الدستور - إسراء خليفات
نجد أن هناك الكثير من يناقض نفسه في القول أو الفعل أو السلوك، فنراه يتحدث عن التواضع وهو معروف بقمة الغرور.
وآخرون يتحدثون عن كيفة التعامل مع الناس وهم أبعد ما يكونون عن حسن المصاحبة، أو الدبلوماسية او حتى الآدب.
تناقضات كثيرة نراها في البشر بطرق مختلفة وبدرجات متفاوتة، منها ما هو مرئي وواضح ومنها ما هو مخفي إلا انه يجمعهم التناقض في الفعل والقول واسلوب الحياة
تقول منار فوزي: «ان التناقض ينشأ من عدم القدرة على التعبير صراحة بالرأي، او حتى التصرف بعفوية وتلقائية، فهو يعتقد أن عيون الناس تترصد له ولأخطائه، فيضطر لوضع أقنعة تناسب الظروف، وهذا يبعث في الشخص الشعور بالقلق النفسي الدائم، ومع الوقت فإنه لا يحصد سوى نظرات الشك بأقواله وأفعاله، وغيرها من نظرات اجتماعية سلبية لمن يتصف بهذه الصفة.
عباس قادر أشار الى أنه من أحد أسباب التناقض عدم الثقة بالنفس، لأنه ليس لديه الثقة الكاملة بأقواله او حتى أفعاله، فهو عاجز عن المدافعة عن افكاره وتصرفاته، وهذا ما جعل أقواله مسايرة، لأنه عاجز عن التعبير الصريح عما يجول في نفسه، فهو يمارس ما يريده الناس منه دون أن يلتفت الى ما يريده هو، فهو أداة طيعة في يد الآخرين.
صفة متأصلة
أما سميرة ناصر فإنها تعتبر أن التناقض الذاتي يعد طبيعة موجودة في كل البشر بأشكال مختلفة وطرق كثيرة مبينة ان السبب الأكبر في ذلك ربما يكون نتاج التركيبة التي تكون منها الانسان.

وتتسائل:» أليس الفجور والتقوى صفتين متأصلتين في الإنسان؟»

وتقول سميرة ان اقرب الامثلة للتناقض الذي نعيشه ونواجه فيها معظم مشاكل حياتنا هو مشاعر الحب للآخرين فهي مليئة بالتناقض في النفس وفي الكلام فإن الشخص المحب عندما ينفرد بنفسه يبدأ بطرح الأسئلة حول نفسه والمحاورة عن هذا الحب والمحبوب، وبشكل آخر عندما يكون مع محبوبه نجد له كلام مغاير عما كان يفكر به فهذا يدل على التناقض الذاتي اللارادي. وتضيف أحيانا نشعر بالسعادة وتارة نشعر بالحزن، أحياناً نشعر بالانطلاق وأحيانا يكون الانطواء والانعزال اسلوبنا، اليوم فلان صديق، وغدا يصبح عدوي اللدود وهكذا، وختمت حديثها قائلة: أليست هذه صور من صور التناقض.

وأكد شادي مازن ان التناقض صفة متأصلة في شخصية الإنسان، فهي في جوهر وصميم شخصيته، مؤكدا ان الوئام، والتناقض، والتصالح صفات مكونة لشخصيته، ويقول: «إن خطورة التناقض تكمن بعدم قدرة الإنسان على الانسجام الذي قد يقود الشخصية الإنسانية في حالاتها القصوى إلى الانفصام أو تتحول إلى آداة لتدميرشخصيته بكثرة العتاب والملامة.

ومن جهة اخرى يقول ظاهر خالد: «اننا نناقض أنفسنا حيال أمور كثيرة، وهذا التناقض يفتح لنا أبوابا لممرات لم ندخلها قط، فالهدف منه يكمن بجس نبض الآخرين وربما لنتلمس بأطراف أصابعنا فكر الغير ورأيه بشأننا فنعرف ردة فعله لنكون ردات لأفعال تتناسب مع هذه الاكتشافات».

مبينا ان طبيعة الحياة في الوقت الحالي هي ما تجعل الشخص يضطر الى اظهار فعل يختلف عن القول او العكس صحيح ايضا، فمن غير الممكن ان يظهر الشخص للآخرين طريقة عيشه واولاده، من حيث الفوضى، وعدم الانضباط، واللامبالاة في أمور الحياة المختلفة، انما يجتهد لأن يبين لمن حوله الحياة التي هي في أحلامه وكيف يتمناها ان تكون ويريدها، ومن هنا يلجأ الى التناقض واحيانا قد يصل الى حد «التنظير في معاملة الأبناء».


أوهام وأكاذيب
وذكرت باسمة يوسف انه من اصعب الامور في الحياة التعامل مع شخص يناقض نفسه وطريقة حياته وهذا يدل على عدم القناعة بحياته بشكل عام فهو يدرك الخطأ الذي يمارسه في اسلوب حياته، فحياته قصة محاكة حول الأوهام والأكاذيب، متسائلة: كيف يمكن له أن يكون صادقاً مع غيره؟

وتشير باسمة الى ان التناقض بين القول والفعل هو عيب يتعايش معه البعض ويتخذه منهجا وفي كثير من المهن نرى أشخاصاً يوجهون النصح والإرشاد في وقت يقدمون هم على أفعال تتعارض مع ما يطلقونه من شعارات .

وقال زيد علي: «هناك فجوة كبيرة بين ما أقول وبين ما أفعل، وهذا الضعف متأصل في الطبيعة البشرية التي في بعض الأحيان تحكمنا وتجبرنا الى هذا التناقض بالإضافة الى الاشخاص الذين من حولنا الذين يفرضون علينا استخدام طرق مغايرة لأسلوب حياتنا»، مؤكدا أنه لم ير الى الآن الشخصية المثالية التي يمكن وصفها بأنها تتمتع بأحادية الموقف والرأي، أو القول والعمل.


التعايش معه
يقول د. حسين الخزاعي استاذ علم اجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية : ان التناقض الذاتي ما بين القول والفعل ظاهرة أصبحت جزءا من واقعنا الاجتماعي نتعايش معه بأية طريقة كانت وهو ما يدل على غياب التناغم داخل الانسان وهذه ظاهرة نفسية ولها أبعاد اجتماعية ، خصوصا أن سلوك الانسان يعكس فكره الشخصي ، وبين د. حسين ان الظهور في عدة شخصيات في المنزل والعمل والشارع منتشر بشكل كبير بعيدا عن وجود الشخصية الأحادية.

JoomShaper