هدى الدباس
عندما يلتحق أبناؤنا في سلك التّعليم فهذا بمثابة ميلاد جديد نعيش جمال لحظاته بكلّ لهفة و اهتمام، ونتوق نحو التميّز والعطاء، ونعيش زخم المشاعر عندما ينطلق الأبناء في فضاء أوسع في رحاب التّعليم العالي؛ فثمّة نور بزغ من ميلاد جديد آخر أكثر روعة وجمالاً، فنرنو لإشراقة منبثقة من وحي العلم والبصيرة.
لكن تخبو شعلة النّماء والعطاء عندما نُصدم ببعض القرارات اللاّمسؤولة من بعض المسؤولين داخل أروقة الجامعة، بما يتنافى مع أعظم مبادئ الطّلبة والطّالبات، وبذلك تسلب بعض حقوقهم، والتي هي ركيزة للتّحصيل العلمي الذي يتطلّب المناخ الصّافي الخالي من الشّوائب المكدّرة لعمليّة التّعلم، والتي من أسسها صفو الذهن وراحة النّفس وقوة التّركيز، ولن يتحقّق هذا عندما يُفرض عليهم ما يتنافى مع دينهم ومبادئهم، وهذا ما حدث -وللأسف الشديد- في جامعة من جامعاتنا التي أراد لها من أسندنا بعض أمر بناتنا وفلذات أكبادنا لهم ظنًّا منّا أنّهم أهل للمسؤوليّة ولكن خابت ظنوننا، ودهشنا بفعلهم المشين، حين أدخلوا الرّجال لتدريس الطّالبات، وكأننا عُدمنا الأكاديميّات والكفاءات في جميع التّخصّصات، لكنّها سياسة حيكت بليل، وأصدر الأمر من غير شورى بينهم!!
ِلمَ؟ أليس لنا من الأمر شيء!!
أم أنّنا نُساق سوْقًا لحتفنا في ديننا؟

أليس من حقّ الطّالبة أن تُعطى حقّها وفق ما تقتضيه حقوق الشّرع، و ما قامت عليه سياسة حكومتنا الرّشيدة؛ فتعليم البنات في المملكة إنّما قام على شروط اتّفق عليها كبار العلماء تقتضي الالتزام بحفْظ الفتاة، وصوْنها في مسيرتها التّعليميّة من كلّ شائبة.

إنّ تلك الخطط الممنهجة التي ظهرت بواكيرها في تغيير سياسة التّعليم وتحويره عن جادّته لم تعد خافية على أحد، وإنّما هي خطط تدريجيّة تؤول إلى فساد عظيم يلحق بمجتمعنا المسلم.

فقد كافح التّغريبون بشتى الوسائل ليلحقونا عنوة بركب الغرب حذْو القذّة بالقذّة، وتطبيق الأجندة الغربيّة المستوردة المهترئة، والتي لا تتفّق مع مبادئ الدّين وقيمه، وإنّما تسعى للعبث بثوابت الأمّة وزعزعة قيمها.

ولا يمكن تطبيق أيدلوجيّة العلمانيّة الغربيّة البغيضة التي ثبت فشلها الذّريع، وصاح منذر من عقلاء القوم الذين عانوا من بلاءات الاختلاط محذّرين من الوقوع فيه.

فهذه المؤلّفة (بفرلي شو) تذكر في كتابها "الغرب يتراجع عن الاختلاط" (أنّ الفطرة البشريّة السّليمة تؤكّد على ضرورة فصل الرّجال عن النّساء، خاصّة في المؤسّسات التّعليميّة، مشيرة إلى أنّ "العرف قد جرى في كثير من بلدان العالم بغض النّظر عن معتقداتها على عمليّة الفصل).

ولنا عبرة في بعض النّساء اللّواتي كنّ يطالبْن بالدّمج والمزج بين الجنسين من الرّجال والنّساء بحجّة الحريّة والمساواة منذ ربع قرن اختلفت نظريّاتهنّ إلى المطالبة بعكس ما كُنّ يسعين له، والرّغبة بسنّ القانون وتفعيله على أرض الواقع.

فلماذا لا نبدأ من حيث انتهى الآخرون؟ والسّعيد من اتّعظ بغيره.

إنّ سياسة الفرض والإجبار بقوة النّظام قمع للحريّة وسلب للحقوق المشروعة.

فما داعي تدريس الرّجال للطّالبات، وخرق أنثويّة جامعة خاصّة بالطّالبات؟ أم أنّ وراء الأكمة ما وراءها؟!

أيّها العقلاء، أفيقوا وذبّوا عن دينكم وأعراضكم، فلن يوقف هذا المدّ التّغريبيّ إلاّ إنكاركم ورفضكم له؛ فكونوا سدًّا منيعًا في وجه كلّ قاسم أمين جديد.

و لن نعدم وفينا المصلحون، لكن أين صوتهم؟!

JoomShaper