إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونصلي ونسلم على رسول الله محمد خير من عبد الله ووحده ونزهه ومجده..
أما بعد: أحبابي في الله.. ما أحوجنا في هذه الأيام ونحن نقف على طريق الدعوة أن نتذكر كيف ربى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أصحابه الكرام- رضوان الله عليهم أجمعين- على رباط من أوثق الروابط ألا وهو رباط الإخوة في الله، بعدما قاد أصحابه إلى واحة الإيمان في لقاء مغلق في الأرقم- رضي الله عنه- مربيًا قلوبهم على التوحيد، والقرآن المكي يتنزل عليهم فتسمو نفوسهم وتتعلق بالخالق عز وجل فذاك بلال- رضي الله عنه- العبد الحبشي عندما خالط قلبه هذا الإيمان وقف صامدًا أمام المشركين معلنًا عقيدته الراسخة (أحد.. أحد)، وذاك خباب بن الأرت (معلم سعيد بن زيد وزوجه فاطمة بنت الخطاب)، يصمد أمام تعذيب أم أنمار بعقيدة راسخة.. وذاك مصعب الخير الذي ترك الدنيا بزينتها وزخرفها والثياب المترف والعطر الفواح والفراش الهانئ كل ذالك ليس إلا لله الذي تعلق به قلوب المحبين والموحدين، العالمين بحقيقة الدنيا فأنعم الله عليهم بخيري الدنيا والآخرة.
وبعدما قوى رباط العقيدة في القلوب إذ خرج من هذه القلوب أدران وأمراض الدنيا من وهن "حب الدنيا وكراهية الموت" وصارت القلوب بين يدي المنعم فألف بينها بحول منه وقوة حيث قال اللَّهَ تعالى: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)﴾ (الأنفال).
فما أحوجنا أن نربي أنفسنا على القرآن المكي حيث تتعلق القلوب بالله والآخرة والجنة والنار والحساب والنشور وتطاير الصحف والوقوف بين يدي الملك، وهو ما خرج لنا جيلاً فريدًا من الصحابة والتابعين والسلف الصالح حتى في عصرنا هذا نرى المواقف كثيرة جدًّا ولا تخفى عليكم.
لكن نأتي بالمثال الواضح الذي يذكره كتاب الله تبارك وتعالى في سياق واحد، وهو: المهاجرون والأنصار.
فمن المعينات على طريق الدعوة:
1- حسن الظن: وهو واضح جلي من موقف أسرة آل أيوب من السيدة عائشة في حادثة الإفك فيقول لها: "أسمعت ما يقول الناس؟"، قالت: "نعم"، قال: "لو كنت مكان عائشة، أكنت تفعلين ما يقولون عنها؟، قالت: لا، قال: "فعائشة خير منك"، قالت: "وأنت لو كنت مكان صفوان، أكنت تفعل ما قالوه عن صفوان؟ قال: لا، معاذ الله، قالت: "فصفوان خير منك".
فكيف بحالك مع إخوانك إذا ما سمعت عن أحدهم شيئًا؟ فكر وأجب وراجع نفسك.
2- العفة فيما أيدي إخوانك:
ففي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: قدم علينا عبد الرحمن بن عوف وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع وكان كثير المال، فقال سعد: قد علمت الأنصار أني من أكثرها مالاً سأقسم مالي بيني وبينك شطرين، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فأطلقها حتى إذا حلت تزوجتها. فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك، دلني على السوق.
بالله عليك يا أخي أين هذه المعاني في أخلاقنا اليوم نتناول أموال بعضنا البعض ونماطل أحيانًا وندعي بأن هذا مال أخينا فأين العفة عن مال إخوانك وحياتهم؟.
3- تفقد أولاده وبيته في غيابه:
ونرى موقفًا ربما نرى مثله في حياتنا لما مات سيدنا جعفر ابن أبي طالب، ترك ثلاثة أطفال ضعفاء فقراء، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من يكفل أولاد جعفر؟" يقول الراوي: فخرج ثلاثة من الصحابة يتشاجرون: أنا يا رسول الله، بل أنا يا رسول الله.....
4- استر أخاك في حياته ومماته:
فيقول الإمام البنا في رسالة الأسرة: من وجد في أخيه شيئًا يتستر عليه شهرًا كاملاً ولا يخبر بما لاحظه أحد إلا رئيس الأسرة إذا وجد عجزًا عن الإصلاح ثم لا يزال على حبه لأخيه وتقديره إياه ومودته له حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولاً ومن ستر مسلمًا ستره الله ومن فضح مسلمًا.......... هذا أدب النبوة الجزاء من جنس العمل.
5- أن يحافظ على بيته ومعيشته:
ونرى ذلك في موقف فريد لسيدنا سلمان الفارسي (الباحث عن الحقيقة) وأخيه أبي الدرداء، وذلك فيما أقره الطبيب الأول للنفوس محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم "إن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا"- وفي رواية الترمذي: "وإن لضيفك عليك حقًّا"- ثم قال: "فأعط كل ذي حق حقه" فإن سلمان الفارسي رضي الله عنه فرغ من وقته يومًا وليلةً؛ ليعلم آخاه درسًا ينفعه؛ ليحافظ على بيته، قد يوقف الإنسان أشغاله، وحياته، ونظامه، كله من أجل أن يحافظ لأخيه على بيته، وقد يرى الإنسان مشاكل طاحنة في بيت أخيه، ولا يسعى لحلها وتمر حياته بصورة طبيعية، وهذا لم يفهم الأخوة على أنها مسئولية، توجب عليه التناصح، وبذل نفسك له، وقضاء حوائجه، حتى لو اضطررت إلى أن تقطع من وقتك، وتسافر لأخيك، أو تدخل معه في قضية من القضايا، تساعده في حلها، وهذا ما فقهه الصحابة عن الأخوة.
كلمة في أذن إخواني
لقد فقه المسلمون المخلصون أهمية الأخوة بين بعضهم البعض دون ارتباط بنسب، ولا مال، ولا مصلحة، فهِموا أنهم لن تكون لهم أمة، ولن يعبدوا الله حق عبادته، ولن يقوموا بأمر الاستخلاف كما ينبغي أن يكون، إلا بأخوة بينهم، ولا ينكر أحد قيمة الأخوة، والألفة في بناء المجتمعات الصالحة فلا أخوة بلا إيمان ولا إيمان بلا إخوة ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ (الحجرات: من الآية 10)
بالله عليك يا أخي ماذا تعني الإخوة لك؟ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
التربية الإيمانية وأثرها على الإخوة
- التفاصيل