لها أون لاين
بعد عقود من استحواذ فئات محددة على مقاليد الإعلام في العديد من الدول العربية، وتوجيهه باتجاه واحد يتسم بالإقصائية والتعالي عن هموم المجتمعات الحقيقية، ومحاولة طمس الهوية وحصر وظيفته في تلميع شخصيات وهيئات منتقاة بعناية والتغطية على الفساد، ومحاولة رسم صورة نرجسية عن المجتمع ترضي صاحب القرار ولا تكدر صفو سعادته؛ بعد هذه العقود أتيح شيء من الحرية – للجميع – عبر الإنترنت، وقد جاهدت عدد من الدول في منعه أو تأخير وصوله لمجتمعاتها، خشية أن يعكر الأجواء على الإعلام التقليدي. اليوم أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي وسائل إعلام ويأتي على رأسها تويتر (Twitter) الذي أسهم في إيجاد مناخ للحرية الإعلامية يمكن وصفه بأنه بلا سقف؛ وقد ساهم هذا الموقع عبر خدماته المتعددة في إشعال ثورات وتأجيج أخرى، واستطاع أن ينقل هموم الناس، ويجعلهم يتشاركون في حل مشكلاتهم؛ ويوصلون صوتهم - الذي طالما خنقه الإعلام التقليدي عبر فلترته وتدقيقه – للمسؤول الذي لم يجد عذراً بالجهل يمكن أن يقدمه لمن يطالبه بإنجاز أو إصلاح.
مع فوائد موقع التواصل الاجتماعي (Twitter) العديدة إلا أنه أفرز سلبيات لا يمكن أن نغض الطرف عنها؛ لأنها ستولد ثقافة مجتمعية غير مسؤولة خصوصاً على المدى المتوسط، إذا ما أخذنا في الاعتبار أن معظم المغردين من جيل الشباب، وكثيرين منهم يغردون بأسماء مستعارة. وبعض المغردين تجاوز مرحلة الشباب، إلا أنه لا زال بعقلية المراهقين، أو بعقلية الإعلام التقليدي الذي يريد فرض رأيه.
من أبرز هذه السلبيات التي يزخر بها (Twitter) نشر الإشاعات والأخبار دون تثبت، بل إنشاء الوسوم ( الهاشتاقات #) لقضايا أو بأسماء أشخاص لمجرد ورود خبر في مواقع الإنترنت، أو مواقع التواصل الاجتماعي؛ وغالب هذه الوسوم تنضح بالسباب والاتهام، أما عن سوء نية وتصفية حسابات شخصية وتشويه متعمد، أو عن سوء فهم لكلام الآخرين أو عن حسن نية في تبني موقف دون التأكد من مصداقية الأخبار والنقولات؛ والقرآن الكريم قد حدد مبدأً عظيماً في التعامل مع الأخبار ورد في قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) (الحجرات:6) ويتأكد ذلك حين الحديث عن الأعراض أو الدين.
ومن سلبياته أيضاً نقل بعض القصص وتناقل الصور ومقاطع الفيديو ونشر أخبار الجرائم وتفاصيلها بصورة قد ترققها أو تطبِّعها في المجتمع، وقد تبعث على اليأس في قلوب المصلحين والناصحين، وقد تبعث على التشاؤم تجاه الواقع وأن الفساد والانحطاط مستشرٍ في المجتمع، ولا يمكن القضاء عليه أو الحد منه، وكل هذا قد يدخل في قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (النور:19).
ومن سلبياته أيضاً انشغال الناس بعيوب بعضهم وتتبع عوراتهم وتصيد زلاتهم، حتى أصبح ديدن كثير من المغردين ضرب كلام الناس ببعضهم، واجتزاء كلام من سياقه في محاولة لإثبات تناقضٍ أو إثارة شحناءٍ، بدل التغريد بالمفيد أو الممتع.

هذه السلبيات الثلاث جزء من سلبيات كثيرة يحفل بها (Twitter) وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي؛ وتكمن خطورتها في أنها تصبح مع مرور الوقت سمة ملازمة للمستخدمين، مما قد يجعله مضراً أكثر مما ينفع، إن على المستوى الفردي أو المجتمعي؛ الأمر الذي ربما دعا بعض المتضررين منه – أفراداً ومجتمعات وحكومات - إلى التحذير منه.
مسؤوليتنا جميعاً أن نجعل من مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال الحديث أدوات ترسّخ قيم الألفة والتآخي والتعاون على البر والتقوى، لا أن تكون معاول هدم لأواصر المحبة وسكاكين تذبح القيم النبيلة، وتنحر الأخلاق الفاضلة بمسمى حرية الرأي وحق التعبير، ولن يكون ذلك بمجرد سن القوانين والأنظمة التي ثبت عجزها وتأخرها أمام التقنية الحديثة. بل ربما ساهمت في وأد الحراك المنضبط وكبلت الحرية المسؤولة.

JoomShaper