تشمل المظهر والحالتين النفسية والعقلية
هشام أحناش
مزاولة الهوايات والأنشطة خارج البيت تفيد الآباء المسنين (إ ب أ)
كل ربيع يعقبه خريف، وكل خريف يغشاه الحنين إلى خضرة الربيع ونضارته. ولعل وصول الأبوين إلى خريف العمر يجعلهما أحوج ما يكونان إلى دعم ورعاية وخفض لجناح الذل والرحمة. فأيام خريفهما قد تغدو شديدة القساوة والرتابة إذا لم يجدا من يهتم بهما في لحظات ضعفهما ووهن عودهما في الوقت الذي يشتد فيه عود الأبناء ويصلُب بفضلهما. وهو ما يستدعي من منطلق العرفان ورد جزء من الجميل ببذل الغالي والنفيس للبر بالأم والأب عندما يشتعل رأساهما شيباً، وتوقير ذلك الشيب عبر وصالهما والتودد إليهما ورعايتهما في كل الظروف والأحوال. وتتعدد طرق الإحسان للوالدين عند الكبر. فإذا من الله عليك بنعمة ملازمة والديك وقت شيخوختهما تحت سقف واحد، فأنت من أكثر المحظوظين، وإذا أبعدتك ظروف الحياة عنهما، فهناك طرق لمتابعة حالتهما والاطمئنان عليهما.
هل تعرف ما إذا كان أبواك المسنان ناجحين في الاعتناء بنفسيهما؟ لمعرفة ذلك حاول أن تطرح على نفسك سبعة أسئلة عندما تزور أحدهما أو كلاً منهما، ثم اتبع عند الضرورة خطوات عملية لمساعدتهما على التمتع بصحة جيدة والحفاظ على استقلاليتهما.
أسئلة مشروعة
◆ أولاً: هل أبواك المسنان يهتمان بنفسيهما؟
◆ أعرْ انتباهاً كافياً لمظهر أبويك. هل يرتديان ملابس نظيفة؟ هل يبدو أنهما يهتمان فعلاً بنفسيهما؟ فالإخفاق في مواصلة القيام بالأنشطة اليومية الروتينية مثل الاستحمام وغسل الأسنان بالفرشاة والمعجون وغيرهما من أنشطة العناية بالمظهر ونظافة الجسم يمكن أن ينبئ ببعض المشكلات كالخرف أو الكآبة أو العلل الجسدية. ولا تنسى أيضاً الانتباه إلى حال بيت أبويك. هل أحد أضوائه معطل؟ هل مكيف التبريد والتدفئة يعمل جيداً؟ هل حمامات ومراحيض البيت نظيفة؟ هل عشب الحديقة المنزلية مشذب أم مُهمل؟ فكل تغير في الطريقة التي يفعل بها أبواك شيئاً ما في أرجاء البيت أو حوله يمكن أن تكون بمثابة ترمومتر يعكس حالتهما الصحية. فمثلاً، أوعية وأواني الطبخ المحروقة قد تعني أن الأبوين ينسيان إزالة أواني الطهي على الموقد أو الفرن بعد نضوج الطعام. وإهمالهما لترتيب أغراض البيت أو القيام بالأعباء المنزلية قد يكون علامةً للكآبة أو الخرف أو مشكلات أخرى.
◆ ثانياً: هل يشعر أبواك المسنان بفقدان جزئي أو كلي للذاكرة؟
◆ كل شخص منا ينسى شيئاً ما أو أشياء من وقت لآخر. وتُعد المشكلات البسيطة للذاكرة من الأشياء المألوفة التي تُرافق الإنسان في مرحلة الشيخوخة، وأحياناً يحدث النسيان بسبب الآثار الجانبية الناتجة عن تناوُل أدوية ما، كما قد يفقد الشخص الذاكرة بسبب إصابته بمرض ما. غير أن هناك فَرْقاً بين التغيرات الطبيعية التي تحدث على مستوى الذاكرة، ونوع فقدان الذاكرة المرتبط بمرض “الزهايمر” وأنواع أخرى من الخرف. ولذلك يجب أن تتبين ما إذا كان أبواك يعانيان مشكلات طفيفة في الذاكرة لا تتجاوز مظاهرها نسيان بعض الأمور من حين لآخر كنسيان موعد ما أو مكان وضع المفتاح أو محفظة النقود أو دفع فواتير الماء والكهرباء، وما إذا كان الأمر يتعدى ذلك بنسيانهما كلمات عادية عند التحدث أو التيه والضلال في أحياء مألوفة أو عدم القدرة على اتباع الاتجاهات واللوحات الإرشادية. وإذا ساورك القلق بشأن ذاكرة أبويك المسنين، فلا تتردد في أخذ موعد مع طبيب مختص من أجلهما لتقييم حالة كل واحد منهما بدقة.
◆ ثالثاً: هل أبواك المسنان آمنين في بيتهما؟
◆ قم بجولة نهارية وليلية حول منزل أبويك، ولاحظ ما إذا كانت هناك أي تحركات مشبوهة أو مقلقة. واسأل الجيران وسكان الحي أو مركز الشرطة المحلي عن مدى وقوع حوادث سرقة أو اعتداء في الحي الذي يقطنه أبواك. ولا تنس سؤال أبويك عما إذا كانا يجدان صعوبةً في صعود درج ما أو سلوك طريق وعر أو ضيق في أي من أزقة الحي. واسألهما أيضاً عما إذا كان أي وحد منهما تعرض لحادثة سقوط في الآونة الأخيرة، وكذلك عما إذا كانا يستطيعان قراءة إرشادات الاستعمال على أوعية الأدوية أو لواصق محتوياتها.
◆ رابعاً: هل أبواك المسنان يشعران بالأمان أثناء السياقة؟
◆ قد تكون قيادة السيارة أحياناً تحدياً للراشدين الكبار، فما بالك بالراشدين المسنين؟! وإذا كان أبواك يشعران بالارتباك خلال القيادة أو انتابك القلق بشأن قدرتهما على القيادة بأمان، فحاول إقناعهما بالتوقف عن القيادة أو استأجر لهما سائقاً خاصاً، أو أقنعهما بأن يستقلا المواصلات العامة كالحافلات أو القطارات أو سيارات الأجرة، فذلك سيجعلهما يتحركان بأمان، مع عدم التفريط باستقلاليتهما.
◆ خامساً: هل نقص وزن أبويك المسنين؟
◆ إن نقصان الوزن بشكل تلقائي ودون فعل ما يؤدي إليه قد يكون مؤشراً عن وجود خلل ما. وبالنسبة للأبوين المسنين، فإن نقصان الوزن قد يحدث بسبب عوامل عدة من بينها:
◆ إيجاد صعوبة في الطبخ. فقد يفتقد أبواك للطاقة اللازمة للطبخ، ويجدان مشقةً في تحمل أعباء المطبخ من تحضير الأواني والأوعية الضرورية أو قراءة لاصقات المحتويات أو التوجيهات المدونة على أسطح المنتجات الغذائية.
◆ فقدان الذوق أو الرائحة. قد يكون أبواك غير مهتمين بالأكل إذا كانت رائحة الطعام أو مذاقه ليسا كما اعتادا عليه في السابق.
◆ الإصابة بأمراض مسبقة. في بعض الأحيان، يكون نُقصان الوزن نتيجةً حتميةً لسوء التغذية أو الإصابة بالخرف أو الكآبة أو السرطان.
وإذا كنت قلقاً بشأن نقصان وزن أبويك دون وجود سبب واضح لذلك، فسارع إلى أخذ موعد مع طبيب مختص لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء ذلك.
◆ سادساً: هل أبواك المسنين يتمتعان بمعنويات عالية؟
◆ تحلى بالدقة في ملاحظة مزاج أبويك ومعنوياتهما ومشاعرهما. فتغير النظرة إلى الحياة أو تقلب المزاج بشكل حاد قد يكون علامةً عن الكآبة أو وجود مشكلات صحية أخرى. ولذلك، احرص على التحدث إلى أبويك بشأن عاداتهما اليومية واسألهما عن الأنشطة والهوايات التي يمارسانها أو التي يفتقدان مزاولتها، واسألهما أيضاً عما إذا كانا ما زالا يتواصلان مع أصدقائهما، وما إذا كان يشتركان في نواد أو مؤسسات مدنية. أما إذا لم تُسعفك إجاباتهما عن هذه الأسئلة في الاطمئنان على مزاجهما، فلا تتردد في أخذ موعد مع طبيب متخصص لتقييم حالتهما. فالكآبة كما هو معلوم قابلة للعلاج في أي مرحلة عمرية.
◆ سابعاً: هل يستطيع أبواك المسنان التجوال والسفر؟
◆ انتبه إلى الطريقة التي يمشي بها أبواك. هل تخونهما أقدامهما عند الخَطْو؟ هل يعجزان عن المشي لمسافات طويلة؟ هل يمنعهما التهاب مفاصل الركبة أو الورك من التجول في أرجاء المنزل أو حواليه؟ هل يستخدم أي واحد منهما عكازاً أو جهاز مساعدة على المشي؟ فقضايا مثل ضعف العضلات وآلام المفاصل من شأنها أن تجعل التحرك والتجوال صعباً. وإذا كان أبواك لا يثبتان على أقدامهما عند المشي، فقد يتعرضان لخطر السقوط والذي قد يتسبب لهما -لا قدر الله- في كسر في العظام الواهنة مسبقاً، فتُصيبهما عاهة هما في غنى عنها.
خطوات إجرائية
هناك الكثير من الخطوات التي يمكنك اتباعها لتتأكد أن أبويك المسنين مرتاحان ويتمتعان بصحة جيدة، حتى لو اضطرتك ظروف العمل أو غيرها إلى العيش بعيداً عنهما بمسافات. ويُمكنك البدء باتباع الخطوات الآتية:
◆ تقاسَم مع أبويك شجونك. تحدث إلى أبويك بصدق وصراحة. فمعرفتهما بأنك قلق بشأن صحتهما قد تكون حافزاً يدفعهما إلى الاهتمام أكثر بصحتهما من أجلك، فأنت الكائن الوحيد في الكون الذي يحبانه أكثر من نفسيهما، ولذلك فقد يقتنعان بضرورة زيارة الطبيب أو معاودة أنشطة ما أو تغيير عادات معينة من أجلك، فأنت قرة عين كل واحد منهما. ولا بأس من إشراك أشخاص آخرين ممن تهمهم صحة أبويك كأحبائك أو أقربائك وأصدقائك أو حتى الاختصاصيين في الحوار بشأن أنسب الطرق لضمان تمتعهما بصحة جيدة وعيش ما تبقى لهما من عقود أو سنوات أو أشهر أو أيام باطمئنان وسلام وإقبال على الحياة.
◆ شجعْ أبويك على القيام بفحوص طبية منتظمة. إذا كنت قلقاً بشأن النقصان غير المبرر لوزن أبويك أو تعكر مزاجهما أو إصابتهما بأحد الأعراض النفسية السلبية، فخذ بيديهما وتوجه إلى أقرب عيادة لإخضاعهما لفحوص من أجل الاطمئنان على حالتيهما، وشجعهما على الانتظام في مراجعة الطبيب في حال لم تُسعفك ظروف عملك أو سكنك بعيداً عنهما في مرافقتهما كل مرة، ولكن بعد أن تُوصي قريباً ما على مرافقتهما بدلاً عنك أو حتى لترتيب موعد لهما وتذكيرهما به، ثم احرص على أن تُتابع شخصياً نتائج فحوصهما وزياراتهما.
◆ اهتم بقضايا تخص سلامتهما. ذكر أبويك بأي قضايا تهم سلامتهما داخل المنزل أو خارجه، ثم ضع خطةً تُساعدهما على تفادي حدوث أي مشكلات قد تهدد سلامتهما أو على معرفة كيفية التعاطي معها. فمثلاً، قد يلجأ أبواك إلى استخدام كرسي أو مسند ما للوصول إلى شيء ما فوق خزانة الملابس أو أحد رفوف المطبخ العالية أو حتى رفوف الحمام، وهو ما يستلزم منك تزويدهما بأدوات مساعدة تُعينهما على ثبات أقدامهما عند الاضطرار في استخدام كرسي أو مسند ما للوصول إلى شيء عال، كما يمكنك اختصار الطريق عليهما عبر جعل كل ما قد يستعملانه في متناول أيديهما، وذلك لوقايتهما من مخاطر السقوط.
◆ استعنْ بخدمات الرعاية المنزلية. فإذا كان أبواك المسنان يجدان صُعوبةً في الاعتناء بنفسيهما وحدهما، فاستأجر لهما مُساعداً أو مُساعدةً مُرخصة لتدبير أعباء البيت من تنظيف وطبخ وغسيل، وحتى مرافقتهما في جولاتهما لمساعدتهما على الوقوف أو الجلوس أو القيام بأية حركة عند الحاجة. فوجود مُساعدة اجتماعية في البيت، يُعين الأبوين المسنين على الاستمرار في ممارسة أنشطتهما اليومية المألوفة والاهتمام بمظهريهما ونظافة جسميهما.
◆ اتصلْ بالطبيب للاستشارة. فإذا تجاهل أبواك قلقك بشأنهما، فتواصلْ مع الطبيب لأخذ موعد من أجل جلسة استشارة، أو حتى التشاور عبر الهاتف. فأفكارك ستُساعد الطبيب لا محالة على وضع يده على المشكلة، ومن ثم توصيف العلاج المناسب لها في الزيارات التالية التي يحضر فيها الأبوان. وتذكر أن الطبيب قد يحتاج إلى التأكد من أنك تملك الحق في متابعة حالة والديك ورعايتهما، وهو ما قد يتطلب أحياناً توقيعاً مفوضاً منهما يُخولك التحدث باسمهما.
- اطلب المعونة والمشورة من الجهات المهتمة برعاية المسنين. فالمراكز التي تُعنى برعاية المسنين تكون لديها خبرات متراكمة في التعامل مع المسنين، الأصحاء منهم والمرضى. ولذلك يمكن القيام بزيارة إلى أحد هذه المراكز وإجراء نقاشات مع مسؤوليها ومنتسبيها الإداريين لإفادتك بنوع الخدمات التي يحتاج إليها أكثر كل أب أو أم في مرحلة الشيخوخة. كما يمكنك الاستعانة بوكالات الخدمات الاجتماعية التي تهتم بتقييم حاجات الآباء المسنين وتزويدهم بما يحتاجون إليه من خدمات بشكل متواصل مثل إرسال مساعدين اجتماعيين بدوام جزئي أو كامل- حسب رغبة الأبوين أو ابنهما- أو وضع سائق رهن إشارتهم لنقلهم إلى الأماكن التي يرغبون في زيارتها.
- في بعض الأحيان، لا يتقبل الآباء المسنون كونهم بحاجة إلى مساعدة داخل البيت، كما أن البعض الآخر يكون غير مدرك أنه في حاجة إلى مساعدة. ولذا فإن دور الأبناء يبدأ من إقناع الوالدين بتقبل فكرة كونهما بحاجة إلى مساعدة الآخرين، وتذكيرهما بأنك تهتم بهما ومستعد للقيام بأي شيء من أجل رؤيتهما يتمتعان بصحة جيدة وبراحة بال في الوقت الحاضر وفي الأيام والأشهر والسنوات، وربما العقود القادمة، ولعل تلك هي الطريقة الوحيدة لجعل خريف عمرهما ربيعاً.
عن موقع “mayoclinic”
7 أسئلة مهمة تساعد الأبناء على رعاية الآباء
- التفاصيل