د.ديمة طارق طهبوب
قال ابن المبارك، وهو مع جيش المسلمين في إحدى الغزوات: (أتعلمون عملاً أفضل مما نحن فيه؟) قالوا: (ماهو؟) قال: (رجل ذو عائلة قام من الليل فنظر إلى صبيانه نياماً متكشفين فغطاهم بثوبه).
موجعة هذه القصة أمام منظر الأطفال السوريين الخدج الثمانية عشر الذين قُطعت عنهم الكهرباء في الحاضنات ليموتوا في مهدهم دون ذنب اقترفوه إلاّ أنّ آباءهم قالوا ربّنا الله.
لن يعيش هؤلاء الآباء والأمهات هذا الفرح والأجر المذكور في القصة الذي يساوي بين أجر تربية الأولاد والجهاد في سبيل الله، لن يحسّوا بمعنى الأبوة والأمومة فقد قُتل قرة عيونهم شر قتلة بعد أن كتب الله لهم الحياة فأبى شياطين الأنس إلاّ أن ينتزعوها منهم ويمارسون حقا لا يملكه إلاّ رب الأرباب، دون خوف أو وجل من عقاب!
كم حلم بدفء العائلة قد وُئد في هؤلاء الأطفال وأجسادهم متراكمة فوق بعضها وكأنّهم قمامة وليسوا روحا من روح الله أوصى بالرحمة بها والشفقة عليها، فجاء في الحديث النبوي "ليس منّا من لم يرحم صغيرنا".
كانوا أطفالا مثل أطفالنا وكان آباؤهم وأمهاتهم مثلنا إلاّ أنّ منسوب الكرامة كان أكثر ارتفاعا لديهم، وقد يجري على أطفالنا ما جرى على أطفال سوريا من بطش الطغاة المؤهل للتصاعد والاستمرار ما دامت الشعوب تطالب بحريتها، بطش لا يفرّق بين طفل بالكاد يتنفس أنفاسه الأولى وبين رجل أو شيخ قد تجرّع مرارة الحياة سنينا في ظل النظام الأسدي.
ولكنهم كانوا محقين في الخوف منهم، فأمهات وآباء أحرار سينقلون العزة والإباء إلى دماء أولادهم وسيخلُف الصغار الكبار في حب الوطن والتضحية من أجله.
هؤلاء الأطفال كانوا جزءا من المستقبل، والأرحام التي ولدتهم قادرة بأمر الله أن تنجب غيرهم، وكأنى بأجسادهم الطاهرة الغضة تنظر إلى الأمهات والآباء وتستدعي موقف حق آخر نظر فيه طفل إلى أمه أمام الأخدود وأنطقه الله في مهده بالحق ليشجّعها على المضي قدما ولو كان الثمن احتراقهما في سبيل الله قائلا "يا أمي اصبري إنّك على الحق".
يجب أن يكون لنا ثأر خاص مع النظام السوري لأنّه جعلنا نستشعر أنّ العدو الإسرائيلي، وكنّا نظنّه أبشع وأقسى وأظلم من على وجه الأرض، رحيما إذا ما قورن بهم وبطغاة العرب أجمعين، لنا ثأر خاص معه لأنّه جعلنا نوسّع دائرة دعاء كنّا نخصصه لأعدائنا فقط ليشملهم "اللهم يتّم أطفالهم كما يتّموا أطفالنا ورمّل نساءهم كما رمّلوا نساءنا ودمّر بيوتهم فوق رؤوسهم كما دمّروا بيوتنا".
لا بد أن عيونكم ستدمع لمنظر الخدج القتلى إن كان بك أيّ قطرة من إنسانية، وإن كان حالنا الآن كحال سيدنا موسى يوم استنكر قتل الرجل الصالح للطفل بغير جريرة أو إثم أو جناية إلاّ أننا نرجو أن يثمر الصبر مع الله وبالله عن ذات الجزاء لأهل سوريا أجمعين، "فأراد ربهما أن يبدلهما خير منه زكاة وأقرب رحما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا"
وماذا نفعل للأسد إن نزع الله الرحمة من قلبه؟!
- التفاصيل