نحتاج أحياناً لأن نقرأ بوعي خريطة البرامج التي تقدم على تلفزيوناتنا المحلية بعيون أخرى وبأدوات مختلفة عن هذه التي نستخدمها للنقد والتحليل، فهدف أي برنامج تلفزيوني مثلاً هو خدمة المشاهد، حيث المشاهد أو المتلقي أو الجمهور هو الهدف الأول للرسالة الإعلامية التي يريد معدو ومقدمو البرامج إيصالها، وهنا فلابد أن يكون لهذا المشاهد رأي فيما يقدم له، فهل هذا الشرط المبدئي متوافر يا ترى؟ يلاحظ وبشكل كبير جداً أن توجه النقد لما تقدمه فضائياتنا المحلية قد اختفى نهائياً على الرغم من أن كثيراً مما يقدم من برامج لم يتطور نحو الأفضل وما زال يحظى بأعلى نسبة عدم رضا من قبل الناس. لا يظهر أي اتجاه نحو تفكيك الخطاب الإعلامي الذي تقدمه القنوات العربية والمحلية على وجه التحديد، على الرغم من أن عدداً هائلاً من هذه المضامين يؤثر سلباً على منظومة القيم، والذوق العام، إضافة إلى كونه يشيع مفاهيم وثقافات غاية في الخطورة، وتحديداً على فئات الأطفال والمراهقين والنساء، في ظل عدم وجود نقاد ومهتمين ينشرون تحليلاتهم في الصحف بشكل مستقل وموضوعي، حيث يسود جو من الصمت المطبق حيال ما يقدم وكأن كل الأمور تسير سيراً طبيعياً مع أن الحقيقة غير ذلك.
برامج الأطفال والبرامج الفنية والحوارية والسياسية والاجتماعية وحتى برامج التسلية والترفيه وغيرها تحتاج إلى قراءة فاحصة بأدوات علمية يقوم بها باحثون وصحفيون على جانب من العلم والخبرة والوعي بهدف كشف المضامين السلبية وقراءة تفاصيل هذه البرامج حتى يتوقف القائمون عليها عند حدود احترام قيم وعقول الناس واختياراتهم، وإلا فإن طوفان الرداءة سوف يغرق الجميع.
بعض البرامج الفنية ليست سوى ملاهٍ ليلية بكل ما للكلمة من معنى، وللأسف فإنها ملاهٍ تفتح في بيوتنا وعبر قنوات رسمية، لا هدف منها سوى التهريج وترويج الغناء الهابط ومتعاطي الفن الهابط وسط حوارات مبتذلة وخادشة للحياء والذائقة العامة، بينما تنعدم برامج الأطفال المدروسة بشكل احترافي يلبي حاجات الطفل المختلفة، لدينا برامج تعد على أصابع اليد الواحدة في إحدى القنوات، وما عدا ذلك فالطفل غير موجود على سلم اهتمامات صانعي المادة التلفزيونية إلا عبر برامج الرسوم المتحركة الأجنبية المستوردة ذات المضامين الغربية والتخريبية أحياناً.
بعض البرامج الثقافية ليست سوى مشاريع شخصية بحتة لمقدميها وكأن المحطة لا علاقة لها بها من قريب أو بعيد، بينما الضيوف المفترض بهم أن يكونوا مثقفين ينتمون لكل مكان إلا دولة الإمارات وكأن الرسالة المطلوب إيصالها لأكبر عدد ممكن من المشاهدين هي أنه لا يوجد مثقفون في دولة الإمارات، أما برامج الشباب فبكل ثقة نستطيع أن نقول إنه لا وجود لها بالشكل والمضمون والطريقة التي يمكن من خلالها التوجه للشباب ومخاطبتهم في كل شؤونهم، فالبرنامج التلفزيوني الناجح لا يتحدث عن فئة ولكنه يحدثها ويتركها هي تتحدث عن نفسها سواء كانت هذه الفئة أطفالاً أو شباباً أو مراهقين أو نساء، فهل تفعل برامجنا هذا الشيء ؟ والسؤال الأهم هل يقدمها أبناء الإمارات؟ فحتى هذه اللحظة لم يمنح مسؤولو الإعلام ثقتهم الكاملة للإماراتي على الرغم من جدارته التي أثبتها في كل مجال، كما منحوها لغيره من الجنسيات، فلماذا؟ مجرد سؤال !!

JoomShaper