أمريكا والصين والطفل الواحد
نهى علي
تشيردراسة لـ "مجموعة بوسطن للاستشارات", إلى أن أمريكا ستصبح أكثر جاذبية من الصين في مجال التصنيع. باعتبار أن الصين بدأت تتخلى تدريجيا عن مواصفات الجاذبية التي كانت تتمتع بها سابقا و هي رخص أجور العمال التي تخفض تكلفة التشغيل.
السبب كما أرجعته الدراسة يعود إلى سياسة الطفل الواحد المفروضة لعقود طويلة في الصين, التي أنتجت ظاهرة غير مسيوقة و غير متوقعة ألا وهي تراجع اعداد الأيدي العاملة.
بشكل عام, ستتعارض ظاهرة العائلة الصينية الوحيدة الطفل, مع خطط الحكومة المستقبلية في الاحتفاظ بسمعتها على أنها المصنع الرخيص التكلفة. حيث بينت الدراسات التي تترصد الواقع الصيني, أن هناك تراجعا كبيرا في أعداد العمال وهذا الأمر سيؤدي إلى نتيجة حتمية, تتمثل في ارتفاع متزايد في رواتب شغيلة المصانع القادرين على العمل.
والنظر إلى الأرقام الرسمية الصادرة, فقد شهدت مدن الصين الكبرى ومناطقها الصناعية, زيادة ملحوظة في الرواتب تخطت 10 في المائة. ففي العام الماضي ارتفع متوسط الرواتب في مدينة مثل شنغهاي 14 في المائة وبأكثر من 28 في المائة في محافظة شو نجكوينج, المعروف عنها أنها منطقة ذات أجور منخفضة, وهي المحافظة التي اعتبرت من أكثر الجهات جاذبية, للكثير من المصانع الصينية التي افتتحت مراكز لها هناك في السنين الماضية.
باتت الصين تشهد تحولات متلاحقة لاتقتصر فقط على الأجور, وإنما على مستوى العملة الوطنية التي أخذت تسجل معدلات ارتفاعات تدريجية. حيث تم رفع مستويات الفائدة على اليوان لخمس مرات منذ بداية العام. في مقابل ذلك يبدو أن الأمر مختلف في أمريكا خصوصا مع ارتفاع إنتاجية القطاع الصناعي الأمريكي، والتراجع البطيء في قيمة الدولار. هذه التباينات بين البلدين ستعيد النظر في جدوى نقل المصانع إلى الصين. اعتمادا على تلك الدراسة, فإن بلاد العم سام أخذت تتحول تدريجيا لأن تكون أكثر جاذبية من حيث ازدياد هامش الربح وانخفاض التكلفة وغيرها من المكاسب الاقتصادية التي كانت تجنيها الشركات والمصانع الأمريكية في بلاد التنين الأصفر. فقد أخذت حسابات الجدوى بعين الاعتبار التغير في التكلفة, ففي 2005 كانت تكلفة العمل في الصين تمثل 34 في المائة من مصروفات التشغيل الموجودة في أمريكا، لكن هذه التكلفة ستقفز إلى قرابة 70 في المائة بحلول 2015. الدراسة لم تدرس كل ولايات أمريكا بل ركزت على الجنوب الأقل تكلفة في كل الأحوال.
إذا بحسب دراسة معهد بوسطن, فإن اعتماد أمريكا لقواعد العمل المتبعة في ولاية مسيسيبي الجنوبية ستنتج تكاليف أقل لأن الولاية الأمريكية الجنوبية, تعتمد على قوانين عمل متساهلة واتحادات عمال أقل تنظيما مما يعني مطالبات أقل بحقوق الشغيلة. لكن يبدو أن نموذج ميسيسيبي قد أوحى للعديد من الشركات العالمية مثل فولكس فاجن، وبي. أم. دبليو، وهوندا وغيرها, للانتقال إلى الجنوب حيث تغيب الاتحادات العمالية، وتنخفض أجور العمل. وحتى ألمانيا التي تصنع منتجاتها المتطورة داخلياً بتكلفة تزيد بـ 50 في المائة عن التكاليف في الولايات المتحدة، لجأت أخيراً إلى الجنوب الأمريكي لتقليص تكلفة الإنتاج، ليبدو في النهاية وكأن الولايات المتحدة تتجه لتصبح قاعدة عالمية للإنتاج الرخيص على حساب أجور العمال.

JoomShaper