رانية طه الودية
تُعتبر اللغة إحدى وسائل الاتصال بين البشر, فعادة ما يتم التواصل بين البشر عن طريق التحدث بينهم بلغة يفهمها المرسل والمستقبل.
إلا أن لغة الجسد لكونها لغةً مشتركة بين البشر جميعاً على اختلاف أجناسهم ولغاتهم, تُعد من أقوى وسائل الاتصال لما تحمله من رسائل تعبيرية صامتة, فهي العملية التي من خلالها يتم التعرف على الأفكار والمشاعر. دون استخدام الكلمات, بل برموز نرسلها من أعضائنا تحل مكان الكلمات عند استقبال الآخرين لها.
وهي أسلوب لتوصيل معلومة أو فكرة لشخص آخر دون تحريك اللسان، وتستطيع هذه اللغة توصيل المعلومة دون علم صاحبها حتى وإن أراد أن يُخفيها بلسانه, فإنه لا يستطيع أن يُمسك جسده كي لا يبوح به . وقد قال في ذلك علي رضي الله عنه (ما أخفى امرؤ شيئاً إلا ظهر على فلتات لسانه, أو قسمات وجهه).
ولا تُعد هذه اللغة وليدة الحضارة, إذ إن أول درس قُدم للبشر كان عبارة عن مشهد تعليمي صامت قدمه الغراب لقابيل عندما قتل أخيه. ليُريه كيف يواري جسده.
وكذلك استخدمه سيد البشر في بعض أحاديثه, فعبر برموز و إشارات للدلالة على معنى عظيم فقال صلى الله عليه وسلم "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهكذا، وأشار بالسبابة والوسطى"رواه البخاري.
وفيه دلالة على القرب منه صلى الله عليه وسلم في الجنة.
وفي القرآن مشاهد كثيرة تصور حالاً أو موقفاً بلغة الجسد منها:
قوله تعالى: (ثُمَّ نَظَرَ ( 21 ) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ( 22 ) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ ( 23 )) سورة المدثر.
وهي عبارة عن مشهد متكامل يُصور للقارئ الصورة بكل ما تحمله من تعبيراتٍ جسديةٍ ناتجةٍ عن حالةٍ شعوريةٍ نفسيةٍ تجاه الموقف.
ولكون هذه اللغة كثيراً ما تصدر لا شعورياً في أثناء حديثنا وحياتنا اليومية, فهي تمتاز بصدقها التعبيري و يصعب تزييفها, وقد ترافقها الكلمات لتأكد صدقها, فمثلاً :
لو تأملنا مشهدين، الأول: يُجسد لقاءنا بشخصية لا تحظى بالقبول والمودة لدينا, و آخر يصور لقاءنا بشخصية عزيزة تربطنا بها مشاعر الدفء والألفة. فالمُتأمل لكلا المشهدين يستطيع بسهولة معرفة الحالة الشعورية في كل مشهد, لا اعتماداً على الكلمات, فكلاهما يحمل في طياته المصافحة والسلام والترحيب كجزء من المنظومة الخلقية الاجتماعية لنا, إلا أن الصورة المُتكاملة في الموقفين تُشير بكل وضوح إلى مدى صدق عبارات الترحيب من كونها لا تعدو مجرد مجاملة, وذلك من طريقة المصافحة والتي تبدو وكأنها تصنع حاجزاً يمنعه من الاقتراب لمساحة قريبة من أجسادنا, بالإضافة إلى برود السلام بالكف, وصلابة الجسد وعدم انحنائه, مع ظهور الابتسامة المصطنعة والتي تبدو من جهة واحدة من الوجه, أو بشكل بارد أو مبالغ فيه لإخفاء المشاعر الحقيقية مع تغير لون الوجه وذلك في المشهد الأول.
أما الآخر فتبدو في قسماته المشاعر الصادقة الفياضة, مما يجعل السلام بالكف أكثر حرارة، ويبدو الجسد مائلا للأمام دلالة على القرب والمحبة, وتعلو كل الوجه ابتسامة تجعل الوجه أكثر استبشارا.. فأعضاؤنا تتحدث حتى لو صمتت أفواهنا.
فلغة الجسد عالم يستحق أن نسعى للتعرف على قاموس مفرداته لفك رموزه؛ لنتواصل بشكل أكثر فاعلية، فنستطيع قراءة الكثير من مشاعر ومقاصد من حولنا كالكتاب المفتوح أمامنا.
وقد بينت دراسة لعالم أمريكي يُدعى ألبرت ميهرابين أن التواصل يتم 7 % فقط بالكلمات, و 38% بنبرات الصوت 55% عن طريق لغة الجسد.
وتُعد المرأة أكثر قراءة وملاحظة لما يصدر عن الآخرين من حركات جسدية وإيماءات وإشارات خاصة وما يدعم هذه القدرة لديها, ويضيف لها قدراً من الدقة, خبرتها في التواصل غير الشفهي مع أطفالها وفهم احتياجاتهم قبل انطلاق اللغة لديهم.
ومن المهم أن ندرك أن لغة الجسد ترتبط ارتباطاً وثيقا بالثقافات في المجتمع. فإشارة ما قد تعني في ثقافة بعض الشعوب معنى مختلف تماماً عن الثقافة الأخرى.
و قد تحمل بعض هذه الرموز طابعاً تفسيرياً موحداً, فجميعنا قادر على تفسير مشهد الغضب من ملامح الوجه, ومن نظرات العين وتقطيب الجبين ولون الوجه إلا أننا لنكون أكثر دقة وموضوعية في فك رموز من نشاهدهم علينا أن نأخذ النقاط التالية بعين الاعتبار:
- أن نعمل على تفسير الإيماءات والإشارات مجتمعة, فاحمرار الوجه قد يدل على الخجل أو الغضب مثلاً, ولا يُفسر بالغضب إلا باجتماع العلامات الأخرى.
-يُفضل ربط الإيماءات باللغة اللفظية ليكون التفسير أكثر دقة.
- قراءة الإيماءات والحركات الجسدية في سياق الموقف الذي قامت فيه.لذا فيمكننا القول إن قراءة لغة الجسد أفضل جهاز لقياس الحالة المزاجية لدى الآخرين, لجعلهم كتابا مفتوحاً سهل الفهم والاستيعاب, فرُب إشارةٍ أبلغ من عبارةٍ, ورُب نظرةٍ أصدق بالتعبير من جمل
لغة الجسد.. اللغة الصامتة
- التفاصيل