مسقط- مديحة عثمان
"الفراغ".. هي دائرة القضية التي لطالما خشي المجتمع من المساس بها والبوح بقدرتها على التفكيك بروابطها، فحين سيطر "الفراغ" الذهني على شباب الأمة أصبحوا أسرى للتفكير السلبي الذي قادهم إلى عالم لا يشبه واقعهم هو العالم الرقمي الذي جاء محملاً بما يملأ فراغهم عبر الصور والمواقع الإباحية التي كانت تقفز عبر الإعلانات والبريد الإلكتروني.
وليس الفراغ الذهني فحسب بل أيضاً، الفراغ "العاطفي" الذي خيّم على العلاقات الاجتماعية مما جعلها "هشة" تلهث وراء "شهوة" زائفة تشبع غرائزهم بدون أدنى مجهود يذكر بفضل عالم الرقميات، وكذلك ساهم الفراغ "الروحي" لدى أفراد المجتمع إلى جريهم وراء علاقات "إلكترونية" لا تورث سوى صورة مهزوزة للفرد وخزياً لأسرته ودماراً لكيان مجتمعه.
لذلك كان لابد من تسليط الضوء على قضية "إدمان الصور والمواقع الإباحية" وعوامل إصابة الفرد بها، وكيفية معالجتها والتعامل معها بحسب خبراء النفس والاجتماع، بعد عرض أسباب لجوء العديدين إليها -التي قد تشبه ما أسلفنا ذكره- وذلك بعرض آراء الشباب أنفسهم حول القضية، فكان تحليلهم للقضية كالآتي:
بداية يرى داوؤد البلوشي أن من عوامل لجوء الشاب إلى مشاهدة وإدمان الصور والمواقع الإباحية هي إشباع الغريزة، وغياب الوازع الديني مضيفاً أن عدم قدرة الشاب على الزواج ومحاصرة أصدقاء السوء له قد تؤدي إلى وقوعه "مدمناًَ" مؤكداً على كون القضية تؤثر في علاقة الفرد بالمجتمع؛ لأنها ترسم صورة "سيئة" للفرد في بيئته كونه معارضاً لطبيعتها. بينما يرى حسين الشامسي أن "الفضول" هو ما يدفع الشاب لذلك، وسعيه لمحاولة فهم تلك العلاقة "الخفية" وبلا شك فإن الأمر يؤثر على سلوكه ووجوده في المجتمع؛ لأنه أمر مخالف للعادات السائدة فينظر إليه المجتمع بنظرة مختلفة -بحسب الشامسي-.
ويتفق سهيم الهنائي على الدور الذي يلعبه أصدقاء السوء في مسألة التأثيرعلى الشاب ودفعه لزيارة تلك المواقع وتداوله للصور الإباحية، ويضيف إليها: " تأخر الزواج والعنوسة والطلاق توجد فراغاً "عاطفياً" لدى الفرد، فيسعى لإشباعها بالوسائل المتاحة أمامه، والتقنيات الحديثة ساهمت في سهولة وصوله إلى ما يصبو إليه، وحين يصبح الشاب أسيراً ومدمناً لتلك الصور لا تهتز صورته أمام المجتمع فحسب بل إن ما يقوم به يدل على عدم أمانته وصدق نيته في الأعمال". ويضم بدر المحرزي صوته إلى البقية، حيث يرى أن العوامل المذكورة سلفاً بالإضافة إلى الضغوط التي يمارسها المجتمع "جزافا" على الشاب "تولّد طاقة سلبية لدى الفرد يرغب في التخلص منها، مما يؤدي به إلى تفريغها بشكل خاطئ بمساعدة المجتمع الرقمي الذي يسهل الوصول لهذه الأماكن "المحظورة".
ولأن الأمر لا يقتصر على الشباب، فقد كان حرياً استعراض آراء مجموعة من الفتيات حول المسألة، فعبرت انتظار الجابرية عن رأيها قائلة: "ربما الفراغ العاطفي الذي تعاني منه بعض الفتيات في الأسر كفيل بأن تتجه الفتاة لمشاهدة الصور والأفلام الإباحية وكل ما هو مباح للفتاة من إنترنت ومسلسلات وأغاني رومانسية يشجعها لأن تكون من هذه الفئة". فيما شددت بشرى الحارثية على ضرورة مراقبة الأهل لفتياتهم ومتابعة أحوالهم فالثقة التامة وقلة الوازع الديني وراء انجراف الفتاة نحو المواقع الخليفة بحسب الحارثية، وأضافت: "يسيطر الغزو الفكري على عقول أبناء هذا الجيل فيورثهم بالضعف فيبتعدون رويداً رويداً عن مبادئهم بخاصة المراهقات، حيث أنها فترة حرجة وبحاجة إلى عناية مكثفة ومراقبة من الأهل".
وتختتم حديثها قائلة: "تلعب الإعلانات دوراً ثانوياً في المسألة كونها استطاعت أن تتسلل إلى المواقع الأكثر تصفحاً في الإنترنت مثل الفيس بوك والهوتميل، فتضعف الفتاة أمامها ويبدأ الفضول يدب في نفسها نحو زيارة تلك الصفحات حتى يتحول الأمر معها إلى إدمان لا يمكن الإستغناء عنه".
تحت مجهر العلم..
في حين أن الدراسات الحديثة التي أجريت من قبل مركز العلاج الإدراكي بجامعة بنسلفانيا أشارت إلى زيادة تأثير إدمان المواقع والصور الإباحية على الشاب مقارنة بتأثير الكوكايين عليه إلا أن الاخصائية النفسية الدكتورة فوزية الكيومية ترى أن الأمر تحكمه عدد من العوامل منها المجتمع نفسه وما إن كان غربياً أم شرقياً، والبيئة، والشخص نفسه والفئة العمرية التي ينتمي إليها والوضع الإجتماعي الذي يحكمه، والكثير من العوامل التي قد تكون سبباً في تفاوت نسبة التأثير الذي قد يتحول لعادة أو إدمان.
ومع أن الأسباب التي ذكرها الشباب والفتيات ممن شاركوا في التحقيق تنطبق مع الأسباب التي ذكرتها الإخصائية النفسية فإن ما تؤكد عليه الأخيرة هي تأثير تلك العادة والإدمان على صميم العلاقات الزوجية حيث تُضعفها حين تؤثر سلباً نفسياً وجسدياً على العلاقة الحميمة بين الزوجين، وبالتالي تنخر نواة المجتمع وهي الأسرة. إنما تبشر الاخصائية النفسية المدمنين على المواقع والصور الإباحية بقدرة الفرد على التخلص من تلك العادة والإدمان إن عقد العزم في نفسه ووجد بجانبه من يدعمه ويسانده دون اللجوء إلى استشاري نفسي إلا إن رغب في ذلك، وتنصح باتباع النصائح الآتية عامة للوقاية من الإدمان: ومخافة الله في السر والعلن، الإكثار من الإستغفار.
وزيادة التمعن في نعمة الزواج وتكوين الأسرة من قبل الزوجين والإستبصار بفوائده زيادة توعية الآباء لزيادة التقارب بين الافرد وفي الوقت نفسه زيادة التوجيه والرقابة توعية الشباب للمخاطر الناتجه عن هذا السلوك الخاطئ
وبلا شك أن الحالات النفسية التي يعيشها الفرد تمتد آثارها إلى المجتمع عامة، وهو ما أكدت عليه الاخصائية الإجتماعية نبيلة بنت حامد المعولية التي أشارت إلى زيادة نسبة الجرائم الجنسية كالاغتصاب والقتل، وزيادة نسبة الطلاق وانهيار العلاقات الزوجية وتدمّر العلاقات العاطفية جراء الإدمان على الصور والمواقع الإباحية. وبالنسبة إلى العوامل المؤدية إليها فهي ضعف الوازع الديني، والفضول، والانبهار بالتقنيات وعدم الوعي بسلبياتها، ورفقاء السوء الذين يبعثون بالإيميلات الفاضحة والصور المخلة.
وأخيراً، تؤكد الإخصائية الاجتماعية نبيلة بنت حامد المعولية على ضرورة وضع الكمبيوتر في المنزل بأماكن عامة، مثل الصالة أو غرفة الجلوس لمراقبة الأبناء، وكذلك التسلح بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحث على غض البصر.
مواقع إلكترونية تفتك بالمجتمع
- التفاصيل