عبدالله آل ملحم
في كل جيل ومجتمع وبيئة يولد المبدع عادة وبين أصابعه قلم كاتب، أو ريشة فنان، يولد وحنجرته تترنم بالغناء، وقلبه ينبض بالشعر، وحتى حين يوافيه الأجل «يموت الزمار وأصابعه تلعب» تماما كما تمنى مصطفى أمين أن يموت والقلم بين أصابعه، وكما تمنت أم كلثوم أن تموت على خشبة المسرح!
المبدع حامل بريد، وأيا تكن وسيلته فمضمونها لا يخرج عن كونه رسالة يحملها للناس، والرسالة تدل على مرسلها، وفي هذا يتفاوت المبدعون، وكذلك الجماهير، على أن الكثرة ليست معيار الجودة دائما، جمهور الراقصة ليس كجمهور المنشد وجمهور طبيب تصح الأجسام بمداواته ليس كجمهور مروج يتلفها بمخدراته!
القاص والروائي لا يلجآن إلى الجنس عادة إلا لاتخاذه ثيمة ترويجية لاصطناع الجماهير، وهما لا يصلان إلى هذه المرحلة في الغالب إلا حين يفلسان سرديا، ولا يجدان ما يقدمانه سوى الجنس
وإذا كان من حق المبدع أن يكون له جمهوره، فالمبدع الشريف هو من يصطنع جمهورا شريفا، يكون منه بمنزلة المرآة من ناظرها، والمرآة لا تكذب حين تبرز حقيقة الواقف أمامها، وجمهور المبدع هم مرآته التي يرى نفسه فيها.
في الغناء مثلا لم تكن أم كلثوم وفيروز وسواهما من أيقونات الفن الأصيل تقدمان مع الغناء شيئا سوى الطرب واللحن الجميل، أما الدخيلات على الفن فيقدمن غناءهن مصحوبا بالإغراء والمتعة الرخيصة، ومُضمرهن إن لم يَطرب الجمهور لغنائي فلتطربه مفاتني، وجمهور أم كلثوم وفيروز لم يكونوا يبتغون شيئا سوى الفن، أما جمهور الأخريات فلهم مع الاستماع مآرب أخرى.
وفي ذات السياق فالقاص والروائي لا يلجآن إلى الجنس عادة إلا لاتخاذه ثيمة ترويجية لاصطناع الجماهير، وهما لا يصلان إلى هذه المرحلة في الغالب إلا حين يفلسان سرديا، ولا يجدان ما يقدمانه سوى الجنس، ليكون بالنسبة لهما صك إعسار سردي، يُعفيهما من تقديم أي إبداع لم يعد بوسعهما الإتيان به.
قطعا ليس المطلوب تجاهل الجنس وهو مُكون رئيس في حياتنا، بحيث يُعتسف النص لخدمة الجنس، والأولى أن يكون الجنس في خدمة النص وليس العكس، هذا إذا كان القاص والروائي يكتبان سردا، أما إذا كانا يرومان كتابة أفلام إباحية تُقرأ ولا تُشاهد فهذا شأن آخر!.
التعري علامة فقر وإفلاس، ولذا كان الإنسان يولد عاريا، ولكن مع نمو قدراته على الاكتساب تزداد رغبته في الاكتساء، حتى تظهر عليه علامات الغنى المعنوي بالقيم والمثل، والغنى الأدبي بالفضائل والأخلاق، وتلك ولا شك أهم ما يفتقده الكُتاب الجنسانيون.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
المبدع واصطناع الجماهير
- التفاصيل