الرسالة نت – أحمد عوض الكومي
تزينت أم قيس بأزهى الثياب صبيحة أول أيام عيد الفطر المبارك، وفرشت أرض البيت بفاخر السجاد، ومائدة الضيوف زينتها بحلوى ومكسرات وكعك وما اختلف من العصائر.
بعدها انشغلت بإلباس أطفالها الثلاثة ملابس العيد التي تورمت قدماها ذهاباً وإياباً داخل السوق كي تواكب الموضة وتظفر بأرقى الموديلات، وأعطت كل واحد منهم "العيدية" ثم أذنت لهم باللعب مع أطفال الجيران وأوصتهم بالمحافظة على نظافة ما لبسوا.
وجلست أم قيس ترتقب وصول المهنئين من الأقارب والأحباب، وحقيقة الأمر أنها تنتظر بفارغ الصبر زيارة والدها وأخوتها، فبهم تفتخر وبمجلسهم تسعد.
تردد المهنئون ودارت عقارب الساعة لتنتصف الشمس في كبد السماء ويرتفع آذان الظهر وأم قيس تنتظر وتنتظر. وما هي إلا دقائق حتى أتى قيس من بعيد مسرعاً ليخبر والدته وهو يلهث بوصول جده وأخواله، وما كان من "المشتاقة" إلا أن انتفضت من مجلسها وأخذت ترتب ثيابها وغطاء رأسها لاستقبال "الغوالي".

دخل الأهل البيت واطمأنوا على أختهم وداعبوا أطفالها ووزعوا "العيدية" عليهم، وما هي إلا دقائق حتى نهضوا جميعاً يعتزمون المغادرة بحجة الإنشغال في زيارة آخرين وأن الوقت أمامهم قصير!.

سارعت أم قيس لمنع أهلها من المغادرة، وتوسلت إليهم بارتشاف قليل من القهوة على الأقل أو تذوق شيء من الحلوى وكعك العيد، لكن دون جدوى.

خرجوا وخرجت الفرحة من قلب أم قيس، فتجهيزاتها للعيد ولبساها الجديد لم يشفعا لها بالجلوس ملياً مع والدها وأخوتها، وأخذت تتساءل: أهذه صلة الأرحام التي أمر الله بها، دقائق ويمضون، ما هذا؟!.

قصة أم قيس ومثيلها كثير، يصح أن يطلق عليها "ظاهرة"، فلا يلبث المهنئون يدخلون بيوت الأقارب في الأعياد حتى يأذنوا بالخروج سريعاً، وتجد غالبيتهم لم يلتقط أنفاسه بعد ويريد أن ينهي عبء "صلة الأرحام" والعيد ما زال في أول أيام.

جميعنا يعلم أن صلة الأرحام واجبة، وهي قُربة لله عزوجل حث عليها شرعنا المجيد، لقوله تعالى: " وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ"، وقوله (ص): "من أحب أن يبسط له فى رزقه، وينسأ له فى أثره فليصل رحمه"، بيد أن الكثير غافل عما إذا كانت الدقائق المعدودة في زيارات الأعياد تعد صلة رحم أم ماذا؟! لذلك كان واجباً سؤال أهل الذكر.

يقول الدكتور ماهر الحولي أستاذ الشريعة بالجامعة الإسلامية إن المسألة لا تتعلق بالوقت إنما بحسن الضيافة والاستقبال والبشاشة.

وأكد في حديثه لـ "الرسالة نت" أن الوصال يتحقق بالمشاهدة والمصافحة والوصول إلى البيت.

ويعرف الحولي صلة الرحم بأنها مفهوم أساسي نص عليه الدين الإسلامي، والمقصود منه عدم القطيعة بين الأقارب، والحث على زيارتهم.

ويسرد أستاذ الشريعة الإسلامية أموراً تتحقق بها صلة الرحم، وهي: الزيارة، بأن تذهب إلى الأقارب في أماكنهم، أو الاستضافة، بأن تستضيفهم عندك في مكانك.

وأيضاً تفقدهم والسؤال عنهم والسلام عليهم: تسأل عن أحوالهم سواء سألتهم عن طريق الهاتف أو بلغت سلامك وسؤالك من ينقله إليهم، أو أرسلت ذلك عن طريق رسالة.

وكذلك إعطاؤهم من مالك سواء كان هذا الإعطاء صدقة إذا كان الموصول محتاجاً أو هدية إن لم يكن محتاجاً, وقد ورد أن النبي قال : (إن الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة) رواه النسائي واللفظ له والترمذي وحسنه.

وزد على ذلك، توقير كبيرهم ورحمة ضعيفهم، وإنزالهم منازلهم التي يستحقونها وإعلاء شأنهم، وعيادة مرضاهم، وإتباع جنائزهم، وإجابة دعوتهم، إذا وجهوا لك الدعوة فلا تتخلف إلا لعذر، وسلامة الصدر نحوهم فلا تحمل الحقد الدفين عليهم، وإصلاح ذات البين بينهم, فإذا علمت بفساد علاقة بعضهم ببعض بادرت بالإصلاح وتقريب وجهات النظر ومحاولة إعادة العلاقة بينهم، وأخيراً الدعاء لهم، وهذا يملكه كل أحد ويحتاجه كل أحد.

JoomShaper