قبل ما يقارب العقدين من السنين ... عندما كنا صغاراً، نعد الأيام لحلول العيد , تارةً بشكل صحيح ... و أخرى نبلع بعضها، نعتقد في قرارة أنفسنا الخيالية التي تعيش مع عالم ( أليس في بلاد العجائب ) أن العيد سيأتي في وقت أبكر من حينه ...
سؤالٌ كثيراً ما نردده ...هل لازلنا نعيش بهجة العيد كما كنا أطفالاً ؟
أذكر الآن شراء الثياب ،كان أجمل ما يميز هذه المناسبة , كل منا تحلم أنها ستكون أميرة ذلك اليوم , نتنافس مع صديقاتنا وقريباتنا على عدد الزهور والألوان الموجودة في ثيابنا , وفي المقدار الذي يمكن للفستان أن يدور به , كنا نفتل كثيراً قبل العيد بيومين ... نأخذ ما اشترته أمهاتنا من الخزانة خلسةًً ً لنريه لمن يهمنا أمره ، ندور بالفستان عدة دورات لنثبت أنه سيحولنا إلى أميرات صغيرات ...
ليلة العيد ... ومن ينساها ... قصص والدتي عن العيد في طفولتها ولطالما تكررت على مسامعنا ونحن جالسين حولها وهي تصنع ( الكليجة ) التي تفوح رائحتها من كل منزل وهي الحلوى التي تشكل جزءاً لا يتجزأ من فلكلور منطقة القامشلي , ويشترك معهم في صنعها أهالي العراق وبنفس التسمية .
لم أكن أنسى قصة أمي مع الحناء وهي تروي كيف أن أمها كانت تحني كفيها وتربطهما,وكم وصفت سعادتها في ذلك الحين , و أنها كانت تنام الليل وترى في الحلم أن الحناء لن يطبع على يديها , وهو أمر كان يؤرقها كثيراً ليلة العيد ( وأنا أضحك بيني وبين نفسي كوني لم أحب الحناء )لأقول بطفوليَّةٍ ساذجة : كم أمي عقلها صغير !! كيف تحزن على شيءٍ مثل الحناء !
في ليلة العيد ... نصفُّ الأحذية الجديدة إما تحت المخدة أو قربها !!والفستان غالباً ما كان يُسْطَحُ قرب رؤوسنا ... -لا أعلم كيف كنا ننام من البهجة التي تفوق قوانا الطفولية؟ - وإلى جانبه الكيس الذي طالما حرصنا أن يكون من لون الفستان ذاته - وهو كيس ضروري لليوم التالي ...
نستيقظ صباحاً مع شروق الشمس .
في أيام طفولتنا كنا تارةً نُعيِّدُ في المدينة وأخرى في القرية , والفرق الأكبر بين تقاليد العيدين هو الاستيقاظ الأبكر في القرية ...
- في القرية.. عادةٌ لا زالت متداولة عند الكثيرين , وهي زيارة قبور الأقارب قبل بزوغ الفجر بقليل وقراءة الفاتحة ورش السكاكر عليها بكميات كبيرة وهو ما كان يشكل صيداً وفيراً لأبناء القرية ويُطمعْهُم في الاستيقاظ والتنافس على الخروج إلى القبور مع بزوغ الفجر وبمفردهم كأطفال، للحصول على أكبر كمية ممكنة ..!!
كانوا يأتون بأكياسهم التي تُملأُ عادةً مع شروق الشمس إلى بيت جدي وغالباً ما كانوا يصِلون والأكياس بأيديهم ,ونحن لا زلنا تحت رحمة والدتي لتمشط شعري أو تلبس أختي حذاءها , كم كنا نستاء لعدم إيقاظهم لنا مع أبناء القرية وعدم سماحهم لنا بزيارة القبور، مع أن الأمر كان يشكل خطوة جريئة ومرعبة في الوقت ذاته !!
لكنا كنا نستاء كثيراً عند مقارنة أكياسنا الفارغة مع أكياسهم المليئة بشكلٍ جشع ؟!!
عادة الأكياس هذه كانت ولا زالت موجودة حتى الآن عند أطفال القامشلي وهي التي لم أسمع بها في المدن السورية الأخرى، بل لم أُخبر حتى بزيارات الأطفال يوم العيد دون رفقة الأقارب، وهو ما يميز أطفال هذه المنطقة ( الاستقلالية والاعتماد على الذات في وقتٍ مبكر)
حتى في المدينة ..وفي ذلك الوقت ...عندما كان للقرابة والعلاقة معنى دافئ وجميل ,كنا نتنافس مع أبناء الجيران في عدد معارفنا .. فكمية السكاكر والنقود تتناسب بشكل طردي مع عدد البيوت التي سنزورها .
الأفضل بالنسبة لنا ولأصدقائنا كان الذهاب بشكل جماعي لنتمكن من زيارة معارفهم وكذلك هم يتمكنوا ... وبذلك يتضاعف عدد الزيارات .. وتكون النتيجة مربحة !
الأقارب من الدرجة الأولى كنا نحصل منهم بالإضافة إلى الحلوى ..على النقود وهي التي تسمى ( العيدانية ) وكم كانت المنافسة حامية على المبلغ الذي سيُجمع في نهاية يوم شاق من العمل والتخطيط !!
لا أنسى حتى الآن ابن الجيران الوحيد على ست بنات والذي كنا نرافقهم أنا وأخوتي ونمشي كمسيرةٍ شعبية في شارع المدينة، تعلو أصواتنا دون أية ضوابط ولا يراود الخجل إلا كبيرنا المسؤول الذي كان يقترب من سن المراهقة..!
عندما كنا نزور أقارب ابن الجيران ... غالباً ما يحصل على عيدانية مضاعفة عن عيدانية إخوته البنات, كنت حينها أتساءل عن السبب لكني أعود لأبرر ( أنه مدلل جداً ) واقع لابد من الرضوخ له في ذلك الوقت ... وهو ما يرفض برمته في زمننا هذا ...!؟
هكذا وُعينا! منذ أن فتحت عيني وأعلم أن ( حسنو ) مدلل أمّا الآن اكتشفتُ سبب دلاله وهو أنه كان الذكر الوحيد في عائلته .
أيام العيد جميلة في السابق لأننا كنا أطفالاً .. والطفولة جميلة لأنها تحمل البراءة ... والآن نحن كبار فما المانع أن نحمل بعض البراءة والعفوية لنشبه الأطفال ولو قليلاً ونشعر ببعض السعادة التي كانت تغمرنا في السابق ..؟
ثناء الكردي
مجلة ثرى - العدد 199 تاريخ 19\ 9 \2009 - السنة الخامسة