إن أطفالنا هم أجمل ما نمتلك في حياتنا، لهذا علينا أن نزرع تلك النبتة ونحسن سقياها ووضع مضادات الآفات حتى تقوى وتشتد عودًا فتنبت لنا بعد ذلك فروعًا أكثر قوة وأحسن تمسكًا بالأصل، وهذا لا يتأتى إلا بتربية قويمة تعتمد على أساس راسخ من الدين، وهذا أيضًا لا بد أن يحاط بالحب والعطاء، فعبادة مثل الصيام عبادة محببة إلى الأطفال بطبيعتها، وإن خالطها بعض المشقة، فتجربتها وسط أسرة قويمة تؤديها معًا يجعل الأمر هينًا ويسيرًا.

فالصوم عند الأطفال يبدأ بعدد ساعات قليلة ثم يتدرج في الزيادة حتى ينتهي إلى الوقت المفروض، ويكون صيامهم محاطًا بالتحفيز والتشجيع والترغيب حتى يكبروا على حب هذه العبادة وينظروا إليها على أنها متعة، وتتخلل هذه العبادة عبادات أخرى كقراءة القرآن بصورة فردية أحيانًا وبصورة جماعية تارة أخرى، وربما حفظ بعض الآيات، وقراءة الأذكار، ومساعدة الوالدة على إعداد الطعام، ووضعه وقت الإفطار، كل هذه أعمال يفضل أن يعتاد عليها الطفل، ولسنا نأمركم بالحجر عليه بجعله يترك اللعب أو الترفيه عن نفسه، بل نساعده على وضع جدول مفيد يحقق له أكبر قدر من الثواب عند الله مصحوبًا بحب ذلك والتمتع بأدائه، بسبب الهدايا التي يتلقاها وبسبب رؤيته لذلك التعاون بين أفراد الأسرة، وبسبب معرفته أن الله سيجزيه جزيل الثواب

على مثل هذه العبادات.

فجميل أن تقرروا يومًا الخروج لإطعام بعض الصائمين، وأنتم تقفون أمام أحد الطرق أو المساجد وتحملون معكم بعض التمرات وربما بعضًا من العصائر، وتتنافسون على من سيحقق الرقم القياسي في إفطار الصائمين، أن تخص هذا الشهر الكريم بعمل غير معتاد، ولا مجال للخجل في مثل هذه المناسبات، فقط عليك أن تبدأ وسيزول ذلك الشعور بالخجل بعد تجربة يوم أو يومين، هي فقط عادة نحن من نعود أنفسنا عليها، وماذا إذا شاركنا أطفالنا مشاهدة كرتون تعليمي محبب لديهم في أثناء رمضان، كأن نحضر سلسلة تعليمية جذابة نأخذها من فيديوهات اليوتيوب، ونحفظها على جهاز الحاسب، حتى نتابعها جميعًا ونتناقش حولها ونتشارك، فيشعر الطفل بأننا نتشارك معه ما يحبه، فيشتد تمسكه بالصيام والدين بسبب كل هذه المشاعر الإيجابية والممتعة، وربما خرجنا يومًا معًا للإفطار عند قريب أو صاحب، وقد تدبرت مسبقًا مع هذا القريب أو الصديق أن تفعلوا شيئًا مختلفًا حتى لا يمل الأطفال ويشعروا بالضجر، فليست الزيارة رسمية كالمعتاد، بل زيارة حب وإخاء، يجد فيها الصغير قبل الكبير راحته، إذًا عليك أن تعد يومًا فريدًا يحبب الأطفال في صلة الأرحام أكثر، كأن تتشارك الأسرتان في إعداد الطعام، أو تتهيأ الأسرتان لعمل صلاة جماعية معًا، وفي أثناء ذلك اليوم يتم ممارسة بعض الرياضة في النادي، وربما كان الإفطار بأكمله في أحد الأندية، وربما سعيت إلى جعل الحوار ممتعًا بأن تتشاركوا بعض الألغاز المضحكة التي يستطيع أن يفهمها الأطفال وربما شاركوا فيها أيضًا، كل هذا يجب أن يكون في تفكيرك وذهنك، حتى تنبت أطفالك نباتًا حسنًا.

فلا يصح أن يكون نهارك متعكرًا في مثل هذا الشهر الكريم، فتورث أطفالك كره ذلك الشهر لا حبه، أو تلجأ فيه إلى النوم الطويل، وكأنه شهر الكسل لا النشاط والحيوية، وعليك ألا تأكل أمامهم بكثرة وأن تحضهم على عدم الإكثار في الأكل مما يؤدي إلى الشعور بالثقل، ومن ثمَّ تتلاشى القدرة على الذهاب إلى الصلاة أو القراءة أو التريض وغيرها من الأنشطة التي يمكن أن تفعلها في هذه الأيام المباركة.

كما أنه لا يصح أن يكون شهرك بكل تفاصيله أمام التلفاز، تنتقل من قناة فضائية إلى قناة أخرى، فهذا الأمر سيؤدي بلا أدنى شك إلى خسران شهر كامل من أفضل شهور العبادة ذلك دون النظر إلى خسارة باقي الشهور بطبيعة الحال، لأنك في أكثر الشهور أجرًا وأكثرها تجمعًا بأسرتك وعائلتك قد تركت الشهر يتفلت من بين يديك بهذا اليسر، فهل ستعوض ذلك في شهر آخر؟!

كما يجب عليك أن تعير صيام أطفالك انتباهك، فتشكرهم وتمدحهم على ذلك التقدم في عبادة الله، وأن الله سيحبهم حبا جمًّا بسبب تلك العبادات، وتربي فيهم تلك المشاعر المحسوسة ليعلموا أن الأمر ليس مجرد امتناع عن الطعام، أو زيادة في الطاعات والصلوات، بل هو توجه بكامل الوعي إلى الوصول لحب الله، وإرضائه ليمنحك الله الكثير من الخيرات في الدنيا والآخرة، ولا تكونوا كهؤلاء الذين يحادثون أولادهم بصيغة التبخيس والتنقيص من أعمالهم، فلا تقولوا لهم: صيام فلان أفضل من صيامك، لا تعودوهم المقارنة، بل عودوهم أن يكونوا كما يحبهم الله، الله يحب أن تتم صيامك كاملا، الله يحب أن يراك وأنت تسجد بين يديه وتدعوه، الله يحبك لهذا منحك يدًا وعينًا وقلبًا وجسدًا فأظهر حبك لله بإحسان طاعتك، تزيَّن عند خروجك للمسجد كأنك ستقابل أمرًا عظيمًا، لأنك بالفعل ستقابل من يحبك كثيرًا، ستلقى الله في بيته، ستلقى الله في المسجد، ولا تنس أن تتدبر آيات الله فهو يكلمك، ولا يصح أن تبتعد بأذنيك عن حديثه بأن تنشغل عن قرآنه بالتفكير في شيء آخر، واعلم أننا كأسرتك سنجازيك عن تلك الطاعات، لأننا أيضًا نحب الله، ونحب أن نراك وأنت تطيع الله، فاعلم أنك إن أحطت طفلك بالحب فسيتعلم أن يعطي الحب.

واجتنب تمامًا تهديده إن لم يصم، فقط احكِ له بعض قصص الصحابة التي ترفع الهمة، أو امنحه هدية، فقد روى البخاري ومسلم عن الربيِّع بنت مُعوِّذ قالت: " فَكُنَّا نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ وَنَذْهَبُ بِهِمْ إِلَى الْمَسْجِدِ وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ — أي القُطنِ — ؛ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ، أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإفطار"، فأنت تستطيع أن تشغل وقت طفلك بشيء يسير ينسيه جوعه — إذا كان صائمًا عن الطعام فقط أو ينسيه العطش والجوع إذا بدأ يقوى ويقدر على الامتناع منهما معًا — في تلك السنون المبكرة التي لا يدرك فيها الطفل تمامًا سر الصيام.

وهذا كله لا يعني أنك لا تستطيع أن تنكر على طفلك شيئًا ما، بل أنكر ما يفسده أو يضيع وقته بشكل مفرط، ولكن دون التوغل في درجات التعنيف، حتى تصل إلى كسر عظمة في جسده، بل افعل كما كان الرسول يفعل فقد جاءت النصوص آمرة بالإنكار على الصغار إن ارتكبوا محرمًا؛ فعن عمر بن أبي سلمة، قال: "كنت في حِجْر رسول الله — صلى الله عليه وسلم — وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي: «يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ».

فقد أظهر الرسول بعضًا من الحزم مستخدمًا لفظة غلام حتى ينصت جيدًا ويعلم أن ما يفعله خطأ.

بارك الله لنا ولكم في أطفالنا وأنبتهم نباتًا حسنًا.

JoomShaper