً اجتماعياً أدخله في علاقة حميمة مع المتلقي، والدليل هو سوء التغذية الروحية التي يعاني منها المجتمع، والتي تؤدي إلى هزالة الجسد العاجز عن صد الضربات.

واستطرد الكاتب أن لسان المجتمع هو الفرد المثقف والذي يكون أدرى من غيره بمشاكل مجتمعه وقضايا بلاده لا يتم صناعته إلا بشحنه بذخيرة تستمد طاقتها من حس إبداعي.

وخلص برطال إلى أن انعدام القراءة، وليس تدني مستواها فحسب، هو سبب هذا الانحلال والتفسخ الذي امتد إلى تخوم النفس، الشيء الذي أدى إلى تفشي ظاهرة الفرد السلبي.

وجدير بالذكر أن إحصاءات رسمية تتحدث عن كون نسبة القراءة بالمغرب لا تتجاوز 1.5 في المئة، وأن عدد المكتبات يقترب من مكتبة واحدة لكل 134 ألف نسمة، وبالنسبة للصحف فهي 13 صحيفة لكل 1000 مواطن.

JoomShaper