لکاتب : د. فوزية الدريع         
حين قمتُ بتأليف كتاب "اللمس"، أدركت من خلال بحوث عالمية، أهمية حاسة اللمس. ومن ضمن ما عرفته أن لمس الآخرين، حتى الغرباء، قد يجعلك وبسرعة تكسب ثقتهم ورضاهم. ومن الأبحاث الطريفة التي جرت في الغرب، أنّه طُلب من نادلة، أن تضع يدها على كتف الزبون، بينما نادلات أخريات لا يفعلن ذلك، والنتيجة أنّ الزبون الذي لامسته النادلة أكل أكثر، وأبدى رضاهُ عن الأكل عندما سُئل بشكل مباشر عن رأيه، كما أنّ الذين تم لمسهم أعطوا بخشيشاً أكبر.
نحنُ البشر، وبإثباتات علميّة، حين نعيش من دون لمس نَمْرَض إلى درجة الموت، وخاصة الأطفال. فالطبيعة لمس، والجنين في بطن أُمّه ميّال إلى أن يلمس ويتلامَس مع المياه. بالتالي، فالأمن والأمان من بدايته قائم على اللمس. إنّ حاجة اللمس حاجة نفسية صحية، تتجاوب معها كل الأعضاء، وتُغيّر نفسية الإنسان. وهذه الحالة موجودة عند النساء والرجال، وإن كان ملحوظاً أنها حاجة أكبر للنساء، وإلا لماذا نسمع منهنّ صرخة "لا يلمسني.. لا يحضنني"؟ وبعض العلماء، من شدّة حاجة الإنسان إلى اللمس، قالوا إنها غريزة بقاء. الذي نعرفه، أن لمس إنسان يجعله يقترب منك ويثق بك. وفي تجارب وجدوا أنه منذ الستينات يضع رجال الأعمال والسياسة في أوروبا وأميركا، حين يتحدثون، أيديهم على أكتاف بعضهم بعضاً، وعلى أذرعهم، أو على ظهورهم. ومازلتُ أذكر صوراً للرئيس بوش الابن، وهو "يُطبطب" على ظهر رئيس وزراء بريطانيا، وتعليقات الصحف بأنّه يعطيه الأمان كأب. وربما، من نعمة الله علينا نحنُ العرب، أنّ اللمس عندنا، مثل بعض الشعوب التي فيها حميميّة التلامُس والاحتضان والتقبيل، فطرة وتلقائيّة.
لكننا سنُركّز على أكثر صُوَر اللمس وجوداً بين الشعوب، كلغة شائعة للتواصُل.
فحين بحثت عن أصل كلمة "مصافحة" في المعاجم، وجدتُ أنها مشتقة من "الصفح"، أي الغفران والتسامح. فنحن حين نتصافح نغفر لبعضنا بعضاً، ونقبَل أحدنا الآخَر. فانظُر أي مدى هو مهم أن تمدّ يدك لتصافح الآخر.
وفي دراسة وجدت أنه حتى تكون مصافحتك ذات ثمار إيجابية لك، يجب ملاحظة أنواع من المصافحة وهي:
· لمصافحة الكاملة: التي تضع فيها يدك في يد الآخر، بحيث كون الإبهام تتراكب مع إبهام الشخص الآخر، حتى تبدو اليدان متطابقتين.
· المصافحة الضاغطة: هي المصافحة السابقة ذاتها، ولكن لجعل تأثيرها أكبر يكون هناك قدر من الضغط. وهذه الحالة توفّر رسالة لاشعورية معناها: أنا أريد أن أقترب منك أكثر.
· المصافحة الطويلة الذكية: وهي المصافحة الثانية ذاتها، ولكنها تأخذ مساحة وقت أكبر، وهذه تُوصل إحساس الألفة وتدعو إلى سرعة المعرفة وإلغاء الكلفة.
· المصافحة التوثيقية: وهذه أقوى مصافحة، حين تكون يدك مُطبقة على يد الآخر، مع هَز اليد، بينما يدك الأخرى على كتفه أو ذراعه. إنّه مشروع تآلف قوي جدّاً، ويختصر عليك مسافة التقارُب مع إنسان.
لكن، وبكل أسف، على الرغم من روعة المصافحة، فإننا أصبحنا الآن أكثر وعياً صحيّاً، وأكثر خوفاً، لعلمنا أنّ اليد تنقل الأمراض. وحتى لهؤلاء الخائفين نقول: صافح وعقّم يدك، فأوراق سوائل التعقيم أصبحت في كل شنطة.

JoomShaper