حنان مطير
لم يعد غريباً على ناظِرنا أن نرى الأصدقاء أو الأقارب وعائلاتهم مُجتمعين في سهرة أُنسٍ أو جَمعة طعام دون أن يفصل بين رجالهم ونسائهم فاصلٌ..لاسيما أن كثيراً من البيوت حديثة البناء اتَّخذت نظاماً "أجنبياًً" في تشييدها ففُتِحت بعض الغُرف أو المطبخ على بعضها البعض.. ومما لم يعد غريباً أيضاً أن هيئة المرأة وردائها وحجابها داخل البيت أصبحت مختلفة عن هيئتها خارج البيت، فمن تلك التي ترتدي "جلباباً شرعياً" في بيتِها لاستقبال الضيوف؟! إنه لأمرٌ نادرٌ جداً وغير مألوف اجتماعياً عند الكثير من السيدات، حتى وإن طُبِع على مجتمعنا سمة "المُحافِظ" ولكن هل يقبل الشرع بذلك؟ ما موقفه من الاختلاط بين تلك العائلات سواء كانوا أقارب أو أصدقاء، وسواء كانت علاقتهم الاجتماعية قوية أم مجرد مجاملات.. "فلسطين" أجابت عن تلك الأسئلة بالحديث مع الدكتور ماهر السوسي أستاذ الفقه المقارن في الجامعة الإسلامية في هذا التقرير:يقول د. السوسي "إن الشرع أباح الاختلاط بين أقارب العائلة لأن العلاقات الأسرية لها احترامها وأهميتها والتي يجب أن تكون أقوى من غيرِها من العلاقات"، ولكن بشروطٍ لا غنى عنها مهما كانت الظروف والأسباب والتي ذكرها د. السوسي بقوله:"لابد أن يُرَاعَى في تلك العلاقات والزيارات قواعد الأخلاق والآداب والالتزام بستر العورات سواء في اللباس أو الحديث أو الحركة، فتبتعد النساء عن التبرج والتزين والتعطُّر والنظر بشهوة وغيرها من الأمور التي تُبدي المفاتن وتنشر الفتن، وهذا الأمر لا يقتصر على النساء فقط، بل على الرجال أيضاً مراعاة كل تلك الآداب والأخلاق".
أما اجتماع الأصحاب فغير جائز ولا داعي له حسب ما أوضح د. السوسي، مضيفاً:"وإن كان لضرورةٍ مُلحِّةٍ فيجوز ولكن لابد فيه من أخذ الحيطة والحذر، ومراعاة كل الشروط السابقة"، منوهاً إلى أن الضرورة تقدر بقدرها".
وردا على البعض الذي يرى أن عدم جواز اختلاط الأصدقاء سببٌ في قطع العلاقات الاجتماعية يقول د. السوسي:" يجب ألا نتجاوز ما حرَّمه الله لأجل ردّ زيارةٍ أو ردّ هديةٍ، فالزيارةُ غير محرمة إنما الاختلاط فيها مُحرَّم، والأصل والمباح هو الفصل بين الجنسين، ففي الفصل لا يكون مجال لتخطِّي حدود الحرام بنظرةٍ أو كلمةٍ أو فِكرٍ أو غيره من الأمور المُحرَّمة والتي غالباً ما يكون نتيجتها أموراً لا يحمد عقباها..".
التساهل يوقِع في الحرام
إحدى النساء اللواتي اعتدن على الاختلاط بين أصدقاء العائلة مبررةً ذلك بطبيعة نظام البيت الذي لا يمكن فيه الفصل بين الزائرين تقول:" في الغالب لا يمكنني الفصل بين أصدقاء العائلة، خاصة أن زيارتهم بالعادة لا تأخذ وقتاً طويلاً وتكون في فترات طويلة متباعدة ولمناسبة معينة ضرورية، كما أن زوجي رجلٌ ملتزم ولا يصادق إلا الملتزمين دينياً، وهذا ما يجعلنا مطمئنين لتلك الزيارة رغم الاختلاط"، وترَى أنه طالما كان الوازع الديني والخشية من الله كان مغروسين في قلب الإنسان فإنه لن يحيد عن الصواب ولن يجعل من الاختلاط سبباً في وقوعه في الحرام.
د. السوسي: لا يجوز اختلاط "الأصدقاء وعائلاتهم" إلا لضرورة مُلِحَّة
وتعليقاً على الرأي السابق، فإن د. السوسي يحذِّر من التساهل في أمر الاختلاط بين الأصدقاء وعائلاتهم، مشدداً على ضرورة محاربته والقضاء عليه وعدم خلق المبررات له، قائلاً:"ليس من الضرورة أن يأتي الصديق برفقة زوجته عند زيارة صديقه، وليس من الصعب أو المشين أن يرسل زوجته للمباركة لصديقتها وتأدية الواجب دون أن يكون برفقتها فيحدث الاختلاط، بل في ذلك تفادياً للوقوع في الحرام وامتثال لأمر الله جلَّ جلاله.
مقارنة حدّ الطلاق
ومن المعروف أن الإسلام ما حرَّم شيئاً إلا لحكمةٍ بالغة، فإن كثيراً من المشاكل الزوجية التي تحدث بين الأزواج يكون سببها الاختلاط، الذي يفتح الباب أمام الأزواج للمقارنة بين الزوجة وصديقتها أو الزوج وصديقه، وليس أدلّ على ذلك من تلك المرأة التي استاءت علاقتها بزوجِها ووصلت حدّ الطلاق بعد أن كثُرت زيارة صديقتها وزوجها لهما، الأمر الذي جعل الزوجة تقارن بين طريقة حديث زوجها وحديث زوج صديقتها فتكتشف أنه أكثر لباقة وأكثر عناية ورومانسيةً لزوجته! ليثير الشيطانُ حفيظتَها وتصل بها الغيرةُ إلى أن تطلب الطَّلاق لأنها لم تحصل على حقّها الزوجي كاملاً –حسب وجهة نظرها!
بين الخشيةِ من ارتكاب الحرام.. والخروج عن نَسَق المجتمع اختلاط "الأقارب".. مُباحٌ بشروط
- التفاصيل