الخميس 2018/05/17
التربية على الخوف والترهيب ليست حلا، بل هي هروب واستسهال. من السهل أن تخيف طفلا لكي لا يقترب من شيء ما أو لكي لا يأتي فعلا معينا، لن يحتاج الأمر لأكثر من جملة أو اثنتين، تقولهما بلا مبالاة، بينما أنت منشغل بمشاهدة التلفزيون أو بأعمال المنزل. النتيجة مضمونة أيضا، وفي وقت وجيز، فبمجرد خوف الطفل تنتهي المشكلة، لكن هل فكرت في نتائج ذلك على المدى البعيد؟
مع دخول رمضان تعود إليّ ذكريات الطفولة والصبا وتجربة أول يوم صوم مررت بها. لم تكن سهلة، رغم أنهم عودونا قبلها على صوم ساعات قليلة في اليوم، ثم التدرج من نصف يوم إلى يوم كامل.
أذكر أنهم كانوا يروون لنا حكايات غريبة عن عقوبة من لا يصوم رمضان من الأطفال، مثل أنهم سيضعون الثريد في فم الكلب ثم يعطونه لنا لنأكله، وكنا نصدق هذه الحكايات بتسليم مفرط

وخوف أيضا، فقد كان أشد ما يرعبني شخصيا هو أن أضطر إلى أكل ثريد ملوث بلعاب ومخاط الكلب، وهو ما خلف لدي إلى الآن علاقة معقدة مع الثريد والكلاب وأشياء أخرى.
خيال الأهل نشط جدا في ما يتعلق بقصص الترهيب والتخويف، فالبلكونة مغلقة لأن ثعبانا كبيرا جائعا يرقد بها ليل نهار، والدرج لا يجب الاقتراب منه لأن في أسفله توجد “أمنا الغولة” التي إن صادفناها في مزاجها المتعكر سوف تأكلنا وتطعم لحمنا لأطفالها الصغار، وتطحن عظامنا في رحاه.
الخزانة بها عفاريت وأشباح، والنافذة إذا فتحت سيدخل منها سارقو الأطفال وخاطفوهم، أما من يخرج في الشمس الحارقة إلى اللعب في الخارج بينما الكبار ينامون القيلولة فسيعرّض نفسه لخطر خطفه من قبل غراب عملاق، يأخذه إلى عشه ليأكله على مراحل.
أفلام رعب حقيقية، بعضها مستوحى من الخيال الشعبي وبعضها من الخرافات والقصص وأغلبها تفتقت عنه مخيلة الآباء والأمهات وإبداعاتهم بشكل عشوائي.
يرغب الآباء في حماية الأبناء عبر اختلاق رواية هذه القصص المرعبة، معتقدين أن الخوف كفيل بأن يجعلهم يحجمون عن الاقتراب من الأعمال أو الأماكن التي تشكل خطورة عليهم، وهي طريقة سهلة وتقريبا مضمونة، فبمجرد شعور الطفل بالخوف من شيء ما يبتعد عنه، لكنهم لا ينتبهون لمخاطر هذه العملية وانعكاساتها على سلوكهم وشخصياتهم في المستقبل.
الطفل الذي يتربى على الخوف والترهيب سيظل يحمل داخله بذرة ذلك الخوف إلى الأبد، فإذا صادف أن كان الطفل من ذلك النوع الحساس وصاحب الخيال الواسع، تتحول لديه هذه القصص إلى عوالم مرعبة وكوابيس، وتختلط لديه الحقيقة بالخيال.
البلكونة شرفة على العالم والحياة لا يجب أن نحوّلها إلى سجن أو غابة، والدرج سيأخذهم يوما ما إلى مجدهم ومستقبلهم، فلا نحوّله إلى هاوية، النافذة للحرية والتطلع والهواء النقي، وجدت لتكسر حاجز الجدران والعتمة، وليس من أجل أن يدخل السارق والخاطف، السماء واسعة ومليئة بالعصافير، عصافير ملونة مبهجة لا يجب أن تصبح غرابا أسود يسد الأفق.
البديل هو أن نأخذ احتياطاتنا اللازمة ونقوم بالتدابير الأمنية التي من شأنها أن توفر محيطا آمنا للطفل، فنغلق البلكونة والنافذة والخزانة وأدراج المطبخ بمفاتيح، ونغطي أزرار الكهرباء بأشرطة لاصقة، ونضع أمام الدرج حاجزا خشبيا، إلى غير ذلك، البديل أيضا وبالدرجة الأولى هو أن نقول الأشياء كما هي، وببساطة شديدة حتى وإن اعتقدنا أنهم لا يفهمون: لا تقترب من الدرج لأنك ستسقط وتكسر قدمك، لا تفتح النافذة لأن في ذلك خطر عليك، لا تمسك السكين، السكين يجرح ويسيل الدماء.
أما تحويل الخيال إلى كابوس والحياة إلى سجن والجميل إلى قبيح، وإعطاء المفردات التي يتعلمها الطفل لأول مرة، حمولة معنوية ودلالات مخيفة، فليس هو الحل.
لمياء المقدم

JoomShaper