يعد التفاوض مع الأطفال من أصعب المهام التي يجب على الآباء خوضها لإقناعهم من خلال الحوار وتجنب شتى أنواع العنف، وتكمن الصعوبة في أن الطرف المقابل لا يهتم بالمنطق ولا يعتمده أداة للفهم والتحليل. ويقترح العديد من المختصين في التربية حيلا ذكية تساعد الوالدين والمربين في خوض هذه المهمة الصعبة والوصول إلى الهدف المنشود وهو إقناع الطفل دون ممارسة الضغط عليه.
واشنطن - يجد الكثير من الناس أنفسهم جالسين على الطاولة مع طرف لا يمكنهم التخلي عنه أو استبداله: طفلهم. ويرى الآباء أنفسهم في هذا الوضع وكأنهم يبحثون عن استراتيجية ملائمة للرد على شخص لا يتبع منطقا في كلامه.


ويقترح الأستاذ الجامعي في كلية هارفارد للأعمال مايكل ويلر، مؤلف كتاب “فن التفاوض: كيف تجترح اتفاقا في عالم مفعم بالفوضى”، الذي يعتبر أنه يتمتع ببعض الخبرة مع الأطفال كطرف في التفاوض لأنه أب وجد، البدء بهيكلة الخيارات قبل تقديمها للأطفال، وطرح مثال موقف يرفض فيه الطفل مغادرة المنزل، قائلا إنه بدلا من محاولة إقناع الطفل بالدخول إلى السيارة، يمكن أن يقول الوالد “لقد حان وقت المغادرة. عندما نصل إلى هناك، أخبرني عمّا تريد القيام به، ويمكننا أن نفعل ذلك بعد خمس دقائق”.
وتختلف طبيعة الإغراء من طفل إلى آخر، لكن المفتاح يكمن في السماح له بأن يشعر بالقدرة على المساهمة في اتخاذ القرار. بهذه الطريقة، يؤكد ويلر في حديث لمجلة ذي أتلانتك الأميركية “إنهم لا يشعرون كما لو أنهم تعرضوا للتنمر”.
ويمكن اللجوء إلى المفاوضة المباشرة. كأن تقول لطفلك “سأعطيك هذا إذا فعلت ذلك”. يمكن أن تكون هذه الطريقة مفيدة في التفاوض، لكن لا يجب الإفراط فيها. ويشير ويلر إلى وجوب الحذر من هذا النوع من المفاوضات بصفتك أحد الوالدين. إذ يمكن أن تنشئ عن غير قصد حافزا على السلوك الذي تريد ردعه.
من جانبها أكدت المؤلفة ويندي توماس راسل هذه الفكرة، وقالت “تعلم المفاوضة بهذه الطريقة الأطفال التعاون عندما يكون هناك شيء يمكن اكتسابه في المقابل، بدلا من فهم ضرورة إيجاد حلول مناسبة للجميع”.
واقترحت راسل تعديلا بسيطا على اقتراح ويلر، مشيرة إلى إمكانية طرح خيارات لتغيير ما يحدث أثناء النشاط المعني، بدلا ممّا يتبعه. واقترحت هذه المفاوضة في حالة رفض الطفل ركوب السيارة “حان الوقت للذهاب. هل تريد أن أحملك إلى السيارة أو أن نتسابق إليها؟”، وإذا رفض الطفل ارتداء ملابسه، يمكن أن يسأله أحد الوالدين عمّا إذا كان يريد اختيار ملابسه بنفسه.
وبغض النظر عن تفاصيل التفاوض، ينصح ويلر بأن يفكر الآباء والأمهات في العملية موضحا أن الأطراف المتفاوضة عادة ما تطرح التفاصيل أكثر من مرة، مباشرة أو ضمنيا، في إشارات كلامية أو مادية. قائلا “تجب مناقشة تفاصيل التفاوض بشكل أكثر وضوحا”.
على سبيل المثال، عندما يرفض الطفل القيام بشيء ما، يرى ويلر أنه من الأفضل إجراء محادثة شاملة بدلا من التعامل مع الرفض.
وذكر زميلا له في هارفارد، ديباك مالهوترا، قد استخلص من تجربته في خوض مفاوضات سلام أنه إذا سألت الناس “هل تقصدون هذا فعلا؟”، فسيجبون بنعم. وهو ما ينطبق على الطفل الذي سيصبح أكثر عنادا وإصرارا على رفضه إذا ما قفزت إليه.
وبدلا من ذلك، يقترح ويلر ردا مثل “ربما تشعر بهذا الآن، ولكن دعنا نتحدث عمّا قمنا به معا”. ويمكن أن يتبع ذلك بعض التقدم في المفاوضات المبنية على خلاصة الاتفاقات السابقة الناجحة.
كما يقترح اتباع تقنيات أثبتت نجاعتها في أسر أخرى، أو العمل على منوال نجاحات سابقة.
وتوصي راسل بتقييم أسباب عدم التزام الطفل. وطرحت قائمة من الاحتمالات فقد يرفض الطلب لأنه غير معقول، فلا يمكن مثلا توقع أن يقبل الأطفال الذين لا يتجاوز سنهم العامين مشاركة ألعابهم، أو لأنك لم تنجح في تلبية احتياجاته العاطفية بالكامل “الاهتمام، أو الاتصال، أو اللعب” ، أو لأنه في سن يشعر خلالها برغبة في التأكيد على ما يريده “فالأطفال في عمر أربع سنوات يخوضون صراعات على سلطة اتخاذ القرار”.
وبينت راسل أن الأطفال يقدمون أحيانا شكاوى مشروعة بسبب التوقعات التي يفرضها آباؤهم عليهم. وفي تلك الحالات، يصبح التفاوض على اتفاق مشترك الورقة الرابحة. وقالت إن جزءا مهمّا من تلك المفاوضات يكمن في إبراز التعاطف مع مشاعر الأطفال، دون اتفاق أو خلاف أو محاولة تطبيق المنطق أو رفع روحهم المعنوية. وأضافت “بالهدوء، يمكن للأطفال التفاوض بعقلانية”.
ومن المرجح أن تساعد المشاركة في صنع القرار الأطفال على أن يصبحوا مستقلين، بدلا من مجرد أفراد يطيعون دون مجال للمناقشة. وقالت شارنا أولفمان، أستاذة مختصة في علم النفس في جامعة بوينت بارك في بيتسبرغ “يمكن أن يقرر الأطفال الصغار ما إذا كانوا سيتناولون الإجاص أم التفاح. ويعتبر الطفل في المرحلة الابتدائية مستعدا للمشاركة في اختيار الأنشطة غير الدراسية”.
وبمجرد أن يستطيع الأطفال الاستماع والتحدث، يستفيدون من سماع الأساس المنطقي في ما يراه آباؤهم مهما. تفسر أولفمان “إذا قال الآباء اغسلوا أسنانكم وسأل الأطفال لماذا؟ يرسل الجواب لأنني قلت هذا رسالة بأنه طلب تعسفيّ يتوقع الطاعة”. وعندما يتعلق الأمر بالوصول إلى النتائج المرجوة، يقول ويلر إنه يفضّل التفاوض مع شخص لديه “نظرة شاملة عن اهتماماته” ويمتلك “درجة عالية من الوعي بذاته”. لكن، لا يمتلك الأطفال هذا الجانب.
وأشار ويلر من جهة أخرى إلى أن الأطفال أذكياء حتى وهم في مرحلة ما قبل الكلام. لكنهم لا يفهمون الكثير من الأمور وقد لا يكون الأطفال شركاء تفاوض مثاليين. لكن الكثير من البالغين ليسوا كذلك أيضا.

JoomShaper