أ. د. عبدالكريم بكار    
حين نكون في مقتبل العمر في مرحلة ما قبل النضج يغمرنا اعتقاد بأنّ السعادة تكون في الصحة والجمال والمال وكل الأشياء التي يمكن أن نستحوذ عليها، وحين ننضج وتظهر لنا الأمور على حقيقتها نكتشف على سبيل التدرج أنّ السعادة في العطاء وفي جعل الناس حولنا سعداء.
في مرحلة ما قبل النضج نظن أنّ العطاء العظيم يكون في إطعام الطعام وتقديم المال لمن يحتاج إليه، وحين نكبر، وننضج، يتبين لنا أنّ العطاء الحقيقي ليس عطاء المال، وإنما أشياء أخرى أهم من المال أتعرفون ما هي يا بناتي وأبنائي؟ إنها أشياء تتصل بالروح والعقل والخبرة والوقت:
- نحن نعطي عطاءً حقيقياً حين ندعو بإلحاح لأخً في ظهر الغيب.
- نحن نعطي عطاءً حقيقياً حين نعفو عمّن أساء إلينا، وتصبح قلوبنا صافية ونقية نحوه. - نحن نعطي عطاءً حقيقياً حين نقبل عذر من يعتذر إلينا، ونقيل عثرته.
- نحن نعطي عطاءً حقيقياً حين نقدِّم فكرة عظيمة، تغير حياة إنسان نحو الأحسن والأفضل.
- نحن نعطي عطاءً حقيقياً حين نحفز على الخير والنجاح، ونقدم التشجيع الصادق.
- نحن نعطي عطاءً حقيقياً حين نكون مواطنين صالحين، نسهم في حمل أعباء الوطن.
- نحن نعطي عطاءً حقيقياً حين يشعر مَن يحتك بنا أنّ الحياة تكون رائعة حين يكون في جوارنا.
- نحن نعطي عطاءً حقيقياً حين نتنازل عن شيء من وقتنا لتقديم خدمة أخوية.
- نحن نعطي عطاءً حقيقياً حين نقدِّم الاحترام لمن لا يستحقه؛ وذلك لأن طبيعتنا تأبى غير ذلك.
يقول أحد الفلاسفة: "هبة الأشياء ليست ثمينة كهبة الأفكار، بل إنّ الخواتم والجواهر وكل الأشياء النفيسة التي نقدمها لمن نحب ليست هبات حقيقية، ولكنها اعتذار عن الهدايا الحقيقية، الهبة الوحيدة الحقيقية هي بضعة من النفس". تأملوا يا بناتي وأبنائي قول الله – تعالى –: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر/ 10)، وقوله (ص): "دعوة المرء لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك المؤكَّل به: آمين ولك بمثل"، إنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يكونوا يملكون المال – باستثناء حالات قليلة – ولم تكن الأشياء هي أعظم ما قدموه لأممهم، لكنهم قدموا الرؤية والمنهج والأفكار والأهداف والغايات الكبرى، وعلى هديهم سار كل المصلحين والربانيين على امتداد تاريخ أُمّة الإسلام.
ماذا يعني هذا بالنسبة إلى أبنائي وبناتي؟
إنّه يعني الآتي:
1- اعملوا كل ما في وسعكم من حولكم، فذلك قمة العطاء.
2- حين نقدم لمسلم خدمة بإخلاص، فإنننا في الحقيقة نقدمها لأنفسنا؛ لأننا بذلك نتأهل لاستقبال فيوضات الرحمن الرحيم.
3- لا تخافوا من نجاح زملائكم، فهو نجاح للأُمّة، وأنتم جزء منها.

4- التبسم وحسن الاستقبال والتعاطف والاهتمام والمودة من أكثر ما يحتاج إليه الناس، وهو أكثر ما ينبغي أن نجود به.
المصدر: كتاب (إلى أبنائي وبناتي خمسون شمعة لإضاءة دروبكم)

JoomShaper