عتبرها اليونيسكو ضمن اللغات المعرضة للانقراض
جاسم عباس/القبس
برغم التاريخ الثري للغة العربية، وكونها ماتزال لغة الثقافة والعلم، والإعلام الرسمي على الأقل. فانها مابرحت تعاني في مهادها أشكالا من الإهمال، مع طغيان اللغات الأجنبية والتعليم المزدوج، وتساهل بعض وسائل الإعلام في استخدام اللهجات المحلية، إضافة إلى بعض المشكلات التربوية الأخرى. والقبس في لقائها بالدكتور خالد عودة مبارك سالم الفضلي، أستاذ اللغويات في مركز اللغات بجامعة الكويت، حاولت أن تفتح ملف ما تتعرض اللغة العربية له من مخاطر داخلية وخارجية.
يقول د. خالد الفضلي: مما لا شك فيه أن هناك الكثير من المخاطر والتحديات التي تحدق باللغة العربية، والتي تتغير بتغير الزمان والمكان، ولعل ما زاد الحدة لدى البعض ان اللغة العربية ربما تكون من بين اللغات التي ستنقرض بناء على ما اشار اليه تقرير لليونيسكو في عام 2006 والذي ذكر ان هناك لغات ستموت من بينها العربية.
وعلينا ان نميز بين الاخطار والتحديات، وعادة ما تأتي هذه الاخطار من حالة الضعف التي تعتري الامة العربية في جميع المجالات، والتي تنعكس بلا شك على اللغة ومتحدثيها، فإن حالة الوهن السياسي والاقتصادي والعلمي تستتبع لا محالة وهناً لغوياً.
ويمكن تقسيم هذه الاخطار الى اخطار داخلية واخرى خارجية، ويبدو ان الاخطار الداخلية هي الاشد وقعا والأكثر تأثيرا على واقع اللغة العربية، وتتمثل هذه المخاطر في هجران ابناء الامة العربية للغتهم وانشغالهم بغيرها من اللغات الاجنبية ونظرتهم الدونية للغة العربية، كذلك فان اقصاء اللغة العربية عن التعليم العالي في البلاد العربية يسهم في قوقعة العرب وابعادها عن العلم،كما ان ازمة اللغة العربية تتجاوز ابناءها لتصل الى اساتذتها فنحن لدينا معلمون ولكن ليس لدينا اساتذة متقنون للعربية الفصيحة، اضافة الى خطر العامية المحلية التي يروج لها الكثيرون، والتي اصبحت تنتشر الآن حتى في اجهزة الاعلام.
اما التحدي الذي يجب ان نقبله ونتفاعل معه وان نكون اهلا له، فهو يتعلق بموضوع العولمة الثقافية والمعلوماتية والتقنية الحديثة وبرمجة الحاسوب وتطويع اللغة العربية لهذا الغرض من جانب، ومن جانب اخر يتمثل في قدرتنا على ايجاد نظريات وطرق تدريس تتناسب وخصوصية اللغة العربية.
تأثير اللغات الأجنبية
أما عن أثر تعلم اللغات الأجنبية فيرى الفضلي انها حاجة ملحة ومطلبا أساسيا في الحياة المعاصرة التي تشهد ثورة معلوماتية كبرى، نتيجة التقدم في تقنية الاتصالات التي ساهمت في إذابة الحواجز بين الشعوب والثقافات، وجعلت من العالم قرية كونية صغيرة يحاور بعضها الآخر، ويستفيد كل منها من الآخر. فتعلم اللغة الأجنبية، أيا كانت، يساعد على الفهم والاستيعاب، أو «الود» الثقافي بين الأمم، كما يساهم مساهمة فاعلة في نقل العلوم والمعارف والتجارب، والثقافات وترجمتها.
ازدواجية اللغة
وبحسب الفضلي ان نكون حذرين من أثر هذه اللغات في اللغة الأم وهي اللغة العربية في هذه الحالة، فلقد أكدت الدراسات التي أجريت في النصف الأول من القرن العشرين بالنسبة للآثار المترتبة على ازدواجية اللغة في التعليم، وجود ظاهرة الاعاقة اللغوية عند الأطفال الذين يتعلمون لغتين. لقد اعتمدت تلك الدراسات على مقارنة مستوى الأطفال الذين يدرسون لغة واحدة بالأطفال الذين يدرسون لغتين، ووجدت أن هؤلاء يعانون قصورا لغويا بالمقارنة مع الفئة الأولى. أما الدراسات التي أجريت في النصف الثاني من هذا القرن حول آثار تعليم لغتين معا، فقد توصلت الى نتيجة مفادها ان اطفال اللغة الواحدة كان أداؤهم ونتائجهم أفضل من أداء ونتائج اطفال اللغتين في القدرات الكتابية. كما أكدت هذه الأبحاث أن اطفال اللغتين يعانون بعض المصاعب والاعاقة اللغوية المرتبطة باجتهادهم من أجل التمكن والتأقلم مع نظام اللغتين.
واقع العربية في الكويت
ويتابع الفضلي مطبقا فكرته على الكويت: لو ركزنا نطاق البحث على دولتنا الحبيبة الكويت التي تعلم فيها اللغة الانكليزية بجانب اللغة العربية منذ اليوم الأول لبدء الدراسة، نجد انتشارا لبعض الاعاقات اللغوية، قد يكون التداخل فيما بين نظامي اللغة العربية واللغة الانكليزية سببا لها كانتشار الدسلكسيا بأنواعها المختلفة وهي عبارة عن صعوبات تعلم في مجالي القراءة والكتابة.
والعنصر الآخر في هذا المجال - وما زلنا هنا نتكلم عن الواقع الكويتي - يتمثل في تأثير لغة الخدم على لغة الطفل الكويتي فقد أكدت الدراسات أن وجود المربية والخادمة يؤثر سلباعلى النمو اللغوي للطفل الكويتي، اذ يكتسب الطفل من خلال المربيات مفردات لغوية ركيكة وغير متماسكة، والتي تتضح في الكثير من المفردات الآسيوية مثل المفردات الهندية والفلبينية والسريلانكية، كما اثبتت الدراسات ان هناك نسبة من الاطفال يعانون عيوبا في النطق في ظل وجود الخادمة في المنزل كالعجز عن لفظ بعض الحروف او التمييز بينها كحرف القاف والغين، فالمربية الاجنبية هي المصدر الاساسي والوحيد تقريباً والذي يكتسب منها الطفل قيمه وتقاليده وعاداته اللغوية.
هذا اضافة الى اللغة الدخلية التي قد يتأثر بها الطفل بشكل عام، والتي قد تنشأ باختلاط لغة الخادمة او المربية بلغة المجتمع او الاسرة، فيصبح لدى الطفل تناقض بين ما قد يسمعه من الام في طريقة المعاملة والمحادثة وما قد يسمعه من الخادمة والذي يكون غالباً هجيناً من لغة الخادمة الاصلية مع بعض المفردات المحلية، ونجد ذلك واضحاً في طريقة تركيب الجملة عند الطفل، فهو يلتزم تركيبا محدوداً متأثرا بالطريقة التي تتكلم بها الخادمة، كذلك فان الخيال اللغوي عند الطفل يكون محدداً جداً.
دور مجامع اللغة العربية
أما عن دور مجامع اللغة العربية فيقول:
تتوزع مجامع اللغة العربية على اكثر من بلد عربي:
دمشق والقاهرة والأردن والجزائر وحيفا بفلسطين وأهدافها الحفاظ على سلامة اللغة العربية وجعلها تواكب متطلبات الآداب والعلوم والفنون الحديثة. وتوحيد مصطلحات العلوم والآداب والفنون، ووضع المعاجم، والمشاركة في ذلك، بالتعاون مع وزارات التربية والتعليم والمؤسسات العلمية واللغوية والثقافية داخل العالم العربي وخارجه.
وفي عام 1971 تم تأسيس اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية.
إلا ان ـــ ومع الأسف ـــ مجامع اللغة العربية لم تستطع ان تضع مقاربة موحدة لتعليم اللغة العربية لمختلف المستويات التعليمية وفي كل البلدان العربية، كذلك فانها فشلت في انشاء كليات اعداد وتأهيل معلمي اللغة العربية، او توجيه الدراسات اللغوية في مرحلتي الماجستير والدكتوراه بما يخدم واقع اللغة العربية، وايضا لم تنجح مجامع اللغة العربية في سد بعض الفراغات مثل إنشاء مكنز لغوي، او اختبار مقنن للغة العربية يقيس المهارات اللغوية كاملة.
حجر الرحى
ويبدو لنظر الفضلي أن حالة الانهزام السياسي والاقتصادي التي يعيشها العالم العربي انزاحت على الشأن الثقافي، والذي تعتبر اللغة حجر الرحى فيه، فأخذ الإنسان العربي ينظر نظرة دونية الى لغته ـــ المهزومة امام باقي اللغات، لا سيما الانكليزية ـــ وينظر الى متحدثيها نظرة دونية ايضا على سبيل جلد الذات، وتحميل اللغة العربية جزءا من مسؤولية التخلف الذي يعانيه الوطن العربي.
مشكلة المعلم
فيما يتعلق بدور المعلم يرى الفضبلي ان نجاح المعلم في أداء مهمته يحتاج الى تعليم وتأهيل متواصل قبل دخوله لمهنة التدريس، وخلال وجوده فيها وإقرار ما يسمى بــ «الرخصة التدريسية» على كل أستاذ تجديدها سنويا بعد اجتياز مجموعة من الاختبارات العلمية والعملية، كي تبقي المدرس على اطلاع مستمر بأحدث التطورات في مجال تخصصه.
ولو عدنا الى كليات اعداد المعلمين أو كليات التربية كما تسمى في بعض الدول العربية لوجدنا ان نسب القبول في هذه الكليات عادة ما تكون متدنية وتمثل الخيار الأخير للطلبة المقبولين للدراسة الجامعية، مما يعني ان مدخلات هذه الكليات ليست بالمستوى المطلوب، ومن جهة أخرى فان هذه الكليات تتخبط في اختيار النظريات التعليمية التي تتبناها.
ومن زاوية أخرى فان النظرة المجتمعية المتدنية لمعلم اللغة العربية، اضافة لضعف المزايا الوظيفية التي ينالها، وكثرة الاعباء التي تناط به والتي ليست لها علاقة بعملية التدريس جعلت الكثير من خريجي الثانوية العامة يحجمون عن الالتحاق بكليات التربية.
حلول مقترحة
عن الحلول المقترحة يقول الفضلي {المشكلة ليست في ابتكار الحلول بل في تطبيقها والحاجة الى قرار سياسي في تفعيل تلك الاقتراحات، لكن الساسة مشغولون جدا عن التفكير باللغة العربية، بل انها ليست على جدول اعمالهم اصلا}.
فما الحل إذن؟!
أعول كثيرا على زيادة الوعيين النخبوي والشعبي، فالنخبوي يتمثل في الأدباء من كتاب القصة والشعر ولو تأملنا المساحة الأدبية لوجدنا نماذج مشرقة كالأستاذ جاسم الصحيح الشاعر السعودي المعروف، والقاص العراقي علي بدر وبعض الترجمات الجميلة، لاسيما تلك التي تصدر عن المشروع أبوظبي للترجمة، وهذا سينعكس - بلا شك - على الجماهير.
اللغة العربية .. بين النخبوية والنظرة المتدنية
- التفاصيل