عمر إبراهيم
لقد خلق الله كل إنسان وأوضع فيه إمكانات وقدرات خاصة به، ولذلك تجد الناس يختلفون فيما بينهم في الصفات والقدرات والميول والمهارات، وأبناؤنا كذلك غير متشابهين سواء فيما بينهم أو مع آبائهم، قد تكون هناك بعض الصفات الموروثة ولكن لا يوجد ابن متشابه في جميع الصفات مع والده، ولذلك من الخطأ الكبير أن يعامل الأب ابنه على أنه مثله ويجب أن يطيع أوامره في كل شيء دون نقاش أو تحاور.
(إن أقدم حديث عرفه الإنسان هو حديث الأجيال، وهو عندما يأخذ طابع الحوار بين عقول الآباء الناضجة، وقلوب الأبناء المتفتحة، ومن قلوب الآباء المغمورة بالحب إلى عقول الأبناء المستعدة للفهم، عندها يصل حديث الأجيال بطرفي الآباء والأبناء سان هو حديث الأجيال، وهو عندما يأخذ طابع الحوار بين عقول الآباء الناضجة، وقلوب الأبناء المتفتحة، ومن قلوب الآباء المغمورة بالحب إلى عقول الأبناء المستعدة للفهم، عندها يصل حديث الأجيال بطرفي الآباء والأبناء إلى بر الأمان، أما حين يأخذ هذا الحديث طابع الأوامر العلوية الأبوية المطلقة، والنظرة الاستصغارية فإنه يتحول إلى صراع بين العقول المسيطرة المنغلقة للآباء، و العقول التابعة المتحجرة للأبناء، ومن القلوب القاسية الشديدة للآباء إلى العقول الرافضة للفهم للأبناء، ومن ثم فإنه لا يوصِّل إلا إلى المجهول) [اللمسة الإنسانية، محمد محمد بدري، ص (463)].
وإليك أيها الوالد بعض الوسائل العملية في معاملة ابنك حسب قدراته وميوله:
1- فكر بعقله:
إن على كل أب أن يراعي خطابه لطفله وأن يكون مناسبًا لعقله، فلابد أن نراعي الفروق بيننا وبين أبنائنا، وكذلك الفروق بين ابن وآخر فالطالب في الصف الابتدائي يختلف عن الطالب في الصف الإعدادي يختلف عن الطالب في الصف الثانوي فكل مرحلة لها صفاتها وخصائصها والتي تتطلب تعاملًا خاصًا بها، ونحن عندما نفشل في التعامل مع أبنائنا فسبب ذلك هو (أن هناك مسافة بين عقولنا وعقول أبنائنا، والواجب علينا أن نحسن اختيار وسيلة المواصلات المناسبة لاجتياز هذه المسافة، وطرق أبواب عقولهم بلياقة تناسب صاحب الدار، وأما منطق تهشيم الباب، فإنه لن يعطينا القوة بالدخول، بل إنه يحرمنا حتى إذا دخلنا أن نستطيع إحداث التحويل الإدراكي في عقول الأبناء) [صناعة النجاح، د. طارق السويدان- أ.فيصل باشراحيل، ص (164)، بتصرف يسير].
2- عندما تتيقظ الفطرة:
هناك مرحلة عمرية في الطفل يبدأ عندها بالتساؤل عن الأشياء التي حوله، وبالطبع لا يجد الطفل سواء أباه وأمه إلا أن يوجه لهم تلك الأسئلة، (حينها تكون فرصة ربانية يمكننا من خلالها تشكيل النفس، وتطوير الشخصية، ومن ثم إعادة تشكيل الإنسان المسلم العابد لله سبحانه، فحين يبدأ الطفل في التساؤل "السماء مدورة" ..لماذا؟ الشمس أكبر من القمر.. لماذا؟ أين تذهب الشمس في الليل؟ أين يذهب القمر حين لا يكون موجودًا في السماء؟ أين آخر الأرض؟ أو يسأل: كيف جئت إلى هذا الوجود؟ إلى مئات الأسئلة التي ليس لها إلا إجابة واحدة: الله هو الذي خلقها أو الله هو الذي جعلها هكذا.
فمهمة المربي هنا أن ينتهز الفرصة ويُعرِّف الطفل بإلهه الحق، ويربط مشاعره به ويعلق قلبه بالتطلع إليه والخشية منه، ولاشك أننا ربما قلنا للطفل أشياء لا يستطيع تصورها ولا تخيلها ولكننا مع ذلك لابد أن نلقيها في خلده حتى يتم إدراكها فيما بعد، وذات يوم حين ينضج عقله وتتسع مدراكه، فسيعلم أن تصوره لله سبحانه وتعالى في طفولته كان تصورًا ساذجًا وغير صحيح، ولكن الأثر التربوي الذي ارتبط بفكرته عن الله في طفولته سيبقى وسيتعمق ويرسخ ويقوم عليه بناء نفسي سليم) [منهج التربية الإسلامية، محمد قطب، (2/161-164)].
فهكذا يكون الخطاب للأبناء في هذا السن، وتخيل أيها الوالد الموفق إذا سأل طفل والده سؤال مثل: لماذا توجد الشمس في النهار ولا توجد في الليل؟! فإذا كانت إجابة الأب: لا تسأل هذه الأسئلة؟ أو ستعرف الإجابة عندما تكبر؟! فبهذه الإجابات يتعود الطفل على عدم سؤال والده عن شيء، وسيذهب ليبحث عن الإجابة في مكان آخر، وهذه هي الطامة التي يمكن أن تحدث للطفل، وفي مثل هذه المواقف من الممكن أن تكون الإجابات للطفل: الله هو الذي خلق الشمس وجعلها في النهار لأنه رحيم بنا ويحبنا! فبهذا يرتبط الطفل وجدانيًا ومشاعريًا بهذا الإله العظيم، وعندما يكبر الطفل سيعرف دور أباه في جعل قلبه يرتبط بالله سبحانه وتعالى.
3- فهم خاطئ:
بعض الآباء يظن أن ابنه من أجل تعليمه وترشيده إلى الطريق الصحيح يجب أن يسيطر عليه 24 ساعة، وعلى ابنه الانصياع التام لوالده وأن يطيعه في كل صغيرة وكبيرة، وهذا فهم خاطئ، فنحن نعم مسئولون عن أبنائنا ولكن هذا لا يعني (أن نعمل 24 ساعة لنطور سلوكهم، وإنما علينا فقط أن نعلمهم السلوك الصحيح ونضع لهم الحدود الضرورية لكي لا يتجاوزونها فيسيئوا إلى أنفسهم وإلينا، لا أن نحول حياتنا معهم إلى محاضرات عليهم الإصغاء إليها وتنفيذها، لأنهم سيتحولون بذلك إلى آلات مبرمجة، لا كائنات مستقلة لها قدرة على التفكير والإبداع، واتخاذ قراراتها بنفسها، وتحمل نتائج هذه القرارات.
إذ لا تتيح أكثر محاضرات الآباء للأبناء المجال للحوار بينهم، وبين أبنائهم، لأنها تكون على شكل أوامر تسير في اتجاه واحد فقط، ومهمة الأبناء أن يطيعوا دون أن يناقشوا، وهذا ما يدفعهم إلى أن يتظاهروا بالصمم أو يستعدوا لمواجهتنا بتحد واضح لما نسببه من استفزاز يومي لهم، وفي النهاية سنجد أنفسنا نقوم عنهم بأعمالهم بدل أن نعلمهم كيف يعتمدون على أنفسهم للقيام بها) [سياسيات تربوية خاطئة، محمد ديماس، ص(84)].
4- الرحمة بالأبناء:
إن من أهم الأشياء الواجب على الوالد فعلها هو أن يكون رحيمًا بأولاده محبًا لهم مراعيًا لقدراتهم، (فالقلب الذي يتجرد من خلق الرحمة يتصف صاحبه بالفظاظة والغلظة، ولا يخفى ما في هذه الصفات القبيحة من ردود فعل انحراف الأولاد، وفي تخبطهم في أوحال الضياع، لهذا كله نجد شريعتنا الإسلامية الغراء قد رسخت في القلوب خلق الرحمة، وحضت الكبار من آباء ومعلمين ومسئولين على التحلي بها، والتخلق بأخلاقها، وإليكم اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بموضوع الرحمة:
ـ قال صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا) [صححه الألباني في صحيح الجامع، (5444)].
ـ ويقول عليه الصلاة والسلام: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل ومعه صبي فجعل يضمه إليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أترحمه، قال: نعم، قال: فالله ارحم بك منك به وهو أرحم الراحمين) [صححه الألباني في الأدب المفرد، (377)].
ـ وعن عائشة قالت: (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أتقبلون الصبيان؟ فما نقبلهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة؟) [متفق عليه].
ـ عن أبي هريرة قال: (قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس،  فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدًا، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال من لا يرحم لا يرحم) [متفق عليه].
ـ وجاءت امرأة إلى عائشة رضي الله عنها فأعطتها عائشة ثلاث تمرات، فأعطت كل صبي لها تمرة وأمسكت لنفسها تمرة، فأكل الصبيان التمرتين ونظرا إلى أمهما، فعمدت إلى التمرة فشقتها فأعطت كل صبي نصف تمرة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته عائشة، فقال: وما يعجبك من ذلك لقد رحمها الله برحمتها صبييها [صححه الألباني في الأدب المفرد، (89)].
وينبغي ألا يغرب عن البال أن ظاهرة الرحمة إذا حلت قلب الأبوين، وترسخت في نفسيهما، قاما بما يترتب عليهما من واجب، وأديا ما عليهما من حق تجاه من أوجب الله عليهما حق الرعاية، وواجب المسئولية، ألا وهم الأولاد) [تربية الأولاد في الإسلام، عبد الله ناصح علوان، (1/54-55-56)].
كلمة أخيرة:
لعلك الآن بإذن الله أخي المربي قد عرفت التعامل الصحيح مع أبنائك، وأن كل ابن من أبنائك له صفات تميزه عن الآخر وليس كل واحد منهم يُعامل بنفس المعاملة، فإنك حينما تضع المفتاح في القفل المناسب تستطيع فتح القفل، وبهذا يوفقك الله عز وجل بأن تخرج من بين يديك أفذاذًا وروادًا أمثال صلاح الدين وقطز ونور الدين محمود.
المصادر:
·          تربية الأولاد في الإسلام     عبد الله ناصح علوان.
·          سياسيات تربوية خاطئة            محمد ديماس.
·          اللمسة الإنسانية      محمد محمد بدري.
·          منهج التربية الإسلامية             محمد قطب.

 

مفكرة الإسلام
·          صناعة النجاح       د. طارق السويدان- أ.فيصل باشراحيل.

JoomShaper